الميراث - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-01-08 - 1446/07/08
التصنيفات:

اقتباس

ولو زالت عنهم الغفلة وأفاقوا من السكرة وأبصروا الأمر على حقيقته لأدركوا أنهم لا يأكلون إلا النار في بطونهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]، فهذان ناران؛ نار في الدنيا ونار في الآخرة...

يملك المرء حرية التصرف في ماله ما دام على قيد الحياة، فإذا مات خرج ماله من ملكيته وانتقل إلى وارثه... وما دُمتَ حيًا تُرزق فأنت تملك أن تسحب شيئًا من مالك من يد وارثك وترسله أمامك إلى آخرتك؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه؛ قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر"(متفق عليه)؛ إنها -إذن- الصدقة، فهذه فرصة أولى.  

 

وفرصة أخرى سانحة لاستغلال مالك قبل أن يخرج من يدك فيصبح ميراثًا لورثتك؛ وهي أن توصي بثلثه أو أقل في خير، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تصدق عليكم، عند وفاتكم، بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم"(رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

 

لكن ما أن يصبح المال ميراثًا بموت صاحبه إلا وتتعلق به حقوق أناس شتى؛ فأولهم الدائنون -إن كان-، وثانيهم المستحقون للوصية -إن كانت-، ثم يأتي بعد ذلك حق ورثة الميت... ولأن حب المال شيء مركوز في الغريزة البشرية، ولأن الطمع والجشع يستولي على قلوب كثير من البشر، ولأن الله -تعالى- أعلم بمن يستحق من الميراث ومن لا يستحق... لكل هذه الأسباب وغيرها لم يترك الإسلام أمر توزيع الميراث لأهواء البشر، إذًا لظلموا وجاروا وتنازعوا وتقاتلوا!... بل نزل القرآن الكريم منظمًا في جلاء ووضوح من يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ...)[النساء: 11]، والآية التي بعدها، ثم عقب عليهما بمكافأة لمن امتثل أمر الله -تعالى-، وبتهديد ووعيد لمن خالفه: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 13-14]...

 

لكن رغم هذا الوضوح والجلاء في أمر توزيع الميراث، ورغم هذا الحسم والقطع والزجر والتخويف، فإن نفوسًا جشعة شحيحة أبت إلا أن تخالف شريعة ربها، وتأكل حقوق غيرها! فيستولون على ميراث الأخوات والنساء عامة، ويأكلون حق الأيتام، والله -عز وجل- يأمر ويحذِّر قائلًا: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)[النساء: 2]؛ قال ابن عباس: "أي إثمًا كبيرًا عظيمًا"(تفسير ابن كثير).

 

ولو زالت عنهم الغفلة وأفاقوا من السكرة وأبصروا الأمر على حقيقته لأدركوا أنهم لا يأكلون إلا النار في بطونهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]، فهذان ناران؛ نار في الدنيا ونار في الآخرة -والعياذ بالله-! وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة" فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: "وإن قضيبًا من أراك"(رواه مسلم).

 

ألم يبلغ الذي يأكل ميراث الضعفاء قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة"(رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني)، "ومعنى "أحرج": ألحق الحرج، وهو الإثم، بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرًا بليغًا، وأزجر عنه زجرا أكيدًا... لأنهما لا قوة لهما ولا ملجأ إلا إلى الله -تعالى-"(تطريز رياض الصالحين، لفيصل المبارك).

 

ولو فَقِه لأدرك أنه لا يأكل مالًا حرامًا فحسب، وإنما يقطع الرحم التي أمر الله -تعالى- بها أن توصل، فعقوبته معجلة له في الدنيا قبل الآخرة؛ فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وفي أكله للميراث بغي على أقاربه، وقطعًا لأرحامهم.

 

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند

 

فقل لآكل مال اليتيم: هل ستطعم هذا المال لأولادك؟! هل ستطعمهم سحتًا حرامًا؟! ألم تسمع ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لكعب بن عجرة، لقد قال له: "يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

وليعلم كل من يأكل مال الضعفاء أنه قد يموت ويترك وراءه أولادًا وزوجات ضعفاء، أفيرضى أن يظلمهم الأقوياء ويستولوا على حقوقهم؟! إذن فليتقوا ربهم: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[النساء: 9]. 

 

***

 

ولقد نعى القرآن الكريم على آكلي الميراث في كل زمان ومكان قائلًا: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ): "أي الميراث، (أَكْلًا لَمًّا)[الفجر: 19]؛ أي شديدًا، والمعنى: أنه يأكل نصيبه ونصيب غيره، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان ويأكلون نصيبهم، وقيل: الآكل اللم الذي يأكل كل شيء يجده لا يسأل أحلال أم حرام، فيأكل الذي له ولغيره"(تفسير الخازن)، وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)[ص: 24].

 

***

 

وحري بكل مسلم له مال أن يجعل وصيته مكتوبة مفصَّلة موضحة؛ قطعًا للنزاع وحسمًا للخلاف الذي قد يثور بين ورثته، طاعة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"(متفق عليه)، إذًا لأغلقنا كثيرًا من أبواب بغي الورثة بعضهم على بعض، ولقللنا النزاع والشقاق فيما بينهم.

 

وهناك وسائل أخرى تحول دون أكل حقوق الورثة بالباطل، قد وضحها خطباؤنا في هذه الخطب التي نقلناها ها هنا بعد أن أصَّلوا الأمور تأصيلًا ثم فصَّلوها تفصيلًا:

العنوان

خطورة الاعتداء على الميراث

2016/04/16 36692 1075 136

يا مَن وجدَ مالَ الترِكَة سهلاً! مهلاً.. يا من استولَى على ميراث الإناث، وأغراهُ ضعفُهنَّ وسُكوتُهنَّ وحياؤُهنَّ.. يا من استولَى على ميراثِ الأيامَى واليتامَى، وغرَّه صِغَرُهم وعجزُهم وانقِطاعُهم .. تبَّت يداكَ، وخابَ مسعاك، ودامَ شقاك. كيف طابَت نفسُك أن تستولِيَ على المال والبلاد والضِّياع، وتُسنِدَ إخوتَك وقرابتَك إلى الفقر والعَجز والضَّياع؟! كيف طابَت نفسُك أن تحوزَ الرَّيعَ والثمرةَ والأجرةَ والعقارَ، وتُقابلَ إخوتكَ وقرابتَك بالهُجر والنُّكر والازدِراء والاحتِقار؟!

المرفقات

الاعتداء على الميراث


العنوان

الظلم في الميراث

2025/01/08 71 7 2

تَقُولُ إحدَاهُنَّ: واللهِ لا أَستَطيعُ أَن أَترَّحَمَ عَلى أَبي، ولا أَدعُو لَه بِالمَغفِرةِ، كُلَّمَا تَذَكَّرتُ أَنَّهُ ظَلَمَني فِي المِيراثِ، وَسَجَّلَ العَقَاراتِ باسمِ إخواني الذُّكورِ، وبَدَلَ أَن يُواسُوني وَيَكُونُوا لِي أَباً بَعَدَ الأَب، وَجدتُ نَفسِي وَحِيدَةً أَصَارِعُ غَلاءَ الإيجَارَاتِ، وأُقَاتِلُ الفَقرَ....

المرفقات

الظلم في الميراث.doc

الظلم في الميراث.pdf


العنوان

ظالمون في الميراث

2025/01/08 44 6 1

بعضَ الناسِ قادَهُ الطمعُ الدنيويُّ ونسيانُ المصيرِ الأخروي إلى تضييعِ حقوقِ أقاربهِ الوارِثِينَ، وإيقاعِ الشحناءِ بينَهم، بسببِ تأخيرِهِ لميراثِهم، وأشدُّ منه وأطغَى مَن يَجحدُهم حقوقَهم...

المرفقات

ظالمون في الميراث.pdf

ظالمون في الميراث.doc


العنوان

التحذير من الظلم في توزيع الميراث

2025/01/08 49 7 0

يتعمدون تأخير قسمةِ الميراث، والمماطلة في ذلك لانتفاعِهم بالتركة، سواء بسكنهم في العقارات، أو استعمال السيارات، أو الاستفادة من المزارع والاستراحات، أو غيرها من أموال المورث؛ متجاهلين حقوقَ الآخرين الذين يردهم عن المطالبة بحقوقِهم ضعفٌ،...

المرفقات

التحذير من الظلم في توزيع الميراث.doc

التحذير من الظلم في توزيع الميراث.pdf


العنوان

الظلم في الميراث

2025/01/08 44 8 1

إِنَّ عَدَمَ الْعَدْلِ فِي الْمِيرَاثِ وَقِسْمَةَ التَّرِكَاتِ تَسَبَّبَتْ فِي الْكَثِيرِ مِنَ الْمُعَانَاةِ وَالنِّزَاعَاتِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْعَائِلَةِ الْوَاحِدَةِ، حَتَّى بَاتَوا أَعْدَاءً مُتَنَاحِريِنَ؛ بِسَبَبِ الظُّلْمِ وَأَكْلِ حُقُوقِ الْوَرَثَةِ، وَالتَّحَايُلِ عَلَيْهِمْ، فَكَمْ مِنْ امْرَأَةٍ حُرِمَتْ مِيرَاثَهَا! وَكَمْ مِنْ يَتِيمٍ أُكِلَتْ حُقُوقُهُ!....

المرفقات

الظلم في الميراث.doc

الظلم في الميراث.pdf


العنوان

الظلم في الميراث

2024/10/23 1341 195 19

ومن أسباب النزاع في الميراث: تخصيص الوالد أحد أبنائه لمعرفة أملاكه والبقية لا يعلمون، وربما أخفى الابن بعض الأموال إذا كان من غير الأمناء، أو ربما أعطى كل واحد نصيبه دون أن يعلم الورثة: كم ورثوا من ميتهم؟ أو أخَّر توزيع الميراث وقد يوجد قُصَّر يعيشون فقرًا...

المرفقات

الظلم في الميراث.doc

الظلم في الميراث.pdf


العنوان

حتى لا يكون في الميراثِ نزاع

2022/05/19 1799 378 2

عبادَ اللهِ: إنَّ المتأمِّلَ للتشريعِ الإسلاميِّ في الميراثِ يُدْرِكُ أنَّ الإجراءاتِ الاحترازيةَ الاستباقيةَ للمورِّثِ في حياتِه تُجَنِّبُ الورثةَ النزاعَ إلى حدٍّ كبيرٍ؛ وذلك مِن خلالِ امتثالِ المورِّثِ منهجَ التقوى، والقولِ السديدِ، وطِيب كَسْبِه، وعدْله بين ورثتِه، وحَصْره لتركته حال حياته، وإثباتَه الحقوق التي له وعليه، وتوثيقَها شرعًا، و...

المرفقات

حتى لا يكون في الميراثِ نزاع.pdf

حتى لا يكون في الميراثِ نزاع.doc


العنوان

ويل لك يا آكل الميراث

2018/09/12 72561 1228 114

طمع الأقارب في ميراث المرأة: فكثيرا من أكلة المواريث أصابهم الجشع والطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم أن ذلك سينقص المال والطمع جمرة لا تحرق إلا صاحبها...

المرفقات

ويل لك يا آكل الميراث


العنوان

عن الميراث

2014/05/24 10767 699 51

عباد الله: لا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة، ولا للواسطة، ولا للرأي ولا للهوى، إنها شريعة الله، وحكمة الله: تولى الله قسمة المواريث؛ منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال أن تتلاعب بمال الورثة، ومنعا للشقاق والاختلاف، تولى الله قسمة المواريث، لكي يضفى على المؤمن الطمأنينة والرضا إذا علم حينما يقل نصيبه، أو حينما يمنع من الإرث أن نقصه، أو منعه آت من لدن أحكم الحاكمين، فيرضى حينذاك بحكم الله: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].

المرفقات

الميراث


العنوان

حرمان الإناث من الميراث

2013/09/02 10338 2157 31

أيها المسلمون: إن الإسلام دين الله القويم، والناسخ لما قبله من الأديان، فهو لم يجعل لأحد فضلاً على أحد إلا بالتقوى، وبما خص الله به بعض الأفراد من الخصائص، وذلك وفق الحكمة الإلهية، ولقد راعى وأعطى الإسلام كل ذي حق حقه، وأولى النساء بالعناية؛ ففي القرآن الكريم سورة سميت باسم امرأة، وهي سورة مريم، والمجادلة، والممتحنة؛ بل إنّ في القرآن سورة أطلق عليها اسم سورة النساء. وقال نبي الإنسانية، وهادي البشرية، ومحطم الوثنية: "إنما...

المرفقات

الإناث من الميراث


العنوان

حرمان البنات من الميراث

2020/02/20 19864 850 51

وَمِنْ أَسْبَابِ حِرْمَانِ الْإِنَاثِ مِنَ الْمِيرَاثِ: الْعَادَاتُ وَالتَّقَالِيدُ الْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ لِجَهْلِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، فَيَعْتَبِرُونَ إعْطَاءَ الْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا مِنَ الْإِرْثِ عَيْبًا وَمَنْقَصَةً، بَلْ يُصَرِّحُ بَعْضُهُمْ: أَنَّ إِعْطَاءَ النِّسَاءِ مِنَ...

المرفقات

حرمان البنات من الميراث


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات