الوصية بمداومة الطاعة والرباط في المسجد الأقصى المبارك

الشيخ د محمد أحمد حسين

2023-04-28 - 1444/10/08 2023-04-30 - 1444/10/10
عناصر الخطبة
1/حال المسلم بعد وداعه لشهر رمضان 2/فضيلة إتباع الحسنة الحسنة 3/الوصية بصيام ست من شوال وبيان فضلها 4/اتساع أبواب الخير في الشريعة الإسلامية 5/الحث على عبادة شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك 6/استنكار الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك والدعوة لنصرته 7/قدسية المسجد الإبراهيمي الشريف ومكانته

اقتباس

من العبادات التي قد يَغفُل عنها بعضُ أهلنا وإخواننا في هذه الديار المبارَكة، في هذه الديار المقدَّسة، ديار الإسراء والمعراج بحبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من هذه العبادات شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك، نعم شدّ الرحال إلى الأقصى، في جميع الأيام، وفي كل الأوقات عبادة شريفة كريمة...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالِنا، مَنْ يَهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واتبع أثرهم، واقتفى سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على المجاهدين والشهداء والأسرى والمعتقَلين، وعلى الساجدين الراكعين في المسجد الأقصى المبارَك، وعلى كل ساجد في دُنيا المسلمين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الُمَقْدسِ وأكناف بَيْت المَقدِس: ودَّعْنا شهرَ رمضان المبارَك، بالصيام والقيام والطاعات، ولا يعني هذا أن نتوقف عن طاعة الله -سبحانه وتعالى-، بعد أيام رمضان؛ فرب رمضان ورب الشهور كلها هو الله -سبحانه وتعالى-، الحي القيوم، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد؛ فالرب الذي عبدناه في رمضان، هو -سبحانه- رب شوال، وذي القعدة، وذي الحجة والمحرمة وسائر الشهور على مدار العام والأعوام؛ لذلك أيها المؤمنون علينا أن نحرص على مواصلة طريق الطاعة؛ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99]، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ)[هُودٍ: 112].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّها الطاعات بأشكالها وألوانها، بين الفرائض وبين النوافل، لا بل إنَّها الطاعات الأشمل والأوسع والأكبر؛ إنَّها الطاعات التي تؤدِّي إلى معرفة الله -تعالى-، وإلى محبته، وإلى العمل دائمًا لجلب رضوانه وطاعته، حتى نكون -جميعًا- من السائرين في طريق الحق إلى الحق، على منهاج الله المستقيم، وفي شعائره الواضحة بين الفرائض والنوافل ومختلف الطاعات.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ولعله من ألوان الطاعات بعد رمضان صيام النوافل، وقد جاء في الحديث الشريف، عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ‌صَامَ ‌رَمَضَانَ ‌وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".

 

أيها المؤمنون: والحسنة كما ورَد في الأحاديث الشريفة، وفي الآيات القرآنيَّة الكريمة بعشر أمثالها، إلى أضعاف كثيرة؛ كما بين ذلك كتاب الله، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضِعْف، إلى أضعاف كثيرة"، فلنحرص أيها المؤمنون على مواصلة الطاعة في هذه الأشهر التي تلي شهر الصيام، شهر رمضان؛ كصيام الستة أيام من شهر شوال، كمن صام الدهر كله؛ بمعنى أن شهر رمضان يعدل عشرة أشهر، وأن الستة أيام تعدل شهرين، وبهذا يكون المسلم الذي أدَّى فريضة الصيام في رمضان وأتبعها ستًّا من شوال من باب السنة والنافلة كمن صام السنة كلها؛ فلنحرص على هذه الأيام.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ومن سُنن النوافل في الصيام كذلك صيام يوم الإثنين، ويوم الخميس، وصيام ثلاثة أيام هي البيض من كل شهر، أو ثلاثة أيام من كل شهر، وكلها وردت أحاديث شريفة تبين فضلها، وتبين ثوابها، وكذلك أيها الأحبابُ، إن مائدة الرحمن ممدودة للطائعين، والعابدين، والقائمين في الليل؛ إنَّها مائدة شريفة قدسية، يرضى الله بها عن عباده الصالحين، الذين يقومون بالطاعات، ويلتزمون بأفعال الخيرات، نعم، فهناك كذلك بجانب أداء الفرائض والحرص عليها في الجماعة والمساجد، هناك النوافل الراتبة مع الصلوات المفروضة، وهناك كذلك النوافل التي تتمثَّل في قيام الليل وإحيائه، يقول رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "‌خير ‌القيام ‌قيام ‌داود -عليه السلام-، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وخير الصيام صيام داود -عليه السلام-، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

 

نعم أيها المسلمون، أيها العابدون، أيها المعمرون للمسجد الأقصى المبارَك: إنَّها مائدة الرحمن ممدودة أمام الطائعين، أمام الصابرين، أمام القائمين والساجدين والراكعين، الذين لا يشغلهم عن ذكر الله شاغل، بل يشتغلون دائمًا بذكر الله؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

نعم أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّها الأبواب الواسعة والكثيرة المؤدِّية إلى النجاح والفَلَاح في الدنيا، وكذلك في الآخرة، يقول لنا رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "يدعى الناس يوم القيامة، أهل الصلاة من باب الصلاة في الجنة، وأهل الزكاة من باب الزكاة في الجنة، وأهل الصيام يدخلون من باب الريان، وأهل الرباط والجهاد يدعون من باب الجهاد، فيقول أبو بكر -رضي الله عنه-: "أو يدعى يا رسول الله واحد من هذه الأبواب كلها؟ فيقول -صلى الله عليه وسلم- لصديقه وصديقه، أبي بكر -رضي الله عنه-: نعم يا أبا بكر، وأرجو أن تكون منهم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوز المستغفرين استغفروا وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدِينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنِعم الله وينالوا رضوانَه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا، محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى وسار على أثرهم إلى يوم الدين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: من العبادات التي قد يَغفُل عنها بعضُ أهلنا وإخواننا في هذه الديار المبارَكة، في هذه الديار المقدَّسة، ديار الإسراء والمعراج بحبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من هذه العبادات شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك، نعم شد الرحال إلى الأقصى، في جميع الأيام، وفي كل الأوقات عبادة شريفة كريمة، يقول فيها رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "‌لَا ‌تُشَدُّ ‌الرِّحَالُ ‌إِلَّا ‌إِلَى ‌ثَلَاثَةِ ‌مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى"، فإذا كان الرحال من المسلمين يشد بعد قليل إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، لأداء فريضة الحج، وهي الركن الخامس من أركان الإسلام العظيم، فإن المسجد الأقصى المبارَك على مدار الأيام والأعوام، وفي جميع الظروف والأوقات والمناسبات، هو موقع ومكان مقدس لشد الرحال إليه، وفي شد الرحال إليه ثواب القاصدين للقدس ومسجدها الأقصى، في كل خطوة من خطواتهم، يمحو الله عنهم سيئة، ويكتب لهم حسنة، ونرجو أن تكون حسنات مضاعفة، كما أن الذين يشدون رحالهم إلى المسجد الأقصى المبارَك يفوزون بثواب مضاعَفة الأجر لأداء العبادة في المسجد الأقصى المبارَك، فقد ورد في الأحاديث الشريفة والآثار الكريمة أن ثواب الصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة، أو خمسمائة صلاة، أو على الأقل بمائتين وخمسين صلاة، كما أن كل عمل لمن شد رحاله إلى المسجد الأقصى بنية الزيارة، وبنية العبادة، وبنية الاعتكاف يتضاعف في المسجد الأقصى المبارَك، كما يضاعف ثواب الصلاة يضاعف ذكر الله، وتلاوة القرآن، وحضور الدروس الدينيَّة، وإلى غير ذلك من أعمال الخير والبر.

 

فاحرِصوا يا أبناءَ أرض الإسراء والمعراج دائمًا على شد الرحال إلى المسجد الأقصى؛ لتفوزوا بكرامتين: كرامة الزائر، وكرامة العابد، وكرامة المرابط، وكرامة المعمر لبيت الله -تعالى- الأقصى المبارَك، الذي باركه الله وقدسه في محكم تنزيله العزيز الكريم.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وما أحوجنا في هذه الأيام لشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك، وهو يتعرض لهذه الاستباحة من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومن قبل مستوطنيه، ومن قبل جماعاته المتطرفة، لا بل مِن قِبَل المسؤولين في الحكومة أو في غيرها من مواقع المسؤوليَّة في سلطات الاحتلال، نعم إننا نقول من علياء هذا المنبر الشريف، نقول للاحتلال أولًا، وللعالم بأسره ثانيًا: "إن المسجد الأقصى المبارَك هو مسجد إسلامي للمسلمين وحدهم، لا يشاركهم فيه أحد، وأنَّه من بيوت الله التي لا تشد الرحال إلا إليها، وأنَّه من عقيدتنا، ومن عبادتنا، ومن ديننا، ومن حضارتنا، ومن تاريخنا، إنَّه المسجد الأقصى المبارَك، بكل ساحاته، وبكل مصلَّياته، وبكل أروقته وقبابه ومصاطبه وآباره، بكل ذرة تراب فيه، فيما أديرت عليه الأسوار، والبالغة مساحتها مئة وأربعة وأربعون دونما، إنَّه المسجد الأقصى المبارَك، الذي نتمسك بكل ذرة تراب فيه، بكل مصلياته، هذا المصلى، ومصلى قبة الصخرة المشرفة، ومصلى باب الرحمة، والمصلى المرواني، وبكل مصطبة أو مكان تؤدى فيه الصلاة.

 

نعم هذا هو المسجد الأقصى المبارَك كما نفهمه نحن ويفهمه كل مسلم في هذا العالَم، فإذا كان يُستباح وتُنتهَك قدسيتُه من خلال الاقتحامات المسلَّحة، والمحمية بجيش الاحتلال وجنوده التي لا تُغيِّر من وضعه شيئًا، فالمسجد الأقصى هو المسجد الأقصى، رغم اعتداء المعتدين، وتغطرس المتغطرسين، وظلم الظالمين، وسيبقى بحول الله وقوته هو المسجد الأقصى المبارَك، تشدون رحالكم إليه في جميع الظروف والأوقات، وسيخسر المعتدي وسيرتد ناكصًا على عقبيه -بإذن الله-تعالى-؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- هو الحق، وهو ناصر الحق، وهو ناصر المتمسِّكين بالحق، وأنتم يا أبناء الإسراء والمعراج تتمسَّكون بحقكم، وبعقيدتكم، وبإسلامكم في المسجد الأقصى المبارَك، فبارَك اللهُ فيكم، وفي ذرياتكم، وفي كل من يرفع صوته عاليًا لإحقاق الحق في هذه الديار المبارَكة.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وما ينطبق على المسجد الأقصى المبارَك بأنَّه مسجد إسلاميّ للمسلمين وحدَهم، يَنطبِق على المسجد الإبراهيمي الشريف؛ لأنَّه أيضًا مسجد إسلامي تنحصر وقفيته على المسلمين وحدهم، وإن ما جرى فيه في الأيام الأخيرة لهو عدوان صارخ تتحمل سلطات الاحتلال تداعياته كافَّة، ونقول ونؤكد دائمًا: بأن هذه المساجد هي مساجد المسلمين وحدهم، وسيبقى أبناء أرض الإسراء والمعراج يعمرونها، سيبقون -بإذن الله-تعالى- السدنة الأوفياء، والحراس الأمناء لها، ما دام يرفع عن مآذن هذه المساجد قول: لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ، وهو ما يذكرنا بنداء بلال -رضي الله عنه- يوم نادى بالتوحيد وللصلاة في رحاب المسجد الأقصى المبارَك، وسيبقى صوت الحق عاليًا مسموعًا في سماء القدس، وسماء الخليل، وفي كل جزء من أرض فلسطين المباركة، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها؛ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40]، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[التَّوْبَةِ: 105].

 

اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا ووفقنا اجتنابه، اللهم وخذ بأيدي المسلمين إليك، وأقبل بقلوبهم عليك، وهب لنا عملًا صالحًا يقربنا إليك.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم شهداءنا، وعجل في إطلاق سراح أسرانا، واشف مرضانا وجرحانا، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

 

وَصَلَّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسنقيم -إن شاء الله- صلاةَ الغائب على أرواح الشهداء بعد صلاة الجمعة مباشرةً.

 

وأنتَ يا مقيمَ الصلاة؛ أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

الوصية بمداومة الطاعة والرباط في المسجد الأقصى المبارك.doc

الوصية بمداومة الطاعة والرباط في المسجد الأقصى المبارك.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات