خطر داهم يحدق بالمسجد الأقصى المبارك

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-11-21 - 1445/05/07
التصنيفات:

 

 

بقلم الشيخ تيسير رجب التميمي

قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي

 

تعتبر مدينة القدس المباركة جزءاً من عقيدة المسلمين ، فمسجدها الأقصى المبارك محور معجزة الإسراء والمعراج ؛ إليه انتهى الإسراء ومنه بدأ المعراج إلى السماوات العُلا ؛ وفيه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً . قال تعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الإسراء1 فتحها الفاروق عمر دون أن تراق فيها قطرة دم ، ووقَّع مع بطريرقها صفرونيوس وثيقة الأمن والسلام " العهدة العمرية " التي نسير على هداها حتى الآن . وروى الصحابة والتابعون والمجاهدون الأخيار ثراها بدمائهم الزكية ، وحررها الناصر صلاح الدين من الصليبيين . إن قدسية هذه المدينة ومكانة المسجد الأقصى المبارك العقائدية لدى المسلمين جميعاً جعلتها مطمعاً للغزاة ، لكن الاحتلال الإسرائيلي لها ولأرض فلسطين كان أبشع صور غزوها على مر التاريخ ، فقد دنس المقدسات وانتهك الحرمات وحاك ضدها مؤامرات لا تخفى على أحد .

 

فقد أعلنت الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة مؤخراً أنها تنوي اقتحام المسجد الأقصى المبارك في العاشر من الشهر الحالي ، وسبق أن كشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي النقاب عن تخطيط هذه الجماعات لقصف المسجد الأقصى المبارك بطائرة محملة بالمتفجرات ؛ أو لارتكاب مجزرة جديدة ضد المصلين فيه ، كما سبق أن كشف الشاباك والشين بيت جهاز الأمن العام الإسرائيلي قبل فترة أن تلك المخططات جدّيّة بنسبة 70%.

 

إن هذه المخططات لم تكن الأولى ضد المسجد الأقصى ولن تكون الأخيرة ، فمنذ زمن بعيد بيّت اليهود النوايا للنيل من القدس ومقدساتها وبالأخص المسجد الأقصى المبارك ، وتعددت محاولاتهم في ذلك وتواصلت ، فقد أصدرت سلطات الاحتلال القوانين والأنظمة لضمها إلى الكيان الصهيوني رغم أنها مدينة محتلة لا يجوز ضمها ؛ مخالفة بذلك القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة . واتخذت الإجراءات لطمس معالمها الحضارية العربية والإسلامية بهدم بيوتها ومصادرة أراضيها ، ففي 11/6/67 هدمت حارة المغاربة بكل مبانيها ومساجدها الأثرية لتوسيع ساحة البراق التي يصلون فيها ، وهدمت أيضاً حارة الشرف بكاملها في 18/4/68 والمكونة من 1034 منزلاً و425 متجراً و6 مساجد وعدد من المدارس ، وأقامت مكانها حياً لليهود . وواصلت محاولاتها لإحداث خلل ديمغرافي فيها لصالح اليهود ؛ وأخيراً ببناء جدار الفصل العنصري لعزلها عن المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية ومنع المصلين من الوصول إلى مسجدها .

 

ومع أن العالم قد أجمع بقرارات دولية على عدم شرعية أو قانونية ما تقوم به حكومة إسرائيل ؛ إلا أنها ماضية في تهويد المدينة المقدسة ومواصلة الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى بهدف تعريضه للانهيار تلقائياً ؛ رغم أن علماء الآثار اليهود قد اعترفوا بعدم العثور على أي أثر لهيكلهم المزعوم ؛ إلا أنهم أكدوا أن استمرار الحفريات يستهدف بنيان المسجد الأقصى المبارك وهدمه لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه .

 

وأذكر بعض اعتداءات الجماعات الدينية المتطرفة وبدعم من سلطات الاحتلال على سبيل المثال لا الحصر ؛ لكشف ما يدبرون ضد المسجد الأقصى لعله يستبين لكل صاحب ضمير حي أن المسجد الأقصى في خطر ؛ مما يوجب على الأمة بكاملها القيام بمسؤولياتها في الدفاع عنه .

ففي 16/7/48 قصفت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى وساحاته بخمس وخمسين قنبلة ، وفي 6/6/67 قصفته بمدافع الهاون . أما الجريمة الكبرى فكانت في21/8/1969 حيث أقدم السائح اليهودي المجرم مايكل دينيس على إحراق منبر صلاح الدين وجزء كبير من المسجد الأقصى ، بسبب إعاقة سلطات الاحتلال لعمليات الإطفاء والتباطؤ في تقديم أية تسهيلات لإخمادها .

أما مخططات نسف المسجد الأقصى فهي كثيرة أعيد التذكير ببعضها ؛ ففي 21/5/1980 ألقي القبض على مجموعة كانت تنوي نسف المسجد الأقصى واكتشف بحوزتها كميات كبيرة من المتفجرات لتنفيذ الجريمة .

 

وفي 8/4/1982 اكتشف حراس المسجد الأقصى طرداً مشبوهاً يحتوي على متفجرات موقوتة . وفي يوم الجمعة 2/3/1983 اكتشف حراس المسجد الأقصى طرداً مشبوهاً يحتوي على 3 كيلوغرام من المتفجرات . وفي 25/7/1982 خطط أحد قادة حركة كاخ لنسف المسجد الأقصى . وحاولت مجموعة من اليهود في 26/1/1984 الدخول إلى المسجد الأقصى حاملين 3 قنابل يدوية و6 حقائب من المتفجرات في محاولة لنسف المسجد ، وعثر في 27/1/1984 على 18 قنبلة يدوية و 10 كيلوغرام من المتفجرات قرب السور الشرقي للمسجد ، وعلى 3 قنابل مخبأة في قطعة قماش عند باب الأسباط في30/1/1984 .

 

ومن المحاولات المسلحة لاقتحام المسجد الأقصى محاولة مجموعة مسلحة اقتحام المسجد الأقصى في 2/3/1982 ، وفي 17/10/ 1986 أقلع طيار من سلاح الجو الإسرائيلي بطائرته المزودة بالصواريخ مستهدفاً المسجد الأقصى ، لكن أوقفته طائرات من سلاح الجو .

وارتكبت فيه كثير من المجازر ؛ ففي 11/4/1982 اقتحم الجندي الإسرائيلي من أصل أمريكي هاري جولدمان مسجد قبة الصخرة وأطلق النار بشكل عشوائي فاستشهد اثنان من المواطنين وجرح ستون ، وبعد اعتقال لفترة قصيرة أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية ، وفي 8/10/1990 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة فظيعة في المسجد الأقصى حيث استشهد فيها 23 وجرح 85 أثناء تصديهم لمحاولة وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم . وفي 24/9/1996 أمر رئيس حكومة إسرائيل آنذاك بنيامين نتانياهو بحفر نفق تحت المسجد الأقصى ؛ فهب أهل فلسطين في انتفاضة استشهد فيها العشرات منهم وجرح المئات ، فاضطره ذلك إلى إغلاق النفق المذكور . وفي تحد لمشاعر المسلمين قام المجرم شارون بتدنيس المسجد الأقصى في 28/9/2000 ؛ فثار أهل فلسطين في انتفاضة شاملة ما زالت مشتعلة حتى اليوم سقط فيها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى الذين نذروا أرواحهم دفاعاً عن المسجد الأقصى .

 

ولا تزال الاعتداءات متواصلة ففي 15/2/2004 انهار الطريق التاريخي المؤدي إلى باب المغاربة بسبب الحفريات الإسرائيلية تحت هذا الطريق ، وفي27/2/2004 اقتحمت قوات الجيش الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة مما أدى إلى إصابة 65 من المصلين بجراح . وفي 4/7/2004 انبعث من مسجد البراق دخان في ساحات المسجد الأقصى المبارك ناتج عن حريق متعمد في الأنفاق التي تم حفرها تحته ، وهذا مؤشر خطير على إمكانية استغلال الأنفاق لإدخال المتفجرات بهدف نسف المسجد الأقصى أو ارتكاب أي مذبحة أخرى ضد المصلين فيه .

 

إننا نحمّل حكومة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي مساس بالمسجد الأقصى المبارك ، فهي تعرف هذه الجماعات وأعضاءها وتستطيع اعتقالهم ومنعهم من القيام بجريمتهم التي إذا ما وقعت فستضع المنطقة بأسرها على فوهة بركان ، لأن المسلمين لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا أصاب مسجدهم الأقصى المبارك أي مكروه . ونناشد المجتمع الدولي ومنظماته العالمية والإقليمية منع كارثة قد تحل بالمنطقة ، أسوة بالقضايا الأخرى التي تسترعي اهتمامها وتصدر فيها قرارات ملزمة .

 

ونوجه نداء إلى القيادات والحكومات والشعوب العربية والإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس بالتحرك على وجه السرعة لحماية المسجد الأقصى المبارك ، رمز عقيدتهم وعزتهم وكرامتهم من الأخطار التي تداهمه قبل فوات الأوان قال تعالى " وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ " الأنفال 72 .

 

أما أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس وفي كافة المواقع فندعوهم أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ، ولإفشال كل المخططات الصهيونية المتربصة به وللدفاع عنه وافتدائه بالمهج والأرواح ، قال تعالى " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " يوسف 21.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات