من فضائل المسجد الأقصى..

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-11-20 - 1445/05/06
التصنيفات:

 

 

د. أمين بن عبدالله الشقاوي

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..

 

فإن المسجد الأقصى مسجد عظيم مبارك، له مكانة عالية في نفوس المؤمنين، ومنزلة رفيعة، وقد خصه الله تعالى بفضائل وخصائص عظيمة، وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة.

 

أما القرآن، فقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]. فهو مسجد مبارك وما حوله مبارك، ولو لم تكن فيه فضيلة إلا هذه الآية لكانت كافية؛ لأنه إذا بُورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة.

 

ومنها: أنه مقدس، قال تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21].

 

ومنها: أنه مهاجر الأنبياء ومقرهم، قال تعالى: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]، وقال تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 81]، وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ [سبأ: 18].

 

ومن فضائله في السُّنة، أنه مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه معراجه، فروى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ التي يربط بها الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ... » [1].

 

ومنها: أنه قبلة المسلمين الأولى، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه، وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرًا، ثم صُرف إلى الكعبة» [2].

 

ومنها: أنه ثاني مسجد وُضع في الأرض، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: « قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ» [3].

 

ومنها: أنه ثالث المساجد التي تشد الرحال إليها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» [4].

 

ومنها: أنه مهوى أفئدة الأنبياء، وبوب البخاري في صحيحه: باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ[5] فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ - قَالَ: - فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَي رَبِّ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ» [6].

 

ومنها: أن زيارته بنية الصلاة مغفرة للذنوب، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عليه السلام سَأَلَ اللَّهَ ثَلاَثًا، فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ؛ فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ﮎ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»[7].

 

ومنها: أن الصلاة فيه مضاعفة، روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ، حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» - أو قال: «خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [8].

 

«وهذا يفيد أن فضل الصلاة في المسجد النبوي أربعة أضعاف الصلاة في الأقصى، وينتج منه أن الصلاة في المسجد الأقصى على الربع من الصلاة في المسجد النبوي، أي بمائتين وخمسين صلاة»[9].

 

ومنها: أن الدجال لا يدخله، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث جنادة بن أمية الأزدي قال: ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في الدجال، ولا تحدثنا عن غيره وإن كان مصدقًا، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَنْذَرْتُكُمُ الدَّجَّالَ- ثَلَاثًا -، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ، وَإِنَّهُ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ، وَإِنَّهُ جَعْدٌ آدَمُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَإِنَّهُ يُمْطِرُ الْمَطَرَ وَلَا يُنْبِتُ الشَّجَرَ، وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا وَلَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَبْلُغُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ، وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَمَا يُشَبَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» [10].

 

ومنها: أن هلاك يأجوج ومأجوج فيه، روى مسلم في صحيحه من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر يأجوج قال: «...ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ -وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ  اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا..» وفي تتمة الحديث: «فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَىَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ [11] فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى[12] كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»[13].

 

تنبيه: ما ورد في فضائل الشام يدخل فيه المسجد الأقصى؛ ولذلك لم أرغب تكراره[14].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

[1] برقم 162.

[2] (5/ 136) برقم 2991، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[3] صحيح البخاري برقم 3366، وصحيح مسلم برقم 520.

[4] صحيح البخاري برقم 1189، وصحيح مسلم برقم 1397.

[5] أي: ضربه، والمفهوم من الحديث أنه ضربه على عينه فأخرجها.

[6] صحيح البخاري برقم 1339، وصحيح مسلم برقم 2372 واللفظ له.

[7] (11/ 220) برقم 6644، وقال محققوه: إسناده صحيح.

[8] (5/ 712) برقم 8600 وصححه ووافقه الذهبي، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني۴ كما في الثمر المستطاب (2/ 548): وهو كما قالا.

[9] الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني۴ (2/ 549).

[10] (39/ 89-90) برقم 23685، وقال محققوه: إسناده صحيح.

[11] النغف بالتحريك: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها نغفة. النهاية في غريب الحديث (5/ 87).

[12] فرسى: بفتح الفاء أي قتلى، الواحد: فريس، من فرس الذئب الشاة، وافترسها إذا قتلها. النهاية في غريب الحديث (3/ 228).

[13] برقم 2937.

[14] وللمزيد انظر كلمة رقم (89) من الجزء 6-7 من موسوعة الدرر المنتقاة للمؤلف.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات