عناصر الخطبة
1/ حكمة الله من كون الصراع والاختلاف سنة كونية باقية 2/ أُسُّ الصراعات مع أعداء الملة 3/ تسلُّط اليهود وتمكنهم من أرض المسلمين 4/ حديث القرآن عن اليهود وخصائصهم 5/ عداء اليهود للمسلمين وافتعالهم الفتن بينهم لاستنزافهم وتفريقهم 6/ عظم قدر المسجد الأقصى في قلب كل مسلم 7/ الثقة بموعود الله تعالى في نصر الحق وأهله.اقتباس
نحن على يقين بموعود الله، وعلى اعتقاد بأنه ما يحدث من شيء فهو بإرادة الله, وعلى ثقة بنصر الله, وأن البشر كلهم تحت تدبير الله, فلنكن ممن يضع لبنة في بناء الإسلام بإصلاح أنفسنا ومَن حولنا, فالأمة لا تريد من يتابع أحوالها وهو لا يزال في تقصيره وعصيانه, إنما تريد منا العمل وإصلاحَ الجيل وتصحيح الاعتقاد, وحينها فمن يدري فلربما كنت أنت, أو ولدَك ممن يحرر الأقصى ويرفع راية الإسلام.
الخطبة الأولى:
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العالم بحال العبد في سرِّه وجهره, الجائد على المجاهد بنصره, وعلى المتواضع من أجله برفعه, يسمع صريف الأقلام، ويرى دبيب النمل في فيافي قفره, ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.
أحمده على كل القضاء حلوّه ومرّه, وأستغفره من كل الذنوب وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقامة لذكره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالدين الحق إلى الخلق في بره وبحره؛ صلى الله عليه وعلى آله واتباعه وصحبه, وسلم تسليماً الى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون.
عباد الله: قضى الله أن يكون تاريخ الأمة مثقلاً بالصراع بين المسلمين وبين أعدائهم, ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة, ولو شاء لآمن منْ في الأرض كلهم جميعاً, لكنه ولحكمةٍ يعلمها قضى أن يبقى الصراع والاختلاف: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 118- 119] ليزيد المؤمنَ رفعةً ويأجُرَه, وليزداد الكافرُ عتواً وضلالاً, ليملي له.
وأُسُّ الصراعات مع أعداء الملة هو الصراع مع يهود, أولئكم القوم الذين حاربوا ديننا في مهده, وعارضوا نبينا في أول أمره, وقبل ذلك قاتلوا أنبياء الله ففريقاً كذَّبوا وفريقاً يقتلون.
وليس يخفى على كل مسلم صَغُر أو كَبُر, تاريخ الصراع بيننا وبينهم, ذلكم الصراع الذي تميزوا فيه بالخسة وبالمكر, وأمكن الله فيه للمؤمنين بالنصرة والظفر.
ومنذ عقلنا وعقل كهولنا ونحن نعيش هذا الصراع في أرض مسرى الأنبياء, يخبو تارة ويعلو تارات, لكن الذي ظل طوال هذه المدة هو تسلُّط اليهود وتمكنهم من أرض المسلمين, واستيلائهم على أرض المسجد الأقصى.
سأتجاوز كل هذا لأقف مع أعظم كتاب وأشرف كلام، وعن حديث الله في القرآن عن اليهود, وكلُ تالٍ للقرآن يرى الكمّ الكبير من الآيات في أخبار يهود وصفاتهم، وما ذاك إلا ليحذر المسلمون من الانخداع بهم, ويهود اليوم ما هم إلا امتداد ليهود الأمس, وصفات اليهود في القرآن تنطبق عليهم أينما وُجدوا في كل عصر وقُطْر.
يا كرام: لقد حدثنا القرآن عن جبن اليهود وخوفهم وأنهم (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [الحشر: 14]، والواقع يؤكد هذا المعنى, فلا تزال مشاهد أطفال الحجارة قبل سنوات ماثلة للعيان, لكنهم اليوم استأسدوا حين غابت الأسود.
ويحدثنا القرآن -يا مؤمنون- عن خيانتهم للعهود، ويقول ربنا -عز وجل- واصفاً معاهداتهم واتفاقياتهم (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 100].
وقال مبيناً نهاية كل معاهدة معهم: (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) [المائدة: 13]، اعتبر, فهذا حال يهود الأمس, وأما يهود اليوم فهم أصحاب عبارة: "لا توجد وعودٌ مقدَّسة" لذا لا عجب أن تنقض العهود مرة بعد أخرى, وهل وفى اليهود لأحدٍ بعهد, والمصيبة بعد كل هذا أن يأتي مَن يثق بوعودهم, وقد حدثنا القرآن عنهم بحقيقةٍ ثابتةٍ لا تتغير مهما توالت قرونهم.
معشر الكرام: ويبيِّن القرآن أمراً درج عليه سابقوهم, وهو قتلهم خِيرة الناس من علماء ودعاة, وفي ذلك يقول الله -تبارك وتعالى-: (ويَقْتُلُونَ الَذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران: 21]، وتاريخهم في قتل الأنبياء أسود, ولولا أن الله حفظ منهم نبيه -عليه السلام-, وقبل ذلك عيسى -عليه السلام-, لسعوا في قتلهم.
ويهود اليوم وتاريخهم في ذلك لم يعد خافياً, وفي ذلك يقول أحد زعمائهم: "إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لا بد أن يبادروا ذات يومٍ إلى التعاون معنا, ولكن هذا التعاون لن يتحقق إلا بعد القضاء على جميع العناصر التي تغذّي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي, وفي مقدمة هذه العناصر رجال الدين المتعصبين".
عباد الله: والقرآن يبين أن اليهود قد أساؤوا الأدب مع الله واجترأوا عليه, ولذا استحقوا أن يخصّهم باللعنة والغضب, فهم المغضوب عليهم, وهم الملعونون على لسان الأنبياء (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 79].
لقد وصفوا الله بالنقائص, وصفوه بأنه بخيل وهم كرماء, وأنه فقير وهم الأغنياء, وأنهم شعبه المختار, وأنهم أبناؤه وأحبابه, وأن عزيراً ابنُه, ولا يزال يهودُ اليوم يقولون ما يقوله أسلافهم.
والقرآن يا كرام يخبرنا أنهم تنطوي قلوبهم على البغض لكل مسلم, بل إن عداوتهم أشد من عداوة كل أعداء الدين الآخرين؛ (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة: 82] لذا, فمن ينتظر منهم رحمة للأبرياء, ومن يتوقع منهم رأفة بمن يدينون بالإسلام, فذاك جاهلٌ قد سَفِهَ نفسه, بل قلوب هؤلاء منطوية على حبّ التشفي من المسلمين.
عباد الله: ويخبرنا القرآن بحقيقة ما أعظم أن تستقر في سويداء كل قلب؛ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120]، إننا اليوم يوم نقاتل اليهود فليس ذلك إلا لأجل الدين, ولن يقف الصراع حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا, وهم يصرحون بذلك في أحاديثهم, وقد وقف أول رئيس وزراء لدولة الكيان في هيئة الأمم المتحدة بعد اعتراف العالم بما يسمى بدولة إسرائيل، فقال أمام العالم كله: "قد لا يكون لنا في فلسطين حقٌّ من منطلق سياسي أو قانوني، ولكن لنا في فلسطين الحق من منطلق وأساس ديني، فهي أرض الميعاد التي وعدنا الله وأعطانا إياها من النيل إلى الفرات، وأنه يجب الآن على كل يهودي أن يهاجر إلى أرض فلسطين، وأن على كل يهودي لا يهاجر اليوم إلى إسرائيل بعد إقامتها أن يعلم أنه مخالف للتوراة، وأنه يكفر كل يوم بالدين اليهودي".
ثم قال: "لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل بدون فلسطين".
معشر الكرام: والقرآن قرر حقيقة عن اليهود بأنهم لا يألون جهداً في السعي في الأرض فساداً, وفي افتعال الفتن بين المسلمين لاستنزافهم وتفريقهم بها (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة: 64].
وكم من فُرقَةٍ وشَتاتٍ بين المسلمين كان من وراءها اليهود, وكم من حربٍ أوقدوها, وهيَّأوا أسبابها, يبغون بها القضاء على المسلمين, فيطفِئُها الله برحمته.
واليهود مختلفون أيما اختلاف فيما بينهم (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [المائدة: 64]، ولو اجتمعت كلمة المسلمين لرأوا أن في عدوهم من الضعف والفُرقة والتباغض فيما بينهم ما يمكِّنُهم من النصر عليهم.
وبعد هذا كله: فيوم أن تُذكَر أحوال يهود وصفاتهم في القرآن؛ فليس ذلك لمجرد الحديث عن أمّةٍ خلت, وشِرعَةٍ بُدِّلَت, بل هو حديث لا بد أن تأخذ منه أمةُ الإسلام العبرة لكي تحدد علاقتها مع يهود, وتعرف حقيقة هذا العدو.
اللهم صل على محمد وآله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد: كل مسجد في الأرض له في قلوبنا القدرُ الكبير, ولكنْ يبقى قدرُ المسجد الأقصى في قلب كل مسلم كبيراً وعظيماً, كيف لا وهو مسرى النبي, والموضع الذي اجتمع فيه الأنبياء للصلاة فيه جماعة, كيف لا وهو أول القبلتين, وهو أحد ثلاثة مساجد تشد لها الرحال, كيف لا, وهو ثاني مسجدٍ وضع في الأرض بعد المسجد الحرام, كيف لا وهو في الأرض المباركة, باركه الله وبارك ما حوله (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ) [الإسراء: 1]، (وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71].
هذا المسجدُ يَئِنّ تحت وطأة اليهود منذ عقود, وزاد البلاء في الأيام الماضية بإغلاقه ومنع الصلاة والأذان فيه, في سابقة لم تقع منذ عقود من السنين, واليقين أنه لن يزيل شرَّهم ويدحر عاديتهم إلا ما دَحَرَ أسلافَهم, فالقوم الغُدْرُ سيبقون كذلك, حتى تجتمع كلمة المسلمين على قتالهم.
للأسف إنك راءٍ من الناس اليوم من يسطِّح القضية بيننا وبين اليهود, ومن ينادي بالتقارب معهم بحجة أننا بالقطيعة نخسر الكثير, ونجيّش العالم الغربي علينا, لأجل خصومة في بلدٍ ليست بلدنا وأرضٍ ليست أرضنا, وأما تهوين العداوة, وتقريب المواقف فبابٌ تبناه بعض المغردين هذه الأيام, والله المستعان, ولا عجب, فلن يلج الكفار إلينا إلا على إيدي المنافقين من جلدتنا.
عباد الله: لقد كان هذا المسجد المبارك مسرحاً للصراع مع النصارى, تحدِثُنا كتب التاريخ أنه في عهد صلاح الدين الأيوبي؛ كان النصارى يستولون على هذا المسجد المبارك, ويعيثون فيه فساداً, ظلوا على هذا تسعين عاماً, لا تُقام فيه الصلاة, بل حولوه إسطبلاً لخيولهم, فبعث شاب مأسور من هناك برسالةٍ له يقول فيها على لسان الأقصى
يا أيها الملك الذي *** لمعالم الصلبان نكَّس
جاءت إليك ظلامة تسعى *** من البيت المقدس
كل المساجد طُهِّرت وأنا *** على شرفي أنجس
فنفر إليه, وما زال حتى فتح الله على يديه الأقصى وما حوله, نعم هذا تاريخ أسلافنا, واليوم في الأمة خير كبير.
وبعد معاشر المسلمين: فنحن على يقين بموعود الله، وعلى اعتقاد بأنه ما يحدث من شيء فهو بإرادة الله, وعلى ثقة بنصر الله, وأن البشر كلهم تحت تدبير الله, فلنكن ممن يضع لبنة في بناء الإسلام بإصلاح أنفسنا ومَن حولنا, فالأمة لا تريد من يتابع أحوالها وهو لا يزال في تقصيره وعصيانه, إنما تريد منا العمل وإصلاحَ الجيل وتصحيح الاعتقاد, وحينها فمن يدري فلربما كنت أنت, أو ولدَك ممن يحرر الأقصى ويرفع راية الإسلام.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم