عناصر الخطبة
1/أسباب استبشار المسلمين بشهر رجب الحرام 2/انتصارات وإنجازات وقعت في شهر رجب تخص القدس الشريف 3/أرض فلسطين أمانة في أعناق جميع المسلمين 4/إن تنصروا الله ينصركم 5/رسالة إلى علماء الأمة الإسلامية 6/رسالة إلى مبتدعي الديانة الإبراهيمية 7/رسالة إلى الكيان المحتل الغاصباقتباس
الرسالة الأولى: أُوَجِّهُها مِنْ على منبر المسجد الأقصى المبارك إلى العلماء العاملين في الأمة الإسلامية، في مختلف مؤسَّساتهم وأقطارهم؛ لأقول لهم: تحيةَ احترام لهم، وتقدير ومحبة لإطلاقهم أسبوع القدس العالمي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله إذ لم يأتِني أَجَلِي *** حتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الإسلامِ سِرْبَالَا
الحمد لله حمدَ العابدينَ الشاكرينَ، ونستغفرك ربَّنا، ونتوب إليكَ، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، أنتَ ربنا، ونحن عبيدكَ، لا معبود سواكَ، لا ركوعَ ولا سجودَ ولا تذلُّل ولا ولاء إلا إليكَ، سبحانك، فأنتَ ملاذ المؤمنين الصادقين، حافظُ المسلمين المجاهدينَ، مُخزي المنافقين المفضوحين، والسماسرة الملعونين، والبائعين الخائنين، هازم الكافرين المحتلين المتغطرسين.
ونشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القائل: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39].
اللهم اجعل في قلوبنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي أبصارنا نورًا، وبين أيدينا نورًا، اللهم يسِّر لنا أمورنا، ووحِّد صفوفَنا، احقن دماءنا، وعليكَ بمن ظلمنا وآذانا، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا وشفيعنا محمدًا، عبدُ اللهِ ونبيُّه ورسولُه، القائل: "لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ، لعدُوِّهم قاهرينَ، لا يضرُّهم مَنْ خالَفَهم، -وفي رواية-: لا يضرُّهم مَنْ خَذَلَهم"، -والخذلان قائم في هذه الأيام-، "ولا ما أصابهم من اللأواء، حتى يأتيهم أمرُ الله وهم كذلك، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
صلى الله عليك يا حبيي يا رسول الله، يا صاحب المسرى، وعلى آلِكَ الطيبينَ المبجَّلينَ، وصحابته الغر الميامين المحجَّلين، ومن تبعكم وجاهَد جهادَكم إلى يوم الدين، فهنيئًا لكم يا أهلَ بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أهلَ فلسطينَ، هنيئًا لكم، طوبى لكم، فأنتُم الفئة المنصورة -بإذن الله عز وجل-، فهذه بشارةٌ من حبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، قولوا: آمين.
أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة النساء: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النِّسَاءِ: 104]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة فاطر: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)[فَاطِرٍ: 10]، ويقول رب العالمين في سورة المنافقون: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8]، صدق الله العظيم.
أيها المصلُّون، أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إن المسلمين جميعَ المسلمين عبرَ التاريخ المجيد يستبشرون خيرًا بشهر رجب، والذي يُعرَف بشهر رجب الحرام؛ لأنه من ضمن الأشهر الحرم الأربعة، كما يُعرَف بشهر رجب الفرد؛ لماذا؟ لأن الأشهر الحرم الثلاثة قد جاءت متتابعةً؛ وهي: ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، أما شهر رجب فقد جاء منفردًا عنها.
أيها المسلمون، أيها المصلون، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والسؤال: لماذا يستبشر المسلمون خيرًا بشهر رجب؟ ولماذا يتفاءلون به؟ والجواب: لقد وقعت عدة حوادث وإنجازات وانتصارات وكلها مرتبطة بمدينة القُدْس؛ نعم مرتبطة بمدينة القدس، وأشير إلى أبرز ثلاث منها فقط:
الأولى: معجزة الإسراء والمعراج؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، فقد قرَّر اللهُ ربُّ العالمينَ، من سبع سموات بإسلامية أرض فلسطين، من البحر إلى النهر، أي: من البحر الأبيض المتوسط غربًا، حتى نهر الأردن شرقًا، وتُعَدّ معجزة الإسراء والمعراج، فتحًا روحيًّا إيمانيًّا لفلسطين، وأن المبارَكةَ قد شملت فلسطين، كما شملت بلاد الشام، وجميع البلاد التي أسلَم أهلُها في العالَم كلِّه.
أيها المصلون، يا أبناء فلسطين المباركة المقدَّسة: إن معجزة الإسراء والمعراج قد ربطت مدينة القدس بمكة المكرمة، وبالمدينة المنورة، وأن الله قد رفَع من منزلة القدس أيضًا؛ حيث هي بوابة الأرض إلى السماء بالعروج، وبوابة السماء إلى الأرض؛ بنزول الأنبياء والمرسَلين، وإمامة سيد البشرية، محمد -صلى الله عليه وسلم- بهم، وعليه فإن قرار الله رب العالمين ليس خاضعًا للمساومة ولا للتفاوض عليه، ولا للتنازل عنه، وأن أرض فلسطين أمانة في أرض المسلمين جميعهم؛ فهي أمانة الأديان تلو الأديان، وأن الله -عز وجل- سيحاسب كلَّ مَنْ فرَّط ويفرِّط بذرة تراب منها.
أيها المصلون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: الإنجاز الثاني من بشائر شهر رجب: فتح بيت المقدس على يد الخليفة العادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ حيث تم فتح مدينة القدس فتحًا سياسيًّا سلميًّا، وأن أمير المؤمنين عمر قد دخلها مشيًا على الأقدام، وأصدر وثيقته المشهورة بالعُهدة العمرية، وأن التمسك بهذه العهدة هو حفاظ على أرض فلسطين، وأن الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- هو أول مَنْ رفَع الأذانَ في جنبات المسجد الأقصى المبارك، وأن نداء: "الله أكبر" الذي رفَعَه بلالٌ سيبقى مزلزِلًا -بإذن الله-، ورعايته في سماء القدس، بل في سماء فلسطين من على مآذن الأقصى، ومآذن مساجد فلسطين، من البحر إلى النهر، وأن ما يعرف بمشروع قانون منع الأذان، هو قانون باطل، وهو مرفوض وغير شرعي وغير قانوني.
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: البشارة الثالثة من بشارات شهر رجب تحرير بيت المقدس، من المغتصِبينَ المستعمِرينَ الفرنجة الصليبينَ، على يد البطل الإسلامي صلاح الدين الأيوبي؛ وذلك بعد أن قام بتوحيد المسلمين، الذين كانوا متفرِّقين متنازِعين فيما بينهم، كما هو حال المسلمين في هذه الأيام، إلا أن صلاح الدين قد تمكَّن من إزالة الكيانات الكرتونية، والدويلات الهزيلة، وقتَئذٍ، وجعلَها دولةً واحدةً قويةً، وجعَل مدينةَ القدس هدفًا له.
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: لقد كان صلاح الدين حريصًا على تربية الجند تربيةً روحيةً إيمانيةً؛ فكان يحثهم على التهجد ليلًا، وعلى تلاوة القرآن الكريم، نعم؛ إن النصر هو من الله، حينما ننصر الله، فلا يأتي النصر إلا بالالتزام بكتاب الله وسُنَّة رسوله، فلا يأتي النصر من المنحرفين فكريًّا وسلوكيًّا، لن يأتي النصر ممن يعاقرون الخمر، لا يأتي النصر ممن ينهبون خيرات البلاد ويستعبِدون العبادَ.
أيها المصلون، يا أبناء فلسطين المقدسة المبارَكة: يتوجَّب علينا أن نستلهم العبر دومًا، من أحداث شهر رجب؛ فإن فلسطين أمانة في أعناق المسلمين جميعهم، حُكَّامًا ومحكومينَ، فلا تفريط فيها، ولا تنازل عنها، وأن الله -عز وجل- يحاسب كلَّ مَنْ يُقصِّر بحَمْل الأمانة، ونقول للعرب والمسلمين: لا تتركونا وحدنا:
تَدَارَكُوها وَفِي أَغْصَانِهَا رَمَقٌ *** فَلَنْ يَعُودَ اخْضِرَارُ الْعُودِ إِنْ يَبِسَا
ونقول لأهلنا في فلسطين: لا تيأسوا، لا تقنطوا، لا تستلِموا أمام المؤامرات، وأمام التجاوزات، فالله -سبحانه وتعالى يقول: (لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْمَائِدَةِ: 100]، جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ادعوا الله وأنتم موقِنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبَارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمينَ إنكَ حميد مجيد.
أيها المصلون: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل وبإيجاز:
الرسالة الأولى: أوجهها من على منبر المسجد الأقصى المبارك إلى العلماء العاملين في الأمة الإسلامية، في مختلف مؤسساتهم وأقطارهم؛ لأقول لهم: تحية احترام لهم، وتقدير ومحبة لإطلاقهم أسبوع القدس العالمي، كما أُحيِّي شعوب الأمة الإسلامية على تفاعُلِها مع فعاليات هذا الأسبوع الذي يتزامن مع ذكرى الإسراء والمعراج، وبذلك تبقى مدينة القدس حاضرةً في القلوب والعقول والمشاعر والأحاسيس.
أيها المصلون: الرسالة الثانية: تتعلق بما يسمَّى بالديانة الإبراهيمية المزعومة، الديانة الإبراهيمية التي سمعنا بها حديثا من قبل اللوبي الصهيوني ومن قبل المسيحيين المتصهينين، ونقول وبالله التوفيق: نحن كمسلمين نؤمن بأن سيدنا إبراهيم هو نبي، ولكن لا يوجد دِين يُعرَف بالديانة الإبراهيمية، ولا ما يعرف ببيت إبراهيم، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3]، فالإسلام هو الدين الشامل الذي جاء للبشرية جمعاء، وأن رسالته هي رحمة للعالمين، وأن سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو صاحب هذه الرسالة؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107]، وأنه -عليه الصلاة والسلام- هو آخر الأنبياء والمرسَلين، فقال في الحديث المطوَّل: "فإنه لا نبي بعدي"، وما يقال عن الديانة الإبراهيمية هي عبارة عن بدعة خبيثة ومؤامَرة ماكرة يُقصَد منها المسجد الأقصى المبارك؛ فعلى المسلمين أن يكونوا حذرين ومتنبِّهين لما يحاك ضد الأقصى المبارك.
أيها المصلون: الرسالة الثالثة والأخيرة: لشعب المسجد الأقصى المبارك كما عوَّدْناكم؛ فإن جميع مرافقه كلها أقصى، ونرفض محاولات المقتحمين المتطرفين، الذين يؤدون صلوات تلمودية وبخاصة في الناحية الشرقية من الأقصى، فهذا اعتداء جديد، وتجاوُز فوق تجاوُز، ونحمِّل سلطات الاحتلال المسئوليةَ الكاملةَ عن هذه التجاوزات، ونذكِّر العربَ والمسلمينَ بأن الأقصى أمانةٌ في أعناقهم. اللهم هل بلغتُ، اللهم فاشهد، ولا يسعنا إلا أن نقول: حماكَ الله يا أقصى، قولوا: آمين.
أيها المصلُّون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ؛ فأمِّنوا مِنْ بعدي؛ فلعله يكون من بيننا نَفَسٌ طاهرٌ فيستجيب اللهُ منه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم هيِّئ مَنْ يوحِّد المسلمينَ، ويحذو حذوَ صلاح الدين، اللهم اجعل الأمةَ الإسلاميةَ في كفالتِكَ. اللهم يا الله، يا نصير المستضعفين، ندعوك بكل اليقين لإعلاء شأن المسلمين، بالعز والنصر والتمكين، اللهم أعد علينا ذكرى الإسراء والمعراج وقد تطهرت البلاد وتحرر العباد، اللهم ارحَمْ شهداءنا، واشفِ جرحانا، وأَطْلِقْ سراحَ أَسْرَانَا، واهْدِهَا للعمل بكتابِكَ، اللهم إنَّا نسألُكَ توبةً نصوحًا، توبةً قبل الممات، وراحةً عند الممات، ورحمةً ومغفرةً بعد الممات، اللهم انصر الإسلام والمسلمينَ، وأَعْلِ بفضلِكَ كلمتَيِ الحقِّ والدينِ، اللهم اغفر للمؤمنين الأحياءِ منهم والأمواتِ.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم