اقتباس
فهل يُقيِّض الله -تعالى- للمسجد الأقصى أحرارًا أطهارًا أبرارًا يطهرون جنباته من أرجاس اليهود، ويعيدونه إلى أحضان المسلمين؟ وهل يرزقنا الله -عز وجل- فيه صلاة قبل الممات؟ وهل تُشد إليه الرحال من كل بقاع الأرض كما تُشد إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي؟.. إنها أمنيات غاليات ما عقدنا ملفنا العلمي هذا إلا ليكون خطوة في طريق تحقيقها...
لطالما تساءل الناس: لماذا سمي "المسجد الأقصى" بهذا الاسم؛ لماذا وُصف بـ"الأقصى" الذي هو "الأبعد" عكس "الأدنى" و"الأقرب"؟
فوجدت الإمام القرطبي يجيب قائلًا: "سمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة"، وأضاف الخازن سببًا آخر قائلًا: "أو لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد".
وقبل أن تكون الكعبة قبلة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، كان المسجد الأقصى هو قبلتهم، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى نحو بيت المقدس، ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)[البقرة: 144]، فتوجه نحو الكعبة "(متفق عليه).
والمسجد الأقصى المبارك هو مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي صلى فيه ركعتين ليلة الإسراء، يقول الله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الإسراء: 1]، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين..."(متفق عليه، واللفظ لمسلم).
وهو كذلك أحد المسجد الثلاثة التي لا يُسافَر إلا إليها، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى"(متفق عليه).
والصلاة فيه مضاعفة الأجر؛ فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة"(رواه البيهقي في الشعب، وحسنه الهيثمي في المجمع).
وهو من الأربعة مساجد التي لا يدخلها المسيح الدجال، كما قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور، ومهما كان من ذلك فاعلموا أن الله ليس بأعور"(رواه أحمد، وصححه الألباني).
فللمسجد الأقصى مزايا وفضائل على سائر مساجد الأرض عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي.
***
وللمسجد الأقصى تاريخ طويل، لا يقل طوله عن تاريخ المسجد الحرام إلا بأربعين عامًا فقط، فعن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة"(متفق عليه).
بناه آدم -عليه السلام- بعدما بنى المسجد الحرام بأربعين سنة، أو بناه أحد أبنائه، ويقال بنى إبراهيم المسجد الحرام ثم بنى ولده يعقوب -عليهما السلام- المسجد الأقصى بعده بأربعين سنة...
ومع مرور الأزمان تهدم المسجد الأقصى وأعيد بناؤه مرات، فكان ممن أعاد بناءه نبي الله سليمان -عليه السلام-، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن "سليمان بن داود لما بنى مسجد بيت المقدس، سأل الله خلالًا ثلاثة..."(رواه النسائي، وصححه الألباني)، فما فعله سليمان -عليه السلام- هو أن جدَّد بناء المسجد الأقصى ولم يبتدئ بناءه، ولما بنى بنى مسجدًا يوحَّد فيه الله -تبارك وتعالى- ولم يبن هيكلًا يهوديًا يُشرك فيه مع الله -حاشاه-.
***
ثم جاء أراذل الخلق من اليهود فاحتلوه ودنسوه، وهم يعدون العدة ليهدموه ويبنوا مكانه هيكلهم المزعوم! فالمسجد الأقصى الآن مغتصب يئن تحت وطأة غاصبيه ويشتكي إلى ربه -عز وجل- تخاذل المسلمين عن نصرته.
وإنها ليست المرة الأولى التي يغتصب فيها المسجد الأقصى، بل لقد فتحه الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ثم اغتصبه النصارى، فحرره صلاح الدين الأيوبي، ولذلك قصة يرويها مجير الدين العُلَيْمي فيقول: "وكان في بيت المقدس شاب مأسور من أهل دمشق كتب هذه الأبيات وأرسل بها إلى الملك صلاح الدين على لسان القدس فقال:
يا أيها الملك الذي *** لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة *** تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهرت *** وأنا على شرفي منجس
فكانت هذه الأبيات هي الداعية له إلى فتح بيت المقدس، ويقال إن السلطان وجد في ذلك الشاب أهلية فولاه خطابة المسجد الأقصى"(الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، للغليمي).
فهل يُقيِّض الله -تعالى- للمسجد الأقصى أحرارًا أطهارًا أبرارًا يطهرون جنباته من أرجاس اليهود، ويعيدونه إلى أحضان المسلمين؟ وهل يرزقنا الله -عز وجل- فيه صلاة قبل الممات؟ وهل تُشد إليه الرحال من كل بقاع الأرض كما تُشد إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي؟...
إنها أمنيات غاليات ما عقدنا ملفنا العلمي هذا إلا ليكون خطوة في طريق تحقيقها، وقد جعلنا هذا الملف على عدة محاور يتناول كلٌ منها جانبًا من جوانب المسجد الأقصى؛ فالأول عن تاريخه، والثاني عن مكانته، والثالث عن معالمه، والرابع عن الصراع الدائر عليه بين المسلمين وأعدائهم، والخامس عن واجبنا نحوه.. واللهَ نرجو أن ينفع به من يطالعه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم