عناصر الخطبة
1/اهتمام الإسلام بأحكام الميراث 2/بعض حكم بيان مقادير قسمة المواريث 3/أعظم صور العدل في الميراث 4/الرد على مزاعم أعداء الإسلام حول ظلم الإسلام للمرأة وانتقاصه لها 5/استقراء حالات ومسائل مقدار ميراث المرأة والرجل 6/أحكام الميراث تعبدية 7/بعض الإشكالات والأخطاء المتعلقة بالميراث 8/المبادرة بقسمة تركة الميت ومفاسد تأخيرهااقتباس
عباد الله: لا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة، ولا للواسطة، ولا للرأي ولا للهوى، إنها شريعة الله، وحكمة الله: تولى الله قسمة المواريث؛ منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال أن تتلاعب بمال الورثة، ومنعا للشقاق والاختلاف، تولى الله قسمة المواريث، لكي يضفى على المؤمن الطمأنينة والرضا إذا علم حينما يقل نصيبه، أو حينما يمنع من الإرث أن نقصه، أو منعه آت من لدن أحكم الحاكمين، فيرضى حينذاك بحكم الله: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].
الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز الوهاب، الكريم التواب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الهادي إلى سبيل الحق والصواب.
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله والأصحاب، ومن تبعهم بإحسان ليوم المآب.
أما بعد:
ربنا هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أيها الناس: من جوانب عظمة الإسلام: اهتمامه بأحكام الميراث، بعد موت الميت، فجاءت أحكام الميراث دقيقة موزعة بحكمة بالغة، وعدل من قبل رب العالمين.
فربنا -سبحانه- تولى تقسيم التركات، ولم يترك ذلك لأحد من البشر، فصل ربنا بدقة أحكام المواريث في بيان بليغ، وحساب دقيق، مما يستحيل على البشر أن يهتدوا إليه، لولا أن هداهم الله.
ومن تأمل الآيات الثلاث الواردة في تفصيل أنصبة الورثة رأى أنها جميعا ختمت بصفة العلم، ففي الآية الأولى: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء: 11].
وفي الآية الثانية: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[النساء: 12].
وفي الآية الثالثة: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء: 176].
عباد الله: لا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة، ولا للواسطة، ولا للرأي ولا للهوى، إنها شريعة الله، وحكمة الله: تولى الله قسمة المواريث؛ منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال أن تتلاعب بمال الورثة، ومنعا للشقاق والاختلاف، تولى الله قسمة المواريث، لكي يضفى على المؤمن الطمأنينة والرضا إذا علم حينما يقل نصيبه، أو حينما يمنع من الإرث أن نقصه، أو منعه آت من لدن أحكم الحاكمين، فيرضى حينذاك بحكم الله: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].
ومن أعظم صور العدل في الميراث: تصافي القلوب بين الورثة، وعدم تراشق سهام الضغائن، فكل قد رضي بنصيبه الذي فرضه الله له.
أيها المؤمنون: هل يوجد في غير شريعة الإسلام ذلك التوزيع العادل لميراث الميت؟
حقا إنها عظمة الإسلام، عظمة تحمل العدل، عظمة بين الجاهلية الأولى التي تمنع المرأة من الإرث والجاهلية المعاصرة التي تدعو لمساواة المرأة بالرجل في الإرث.
نعم -عباد الله-: ديننا دين العدل لا دين المساواة، ولذا فالمناداة بمساواة الحقوق بين الذكر والأنثى على خلاف أصول الشرع.
إخوة الإيمان: لقد حاول أعداء الإسلام إثارة الشبه وانتقاص الإسلام بدعواهم أن الإسلام قد ظلم المرأة في الميراث.
وزعموا أنه همش المرأة وهضمها حقها، فلماذا لم يساوها مع الرجل؟ ولماذا للذكر مثل حظ الأنثيين؟
وهذه الشبهات والمزاعم تنم عن جهل عظيم بدين الإسلام، فهم أرادوا أن يطعنوا في الإسلام بما هو ميزة فيه!.
كيف ذلك؟!
إن استقراء حالات ومسائل الميراث، كما جاءت في علم الفرائض يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في شأن الميراث، فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث، يقول لنا:
• إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف ما يرثه الرجل.
• وهناك ثمان حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.
• وهناك عشر حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
• وهناك حالات ترث فيها المرأة، ولا يرث نظيرها من الرجال.
• وخلاصة ذلك: أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف ما يرث الرجل.
• فتبا لأعداء المرأة ينسون تلك المزايا للمرأة، ثم يهاجمون شريعة الإسلام من أجل أربع حالات ترث فيها المرأة نصف ما يرثه الرجل.
• فما أعظم جنايتهم؟ وما أقبح جرأتهم؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
عباد الله: إن في الأحكام الإلهية الربانية في تقسيم الميراث ردا على أعداء الإسلام، وأعداء تحرير المرأة، وإسقاطا لدعاويهم، ودحضا لافتراءاتهم، وما ذاك إلا لكمال شريعة الإسلام، فالحمد لله أولا وأخرا.
أيها الناس: أحكام الميراث أحكام تعبدية، فرضها الله -تعالى-، فلا صلاح لأحوال الناس إلا بالقيام بها، كما أمر ربنا -جل جلاله-.
وأي تقصير أو تفريط في أحكام المواريث يبوء صاحبه بالإثم، ويتبع ذلك مشاكل متعددة تؤثر على استقرار المجتمع، وتشتت الأسر، وتؤرق المحاكم.
إخوة الإسلام: برزت في الفترة الأخيرة مشاكل كثيرة تتعلق بالميراث، ولا بد من المصارحة والمكاشفة في نوعية هذه المشاكل، حتى يقضى عليها في مهدها، ومنعا لامتداد أثرها المزعزع للطمأنينة والمثير للبغضاء والعداوة.
• من أبرز القضايا المشكلة: تساهل كثير من الناس بالوصية، وعدم كتابتها، وإيضاح ما لديه من أموال، وما هي الأموال المشتركة مع آخرين، فبعد موت المورث قد يدعي أحد الأولاد أنه شريك لوالده أو أمه، وحينذاك لا بد مما يثبت ذلك، وإلا فتح على الورثة بابا عريضا من الخلافات والاتهامات.
• ومن الأخطاء: تخصيص الوالد أحد أبنائه لمعرفة أملاكه، والبقية لا يعلمون، وقد ينزغ الشيطان الابن لإخفاء بعض الأموال.
• ومن المشاكل والأخطاء المؤدية للنزاع: تأخير قسمة التركة، فتمضي الأشهر والسنوات والتركة لم تقسم، وقد يوجد قصر يعيشون فقرا والتركة تغنيهم عن الزكوات والصدقات.
عباد الله: ومن الإشكالات والأخطاء المتعلقة بالميراث: تأخير العمل بالوصية إلى ما بعد قسمة التركة.
ولا يخفى -يا مسلمون-: أن إخراج الوصية مقدم على حق الورثة، أخبرني أحد القضاة الفضلاء أنه وقف على حالات تأخر فيها الورثة أكثر من ثمان سنين لم ينفذوا الوصية والميت في قبره ينتظر أجر الوصية.
ومن الأخطاء: عدم عدل الوصي على التركة في قسمتها بين الورثة، خاصة إذا كان للوصي إخوة غير أشقاء، فيعطيهم مثلا العقارات الأقل أهمية.
ومن المؤسف: أن من الأوصياء من يتصرف ويقسم بناء على وجهة نظره الشخصية التي قد يخالفه فيها كثير من الورثة.
والواجب، هو: تحري العدل، وما أشكل فيرجع فيه على القاضي.
ومن الأخطاء: أن العديد من الأوصياء لا يعلنون التركة للورثة، فيعطى كلا نصيبه دون أن يعلم الورثة كم ورث ميتهم.
ومن الأخطاء: أن يتصرف الوصي في العقارات خاصة دون إذن الورثة، ومثل هذا التصرف الأصل بطلانه؛ لأن بقية الملاك لم يأذنوا بالبيع، ويزداد الأمر سوءا إذا تصرف في التركة مع وجود قصار.
فالواجب هنا: المبادرة في تحديد الولي على القصار قبل أي تصرف في التركة.
ومن الأخطاء: عدم تدوين حسابات المشاريع الموروثة بعد وفات المورث، ويترتب على ذلك مشاكل بين الورثة وإساءة الظن بالوصي.
الأولى بالوصي أن يقوم بعد وفاة مورثهم مباشرة بإجراء جرد دقيق للمشاريع ذات الدخل، وتدوين الإرادات والمصروفات.
والأفضل والأحسن إذا كانت المشاريع كبيرة أن تسلم لمحاسب قانوني إلى حين قسمتها.
إخوة الإسلام: ومن الأخطاء: إخفاء الصكوك والمستندات فترة طويلة من بعض الورثة لكسب مزيد من الوقت لاستغلال بعض العقارات، وخاصة المؤجرة.
ومن المظالم: حرمان المرأة من الميراث، لكن بطريق غير مباشر، كأن يكون بعض الورثة منتفعين من استثمار الإرث فيماطلون في القسمة، فتتضرر المرأة غير العاملة والمحتاجة عند تأخر القسمة.
ومن الأخطاء: أنه بعدما تقسم التركة أنها لا تنقل لملاكها، فالقسمة لا تعني الانتهاء من التركة، بل لابد من إفراغ ما يحتاج لإفراغ واستلام ما يحتاج لاستلام؛ لأن في ذلك غلقا لباب النزاع.
الخطبة الثانية:
أيها الناس: الأولى أن الميراث وما خلفه الميت من المال أن يجمع الأسرة ولا يفرقها ويقويها ولا يضعفها.
الواجب على العقلاء: أن لا يغلبهم حب المال، فيقدموه على حبهم لأهلهم وإخوانهم وأخواتهم.
من كان يظن أن أخا يشتكي أخاه في المحاكم؟
من كان يظن أن الأخوة الأخوات بعد الوصال والحب تهاجروا وتباغضوا؟
ترى لو علم والدهم ومورثهم أكان يرضيه ذلك؟
يا أهل كل ميت، أيها الورثة: بادروا ثم بادروا ثم بادروا بقسمة الميراث.
إن المبادرة تسهل قسمة المال، وتدعو لتراحم الإخوان.
وفي التأخير قد يموت أحد الورثة وتطول مطالبات أولاده، ويعمل الشيطان بنزغه وأزه ولبقاء الود والحب.
لا بد من الوضوح والصراحة، وإجراء أحكام الميراث وفق الشريعة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم