الشيخ محمد صفوت نور الدين
كثيرًا ما نُفرِّط في أمر الاعتقاد ونقول دعونا من تصحيح الإيمان، المسلمون يذبحون وأنتم تجلسون في المساجد وتقولون للناس قولوا لا إله إلا الله، المسلمون تستباح أعراضهم وأنتم تقولون للناس لا تنذر إلا لله، ولا تدع إلا الله، ويقولون نريد أن نجمع كلمة المسلمين وأن نوحد صفهم، وأن نواجه عدوهم، فهذه أموال المسلمين يتحكم فيها الكفار، لا بد أن ننبه المسلمين لينتزعوها حتى لا يتقوى بها عدوهم، ليس هذا هو طريق المسجد الأقصى، ولا هو طريق عز المسلمين، ولا طريق عودة مجدهم، ولا طريق التمكين لهم؛ لأن المسلمين ما انتصروا في يوم من الأيام بعدد وفير، ولا بعُده كثيرة إنما النصر من عند الله رب العالمين، ينصر من يشاء، وينبغي أن نتساءل عن كل بقعة أصاب المسلمين فيها ذل فسفكت دماؤهم واستبيحت أموالهم، وهتكت أعراضهم، وشردوا من ديارهم، هل أصاب المسلمين الذل والهوان أولًا؟ أم أنهم تركوا التمسك بدينهم وإيمانهم أولًا؟!!
إنه مما لا شك فيه ولا مراء أنهم إنما تركوا دينهم وإيمانهم أولًا، ثم نتذكر أن الله عز وجل قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ ، فلماذا نريد أن يغير الله عز وجل واقعنا من ذل إلى عز، ومن هزيمة إلى نصر بغير أن نغير من أنفسنا من معاصي وشركيات ومخالفات إلى طاعة وتوحيد وإيمان، لا بد أولًا أن نعرف الله رب العالمين، لا بد أن نعلم أن رب العزة ينـزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل في كل ليلة وينادي: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فهل غلبنا شهوة النوم وقمنا نصلي لله بجباه ساجدة، وبأعين دامعة، نضرع إلى رب العالمين نسأله النصر والتمكين، هل تغلبنا على شهوة النوم، فقمنا استجابة لله وهو ينادينا من يسألني.. من يدعوني، أم غلبتنا شهوة النوم فنحن في نوم عميق؟!!
إن للنصر أسبابًا وضعها رب العزة سبحانه، وأهم أسباب النصر:
1- الإيمان.
2- الدعاء.
3- توحيد الله ومعرفته.
4- القيام بأوامره.
مثال صارخ:
في رجب من سنة 1388 الموافق سبتمبر سنة 1968 انعقد المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بالقاهرة من أجل مؤازرة الكفاح ضد إسرائيل وقد قال أمين المجمع: قدم الأعضاء لمجمع البحوث إنتاجًا علميًا جليل القدر عظيم النفع يرتبط أوثق الارتباط بالحياة العلمية والعملية للمسلمين.
وقد شهد المجمع اثنان وثمانون من العلماء أعضاء المجمع ومن الممثلين للإسلام في بلاد الدنيا، وقدم أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية كلمة عنوانها: مكانة بيت المقدس في الإسلام، قال في آخرها:
كيف تقابلون وجه الله يوم القيامة؟ وهل تتركون الكعبة المشرفة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم عرضة للغزو والدمار؟ يا سيدي يا رسول الله يا أبا القاسم، إني أتوجه إليك في هذه الساعة الحرجة من تاريخ أمتك، وقلبي يقطر دمًا، أغثنا يا رسول الله، املأ قلوبنا بالإيمان وحِّد صفوفنا، إنا نبايعك على أرواحنا وأولادنا وأموالنا، إن مسراك ومعراجك وقبلتك الأولى، ومساجد يذكر فيها اسم الله واسمك تشكو وتستغيث:
على قبة المعراج والصخرة التي
تفاخر ما في الأرض من صخرات
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
فشد عزائمنا يا رسول الله، إنا نريد أن نموت ليعلو اسم الله ولترفع تكبيرات المؤمنين على المآذن بـ (الله أكبر... الله أكبر).
يا أبا القاسم يا رسول الله، أغثنا لا تتخل عنا فنحن لن نتخلى عنك قدنا إلى الجهاد، خير لنا أن نموت دفاعًا عن مقدساتنا وأعراضنا وأوطاننا التي انتهكت من أن نحيا عبيدًا أذلاء:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]. ا. هـ.
انظر إلى هذه الكلمة من هذا العضو في مجمع علمي، وتدبر كيف يكون النصر. شهد هذه الكلمات علماء الأزهر وشيخه ووفود بالمئات وهو يدعو من دون الله دعاء هو عين الشرك الأكبر الذي بعث الله الرسل للقضاء عليه، فهل يعود بيت المقدس بذلك، وإن عاد أفتكون عودته للإسلام والمسلمين أم أنها للشرك الصريح. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نعلم إخوة الإسلام أن النصر لا يكون إلا بالأيدي المتوضئة وبالجباه الساجدة وبالإيمان القويم بالذين يعلمون أن الرزاق هو الله: تذكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته" فالنصر رزق عزيز من الله الرزاق ذي القوة المتين، لا شك إنه ليس إلا عند الله رب العالمين، وقد استبطأنا النصر أن يأتينا وإن كان ذلك العمر الذي وقعت فيه الهزيمة في عرف الزمان قليل لكننا قد استبطأناه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله".
فلا بد أن تتجمع الوفود تحت كلمة الله لا تحت تراب نتداعى إليه ولا تحت شعارات ليس لها في الإسلام من نصيب. لو عاد المسجد الأقصى بهذا فكأنه ما عاد، بل قد بقي سليبًا، ونتذكر مرة أخرى أن الله أنـزل: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [سورة الفتح]، ولم يكن المسجد الأقصى يومها من ديار المسلمين ولا تحت سيطرتهم ولا دخل إلا والمسلمون في عز وتمكين، فو الله إني لأعجب من عمر والذي فتح الله له بيت المقدس وغيره من البلاد يرسل إليه عمرو بن العاص رسالة يطلب فيها أن يركب المسلمين البحر ليغزو بلاد الكفر فيما وراء البحر فيرسل عمر إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله صف لي البحر، هذا عمر خليفة المسلمين لا يعرف البحر، نعم إنه لا ينتصر بمعرفة البحار، إنما ينتصر بمعرفة الله رب البحار رب السماوات والأرض وما فيهن، فعمر إن كان لا يعرف البحر، فإنه يعرف رب البحر، إنما ينتصر بمعرفة رب العالمين يسجد له، يعرف أن النصر ليس إلا من عند الله فهو يصلي له ويعبده يعلم أن رب العالمين سبحانه وتعالى ينصر الجند بالإسلام ينصر الجند بالإيمان وبالتقوى ويعمل الصالحات.
قوة الإيمان:
إخوة الإسلام، إن رب العزة سبحانه وتعالى وعده حق وصدق، ولكن لا بد أن نحقق الشرط في أنفسنا فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله،ولا تعجز.. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكن كذا وكذا، ولكن قل: قدر لله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان". هذا الحديث المبارك فيه إرشاد كريم وتعليم قويم، لكن ما هي القوة المطلوبة في هذا الحديث: المؤمن القوي، تعني القوي في إيمانه الذي يستعد بما استطاع من قوة مادية (قوة بدن، وعدد، وسلاح)؛ لأنها أمر من أوامر الدين، والإيمان لا لأنه ينتصر بقوة السلاح ولا لأنه ينتصر بالعدد والعدة، بل لأن النصر من عند الله ينصر رسله وينصر المؤمن، فالعدة الأساسية هي الإيمان.
إخوة الإسلام، اعلموا أنه لا يرجع بيت المقدس، ولا المسجد الأقصى إلا بجباه ساجدة، وقلوب موحدة، قلوب تعرف ربها فتلجأ إليه، وتضرع وتعلم أن العدة سبب، وأن العدد سبب، وأن الله إن شاء جاء بالنصر ولو مع قلة في هذه الأسباب، وإنما الذي علينا أن نعلم أن الله غني عن جهاد المجاهدين، وأن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه، اقرأ قول الله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 40]، واعلم أنها جاءت من الله تهديدًا للمسلمين إذا قعدوا عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم فالله ينصره. وكذلك الله ينصر الإسلام بنفسه، ولو قعدنا عن نصره، يعني: إن بقينا في معاصينا مخلدين وإن بقينا في غينا سادرين، وإن بقينا لا نعني بالتعرف على الله رب العالمين، إن بقينا نهجر التوحيد، ونهجر الطاعات، فإن رب العزة سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
فالمسجد الأقصى عائد ولا بد، ولكن بيد من؟ بيد المتوضئين، بيد المصلين، بيد الموحدين؛ لأن النصر موعود الله لهم: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ [النور: 55]، وهي مفسرة بالآية الأخرى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، الإسلام الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم.
إخوة الإسلام، الجراح شديدة والآلام كثيرة، ولكنني أخاف على هذه الجراح أن تنسينا دعوة الإيمان، وأن نظن أن دعوة التجمع والوحدة ودعوة الإكثار من السلاح والعدد والعدة هي سبب النصر، وننسى أن نصر رب العالمين إنما يقع بالإيمان، أقول المقولة التي تنسب إلى بعض الكافرين:
• (ينتصر المسلمون ويفتحون بيت المقدس إذا ساوى عدد من يصلون الفجر الذين يصلون الجمعة).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم