حماية الأولاد من الفساد والضلال – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

إنه من الواجب على كل أب وأم ومرب ومربية أن يهتموا بمنع أسباب الفساد عن الأطفال؛ فلا يُترك الأطفال يقلِّبون -بحرية- القنوات البائسة التافهة، بل يجب أن يحال بينهم وبينها، ويجب -كذلك- أن يحال بينهم وبين...

   "أولادنا فلذات أكبادنا تمشي على الأرض"، سعادتنا في سعادتهم، وحزننا في حزنهم؛ فهم كالنور لعيوننا، وكالماء لأجسامنا، وهم الروح والريحان لقلوبنا...   إن المرء في دنياه ليحزنه ويزعجه أن يرى أحدًا من الناس قد تفوق عليه في علم أو في لباقة أو في مال أو في قوة أو في غير ذلك، اللهم إلا ولده؛ فإنه يسر الأب والأم أن يريا أولادهما أفضل منهما وأحسن منهما وأغنى منهما... هذه هي الفطرة السوية، وهذا هو ديدن العقلاء. 

 

 ومن العجيب الغريب أنك تجد آباءً وأمهاتٍ، رغم كل هذا الحب لأولادهم، تجدهم يعرضونهم للأذى وللمخاطر؛ فيضيِّعونهم ثم يضيِّعون أنفسهم!!... فكيف يعرِّضون أبناءهم وبناتهم للمخاطر؟ وكيف يسيئون إليهم؟ وكيف يضيعونهم؟ هذا السؤال الأول، أما السؤال الثاني فهو: وكيف يضيع الآباء والأمهات أنفسهم حين يضيعون أولادهم؟!   ودعونا نبدأ في الإجابة بالسؤال الثاني فنقول: إن إحسان تربية الأولاد وتحصينهم ضد المخاطر هو فريضة على الآباء والأمهات؛ فإن ضيعوها فقد ظلموا أنفسهم وعرضوها للمساءلة أمام الجليل العظيم -سبحانه وتعالى-، وهذي بعض الأدلة على ذلك:  

 

أولًا: قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]. قال ابن عباس: "(قُوا أَنْفُسَكُمْ): بالانتهاء عما نهاكم الله عنه والعمل بطاعته، (وَأَهْلِيكُمْ): يعني مروهم بالخير وانهوهم عن الشر وعلموهم وأدبوهم تقوهم بذلك" (تفسير الخازن). وبناءً على ذلك: فإن من لم يأمر أولاده بالخير ولم ينههم عن الشر ولم يؤدبوهم... فقد عرضوهم لنار جهنم -والعياذ بالله- والتي لن يدخلوها بدون آبائهم وأمهاتهم الذين قصروا في حقهم.  

 

ثانيًا: ما رواه عبد الله بن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته... والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم..." (متفق عليه)؛ فأنت -أيها الأب- وأنتِ -أيتها الأم- مسئولان أمام الله -سبحانه وتعالى-، يسألكما: هل أدبتما أولادكما، هل قمتما بواجباتكما نحوهم؟  

ثالثًا: ما رواه معقل بن يسار أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة" (متفق عليه)، وأول رعيتك وأهم رعيتك وأولى رعيتك برعايتك هم أولادك؛ فإن لم تحطها بنصحك حق عليك الوعيد.  

 

رابعًا: ما رواه عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول" (النسائي في الكبرى، وأصله في صحيح مسلم)؛ فإياك إياك أن تقصِّر عامدًا في حقوقهم عليك فتكون قد ضيَّعتهم.   خامسًا: ما رواه أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل على أهل بيته" (النسائي في الكبرى) "أحفظهم أم ضيعهم، فيعامل من قام بحق ما استرعاه عليه بفضله ويعامل من أهمله بعدله" (فيض القدير للمناوي).  

 

 ويأتي الآن دور السؤال الثاني وهو الأخطر والأهم: كيف يضيِّع الناس أولادهم؟ ونجيب: أولًا: بإهمال تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم؛ فها هم الآباء وها هن الأمهات يهتمون بأجساد أولادهم فيسمنونهم كما يسمنون الأغنام والأبقار! ثم هم يهملون تربية الأرواح وتحصين العقول! ورحم الله أصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلـم- الذين كانوا يهتمون بقلوب الأولاد وأرواحهم كاهتمامهم بأجسادهم، بل أشد، وها هو أحد الأبناء يدلي بشهادة لصالحهم؛ إنه جندب بن عبد الله، الذي يقول: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا" (ابن ماجه).  

 

فأهم ما لا بد أن يتعلموهم: عقيدتهم ليؤمنوا بها إيمانًا جازمًا وليعقدوا عليها القلوب فلا يتسرب إليها شك أبدًا، وهو ما بدأ به لقمان الحكيم مع ابنه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]، ثم العبادات من صلاة وصوم... وهذا أيضًا ما فعله لقمان: (يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [لقمان: 17]، ثم الأخلاق كترك الفخر والكبر وخفض الصوت واحترام الكبير... (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 18 - 19]... ثم يُعلَّمون الآداب والسلوكيات واللغة العربية بعد القرآن وتاريخ الإسلام وأبطاله...  

 

ثانيًا: بعدم منع أسباب الفساد عنهم وتحذيرهم من الشر؛ فالأطفال وعاء فارغ مستعد وقابل لأن يستوعب كل ما يلقى فيه؛ فإن ملأته بخير أنبت خيرًا، أما إن تركتَه وأهملتَه، ملأتْه مواقع النت والفضائيات وأصدقاء السوء بكل شر!  

إنه من الواجب على كل أب وأم ومرب ومربية أن يهتموا بمنع أسباب الفساد عن الأطفال؛ فلا يُترك الأطفال يقلِّبون -بحرية- القنوات البائسة التافهة، بل يجب أن يحال بينهم وبينها، ويجب -كذلك- أن يحال بينهم وبين الخلوة بالشبكة العنكبوتية على الهاتف أو على الحاسوب أو غيرهما، ويجب أن يُختَبر أصدقاؤهم فيبعدون عن المفسد منهم ويُرشَح لهم صحبة الصالحين، وكذا يحال بينهم وبين كل ما يفسدهم كاختلاط ومشاهد فاضحة وكلمات خادشة للحياء...  

والأهم -مع أن ما سبق في غاية الأهمية- أن يعلَّموا ويدربوا كيف ينقذون أنفسهم من النار؛ كيف ينأون بأنفسهم عما يضرهم، ويؤدون ما يصلحهم... وها هو أبو هريرة يخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لابنته: "يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا" (مسلم).  

 

ثالثًا: بالانشغال عن متابعتهم ودعوتهم إلى الخير. وهكذا يجني الآباء على الأبناء! وهكذا تجني الأمهات على البنات؛ فمن مشغولين بجمع المال طوال نهارهم وليلهم، إلى منشغلات بأمور المنزل والمهاتفات والأزياء... وبين هؤلاء وهؤلاء يضيع الأبناء والبنات!   لقد كان هَمُ كل صحابي أسلم على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- أن يُسْلم بإسلامه أهله؛ فأبو بكر يسلم على يده أبوه أبو قحافة، وأبو هريرة يسأل النبي -صلى الله عليه وسلـم- أن يدعو لأمه فأسلمت... وفى كتب السيرة: أنه لما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام" فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام فأسلم، ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلمت" (سيرة ابن هشام).   فأول المهمات بعد إنقاذ النفس من النار أن تسارع إلى الاهتمام بشئون ولدك وأهلك، لتنجو وينجون.   

 

أيها الأحباب: إن تربية الأولاد في عصرنا أصبحت معركة؛ معركة بين قيم دينية وأخلاق سامية نعلِّمها لأولادنا، وبين فضائيات تحطمهم ومواقع على الشبكة العنكبوتية تهلكهم ووسائل إعلام تنزع من قلوبهم الفضيلة وتغرس مكانها الرذيلة، ثم طغمة أشرار من رفقاء السوء تسول الفواحش وتدل على طرقاتها... فإما أن ننتصر نحن فنحميهم من المخاطر، وإما -والعياذ بالله- أن تجرفهم تلك المهلكات وتطويهم في طياتها.   ونعترف أن الموضوع شاق وطويل، وأننا لم نستطع ولن نستطيع أن نوفيه حقه في عجالة كهذه، لذا فقد تركنا هذه المهمة -التي ننوء بحملها- لنضعها على كواهل خطبائنا ودعاتنا الذي سبقوا منذ زمن إلى التوعية بما يحيط بأولادنا من مخاطر، وإلى التنبيه على الاهتمام بهم والسهر عليهم؛ ليكونوا زرعًا طيبًا وعملًا -عند الله- متقبلًا؛ فهذي بعض خطبهم:  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
الخطبة الرابعة عشر:
الخطبة الخامسة عشر:
العنوان
تربية الأولاد وتعليمهم 2016/11/05 4674 809 20
تربية الأولاد وتعليمهم

أيها المؤمنون: قوا أهليكم النار؛ بفتح أبواب الخير لهم، وتوجيههم إليها، وتشجيعهم عليها. بينوا لهم الحق ومنافعه، ومروهم به، وبينوا لهم الباطل ومضاره، وحذروهم عنه. فإنكم رعاة عليهم، وكل راع مسؤول عن رعيته. فمن قام بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا، ومن فرط في رعايته فيهم خسر وهلك. عرفوهم بأصول...

المرفقات

الأولاد وتعليمهم

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life