عناصر الخطبة
1/محنة يمر بها المسجد الأقصى وأرض فلسطين كلها 2/للمرابطين في المسجد الأقصى أجر عظيم 3/فضيلة الصيام والصلاة في رحاب الأقصى المبارَك 4/فوائد من سورة العصر 5/الوصية بشد الرحال للمسجد الأقصى 6/تنبيهات وتوجيهات لعُمَّار المسجد الأقصى المباركاقتباس
اعلموا أنَّنا جميعًا مسؤولون أمامَ الله، وأمامَ التاريخ، وأمامَ أمة الإسلام عن رعاية المسجد الأقصى المبارَك، وعن حماية المسجد الأقصى، ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، فلنؤدِّ جميعًا هذه الأمانةَ كما أرادَها اللهُ -تعالى-، وكما بشَّرَنا رسولُنا الأكرمُ -صلى الله عليه وسلم- بشدِّ الرحالِ إلى المسجد الأقصى...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ به من شرور أنفسِنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، قال وقوله الحق: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 1-3]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقدوتنا وإمامنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلَّى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتَّبَع سُنَّتَهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والمرابطين في المسجد الأقصى وأرض فلسطين، والصلاة والسلام على الراكعينَ الساجدينَ، الذين شدُّوا ويشدُّون رحالَهم؛ لإعمار المسجد الأقصى المبارَك، والصلاة والسلام على المسلمين الراكعين الساجدين، في بقاع المعمورة أجمعينَ.
وبعدُ، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، أيها المسلمون من أبناء بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، ومن دُنيا المسلمين: محنة يمر بها المسجد الأقصى والقدس، لا بل أرض فلسطين الطاهرة المباركة، في كل رمضان يمر علينا منذ العام الماضي، وما ذلك إلا لأطماع لا تخفى على أحد منكم، ولا تخفى على مسلم في هذا العالم، بل لا تخفى على كثير ممن يعرفون الحق في هذا العالم، أطماع في المسجد الأقصى المبارَك، واستباحات غير مبرَّرة إطلاقًا، وحتى لو كان لها ما يبررها، فهي مرفوضة جملةً وتفصيلًا، وهي متعمَّدة في حق المسجد الأقصى المبارَك، فلا مبرر لأحد من سلطات الاحتلال أن يستبيح حرمات المسجد الأقصى، ولا أن يقتحم المسجد الأقصى، قتلًا وعدوانًا واعتداءً، على القائمين الصائمين العابدين، المعتكفين في رحاب هذا المسجد المبارَك.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ولكنَّ الابتلاء على قدر الإيمان، والأجر على قدر المشقة، فأنتم الذين بشركم رسولنا الأكرم بالرباط والغدوة والروحة إلى المسجد الأقصى المبارَك، ولن تحصلوا على الثواب الكامل والأجر الجزيل إلا باستمراركم على شد الرحال إلى المسجد الأقصى، والمحافَظة على هذا الحق الذي أوصاكم اللهُ به، وأمرَنا -جلَّ شأنُه- في هذه السورة القصيرة من سور القرآن الكريم؛ سورة العصر، أن نؤمن بالله؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 3]، يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: "لو لم يُنزِل الله -سبحانه وتعالى- على العالَمين أو الناس إلا هذه السورة لكفتهم"، وفي رواية: "لوسعتهم"، فقد أقسَم اللهُ بالعصر وهو الدهر على أرجح الأقوال؛ لأن جنس الإنسان خاسر، والرابح هو من اتصف بهذه الصفات الكريمة، في هذه السورة الكريمة؛ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)[الْعَصْرِ: 3]، آمنوا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، أقاموا حدود الإسلام، ورعوا فرائض الإسلام، وطبَّقُوا هديَ الحبيب، -عليه الصلاة والسلام- بشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك، رغم كيد الكائدين، واعتداء المعتدين، ومكر الماكرين.
وستَبقَون أيها المرابطون والمرابطات، ستبقون -بحول الله وعونه- وأنتم تقرؤون قول الله: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]، ستبقون -بإذن الله- فئة الإيمان، وطائفة الإسلام، التي يأتي نصر الله وهم كذلك؛ أي: كذلك على الحق، يؤمنون بالله ويعملون الصالحات، ومن هذه الصالحات صيامكم -أيها الصائمون- لشهر رمضان المبارَك، وهو فريضة من فرائض الدين، وركن من أركان الإسلام، نصومه في هذا الشهر الفضيل المبارك، ونجمع إلى هذه الفضيلة والفضائل الصلاةَ في المسجد الأقصى، في فجره العظيم، وفي فجره الكريم، وفي كل أوقاته وفي آنٍ وحينٍ، عمَّرتُم المسجدَ الأقصى على مدى شهر رمضان، بالصيام، والقيام، والتراويح، والتسابيح، والتهجد في لياليه المبارَكة، أحييتُم لياليه، وعلى وجه الخصوص في ليلة السابع والعشرين منه.
أيها الأحبابُ، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن مئات الآلاف الذين شدوا رحالهم في ليلة السابع والعشرين لإحياء ليلة القدر، وشدُّوا رحالَهم في ليالي رمضان من بدايته إلى هذه الليلة الماضية، وإلى الأيام القادمة، والليالي الآتية؛ لأنَّنا نغتنم كلَّ دقيقة من دقائق هذا الشهر الفضيل، لعمل الخير وتقديم الخيرات والطاعات بين يدي الله -تعالى-، وهذا من التواصي بالحق، فالصبر على طاعة الله، والبُعْد عن معصية الله، هو عين التواصي بالحق، والصبر على هذه الطاعات، وعلى ما تواجهونه من مشقات، من حواجز الاحتلال، وغيرها، كل هذا في صحائف أعمالكم، يكتب بالنور إن شاء الله.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّه المسجد الأقصى المبارَك، الذي هو جزء من إيماننا وعقيدتنا، وعلينا أن نتواصى بحفظه، والمحافَظة عليه، والدفاع عنه، بكل ما أُوتِينا من همة ومروءة، نعم، إن التردد على المسجد الأقصى في كل الأوقات هو من التواصي بالحق، وهو من الصبر على كل ما نلاقيه، من مشقات السفر، ومن مشقات الاحتلال، ومن عدوانه علينا، وعلى المسجد الأقصى المبارَك.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، أيها الصائمون في رحاب المسجد الأقصى المبارَك: وهذه هي الجمعة الأخيرة، مِنْ جُمَع شهر رمضان، فاجعلوا هذه الجمعةَ عهدًا مع الله -تعالى-، بالإيمان بالله وبأركان الإيمان كافَّة، وبالأعمال الصالحة من الفرائض والنوافل والخيرات، واجعلوا مع الله عهدًا بالتواصي على الحق، والصبر على هذا الحق، حتى يأذن الله بنصره؛ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)[الْأَنْفَالِ: 10].
أيها المسلمون، أيها الصائمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: في هذا اليوم المبارَك، يوم الجمعة الأخيرة من جمع أيام رمضان، وفي هذا المسجد الأقصى المبارَك، الذي بارك الله فيه وبارك حوله، وفي هذا الشهر المبارك، ليكن عهدنا مع الله -تعالى- على نعمة الإسلام والالتزام به، وعلى نعمة الإيمان والعمل بمقتضاه، بكل جوارحنا، وأن نتواصى على الحق، ونصبر على نصرته، والمحافظة عليه، مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأحوال، ومهما كانت التضحيات.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: هنيئًا لكم بصيامكم رمضان، هنيئًا لكم بأنكم الذين تشدون رحالكم للصلاة في المسجد الأقصى، أتدرون أيها الأحبابُ كم مسلم في هذا العالَم يذرف الدموع ليصل إلى المسجد الأقصى كما وصلتم؟ كثير من شبابنا الذين أعيدوا عن الحواجز، كانوا يتحرَّقون للوصول إلى المسجد الأقصى لأداء فريضة الجمعة، ورُبَّما الفريضة الأولى لهم في المسجد الأقصى المبارَك، نقول لكم، ونقول لهؤلاء، الذين أُعِيدوا عن الحواجز: لكم الأجر إن شاء الله، وفضلُ اللهِ واسعٌ، والرجاءُ بالله عظيمٌ، أن يكتب لنا ولكم لمن وصل إلى هذه الرحاب الطاهرة، ومن صلى هناك عند الحواجز، أن يكتب لنا أجر الصلاة والصيام والرباط في المسجد الأقصى المبارَك، إنَّه سميع مجيب، وبالإجابة جدير، -سبحانه- رب العالمين، رب العرش العظيم، قاصم الجبَّارين، ومؤيِّد المؤمنين، -سبحانه وتعالى- وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير.
جاء في الحديث الشريف: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية، وعَيْنٌ باتت تحرُس في سبيل الله"، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، أيها المسلمون: نَلفِتُ عنايتَكم أن يكون الرجال في مقدمة المسجد، والنساء في مؤخرة المسجد؛ حتى لا تختلط الصفوف؛ لينال الجميعُ ثوابَ الصلاة إن شاء الله، تامةً مقبولةً، من هذه الرحاب الطاهرة، كما نلفت -أيها الإخوة المسلمون- عنايتَكم إلى الإصغاء بإخراج صدقة الفطر، وهي كما تعلمون طهرة للصائم، وإسعاف وتوسعة على الفقراء والمحتاجين، فالذي لم يُخرِج صدقةَ الفطر خلالَ الأيام الماضية فليُبادِرْ إلى إخراجها فيما تبقَّى من أيام شهر رمضان؛ إذ لا يجوز بحال -أيها الإخوة- أن يُؤخَّر إخراجُ صدقة الفطر عن صباح يوم العيد، وعلى وجه التحديد قبل التوجُّه لأداء صلاة العيد، فبادِروا -أيها الكرام- لإخراج هذه الصدقات، وهي فيما قُدرت في أقل مقدارها بتسعة شواكل لهذا العام، ومن زاد فأجره على الله، كما نلفت عناية المسلمين جميعًا بأن العبادة لا تنتهي بيوم العيد، وإنَّما يوم العيد هو يوم عبادة الطعام والشراب؛ أي بمعنى أنَّنا ننتقل عن الإمساك عن الطعام والشراب في أيام رمضان إلى وجوب تناول الطعام في يوم العيد؛ إذ يحرم الصوم في يوم العيد، فالمسلم في عبادة مستمرَّة مع أوامر الله -تعالى- وفق منهاجه، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
كما نذكر الإخوة الأحباب الكرام، بأن بعد شهر رمضان، هناك سُنَّة من سُنَن الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وهي صيام ست من شوال؛ للحديث القائل: "مَنْ صامَ رمضانَ وأتبَعَه ستةً من شوال، كان كمن صام الدهرَ كلَّه"، وأنتم تعلمون أن الحسنة بعشر أمثالها، إلى أمثال كثيرة، (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)[الْبَقَرَةِ: 261].
وأخيرًا أيها الأحبابُ: اعلموا أنَّنا جميعًا مسؤولون أمامَ الله، وأمامَ التاريخ، وأمامَ أمة الإسلام عن رعاية المسجد الأقصى المبارَك، وعن حماية المسجد الأقصى، ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، فلنؤدِّ جميعًا هذه الأمانة كما أرادَها اللهُ -تعالى-، وكما بشرنا رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بشد الرحال إلى المسجد الأقصى، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا تُشَدّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"، فَلنَكُنْ على عهدٍ مع الله، ومع المسجد الأقصى أن نكون عُمَّارَه الأوفياءَ، وحُرَّاسَه الأمناءَ إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنا رحيمًا، يوحد صفَّنا، ويجمع شملَنا، اللهم تقبَّل منا الصلاةَ والصيامَ والقيامَ، واجعلنا من عتقائك من النار في شهر رمضان، واغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وتقبل الله منكم جميعًا الطاعات، وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم