عناصر الخطبة
1/محبة المال فطرة في النفوس 2/فتنة المال وخطورة الحرص عليه 3/خطورة المكاسب المحرمة وتعددها 4/وجوب تحري الكسب الحلال 5/توقي فتنة المال 6/عدالة الإسلام في توزيع المواريث والتركات 7/من صور الظلم عند تقسيم المواريث.اقتباس
في سَبِيلِ المَالِ، كَمْ ارْتَضَى مَفْتُونٌ بِعَمَلٍ مُحَرَّمٍ! وكَمْ ارْتَضَى مَفْتُونٌ بِأَنْ يَكُونَ عَوْنًا عَلى العُدْوان! ما امْتُحِنَت النُفُوسُ ومَا تَكَشَّفَتْ حَقائِقُها، بِمْثْلِ امْتِحانِها أَمامَ المَال. تَرَى الرَّجُلَ يَخْفَى عَلِيْكَ مَعْدَنُهُ. فَإِذَا مَا امْتُحِنَ بالمَالِ، بَانَ حِلْمُهُ مِنْ جَهْلِه، وظَهَرَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِه...
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أَيُّها المُسْلِمُون: مَالٌ تَمِيلُ إِليهِ النُفُوسُ وبِهِ تَتَعَلَّق. مالٌ تَتَطَلَّعُ إِليهِ النُفُوسُ ولَهُ تَتَوق. هُوَ زِيْنَةُ الحَياةِ وهُوَ لَها قِوام، وهُوَ لَها عَوْنٌ وهُوَ لِمَطَالِبِها مَدَد؛ (المَالُ والبَنُونَ زِيْنَةُ الحَياةِ الدُّنْيَا)[الكهف: 46].
تَقِفُ النُفُوسُ أَمامَ المَالِ وَقْفَةَ رَغْبَةٍ وطَمَع، تَسْتَشْرِفُهُ ولَهُ وتَتَطَلَّع، وتُسارِعُ إِليهِ ولَهُ تُسابِق؛ فَمِنْ أَجْلِ المَالِ تَسْعَى، ومِنْ أَجْلِهِ تُكابِد، ومِنْ أَجْلِهِ تَكِدُّ ومِنْ أَجْلِهِ تَكْدَح؛ (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الفجر: 20]، المَالُ فِتْنَةٌ مِنْ فِتَنِ الحَياةِ التي يُبْتَلى العِبادُ بِها؛ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال: 28].
عَسِيْرٌ عَلى النَّفْس أَنْ تُنْفِقَ المَالَ، وعَسِيْرٌ عَلِيْها أَنْ تُفارِقَه؛ فَلا تُنْفِقُهُ إِلا لِمُتْعَةٍ تَنْشُدُها، أَو لِمَنْفَعَةٍ تَرْجُوها، أَو لِرِبْحِ تأَمَلُه.
المَالُ أَخْطَرُ ما اقْتَرَنَ بِهِ المَرْءُ، وأَخْطَرُ ما سَعَى في طَلَبِه؛ في سُبُلِ الكَسْبِ تُحِيطُ بالمرءِ المَطامِعُ، وتَتَدَاعى عَلَيْهِ دَواعِي الآثام. إِغْراءَاتٌ تَجْنَحُ بالمرءِ ذَاتَ اليَمِينِ، أَو تَجْنَحُ بِهِ ذاتَ الشِمال. تَمِيلُ بِهِ إِلى دُرُوبِ مُتَشَابِهَةٍ، وتَنْحَنِي بِهِ إِلى مُنحَنَياتِ الحَرام، فَما يَنجُو مِنْها إِلا صادِقُ الإِيْمانِ، عَفِيفُ النَّفْسِ، صَحِيحُ التَّقْوَى.
غِشٌ، وتَحايُلٌ، وغُلُولٌ، واخْتِلاسٌ، وتِجارةٌ بالمُحَرَّمِ، وتَعامُلٌ بالرِبا، وتَعاوُنٌ على الإِثْمِ والعُدْوان، أَكْلٌ لِمالِ اليَتِيْمِ، واسْتِيْلاءٌ على حَقِّ الضَّعِيف، وبَخْسٌ في الكَيْلِ، وتَطْفِيفٌ في المِيزان.
في سَبِيلِ المَالِ، كَمْ ارْتَضَى مَفْتُونٌ بِعَمَلٍ مُحَرَّمٍ! وكَمْ ارْتَضَى مَفْتُونٌ بِأَنْ يَكُونَ عَوْنًا عَلى العُدْوان! المَالُ للمَرءِ فِتْنَةٌ، فَطُوبَى لِمَنْ سَعَى في طَلِبِ المَالِ مِنْ طِيْبِ كَسْب، ولِرَبِهِ اتَّقَى، يَسْعَى في فِجاجِ الأَرْضِ مُتَوَكِلاً عَلى رَبِهِ، وبأَخْلاقِ مَنْ صَدَقوا ارْتَقَى. يَطْلُبُ المَالَ مِنْ حِلِّهِ، ويَأَتِيْهِ مِنْ بَابِهِ، ويَأَخُذُهُ بِحَقِه. فَلا يَبْغِي ولا يَظْلِم، ولا يَطْمَعُ ولا يَعْتَدِي. فإِنْ عَاشَ عَاشَ حَمِيدًا، وإِن ماتَ ماتَ رَضِيًّا.
المَالُ يَسْتَهْوِي النُفُوسَ مَنالُهُ، ويَهُزُّ قَلْبَ المُغْرَمِ المَفْتُونِ. طَلَبُ المَالِ مَطْلَبٌ تَدعو إِليهِ الفِطْرَةُ، وتَدْفَعُ إِلِيهِ النُفُوس. وما يُلامُ مَنْ سَعَى في طَلَبِ المالِ ما كانَ لِرَبِهِ مُتَّقياً. وتَجَاوُزُ الحَدِّ في الطَلِبِ ذَاكَ الهَلاكُ.
تَجاسُرٌ على الحَرامِ، واقْتِحامٌ لِدُرُوبِ الآثام، فَما الفَقْرَ خَشِيَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- على أُمَّتِهِ، ولِكِنَّهُ خَشِيَ عَلِيْهِم أَشَرَ الغِنَى، وفي حَدِيْثَ عَمْرو بنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ"(رواه البخاري).
هذَّب الإِسْلامُ النُّفُوسَ، فَما أَمَرَها بالقُعُودِ عَنِ الكَسْبِ، بَلْ أَمَرَها بالسَّعْيِ فيه. ولَكِنَّهُ نَهاها عَنْ المُبالغَةِ في الحِرْصِ، ونهاها عَنْ الإِشْرافِ والشُّحِّ والطَمَع. وفي تَوْجِيْهٍ نَبَوِيٍّ كَرِيمِ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "يا حَكِيمُ، إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى"(رواه البخاري). و"اليَدُ العُلْيَا" هِيَ اليَدُ المُنْفِقَةُ لِلْمالِ. "واليَدِ السُّفْلَى" هِي اليَدُ السَّائِلُةُ الآخِذَة.
ما امْتُحِنَت النُفُوسُ ومَا تَكَشَّفَتْ حَقائِقُها، بِمِثْلِ امْتِحانِها أَمامَ المَال. تَرَى الرَّجُلَ يَخْفَى عَلِيْكَ مَعْدَنُهُ. فَإِذَا مَا امْتُحِنَ بالمَالِ، بَانَ حِلْمُهُ مِنْ جَهْلِه، وظَهَرَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِه، وتَكَشَّفَتْ بَصِيْرَتُهُ مِنْ عَماه.
أَمامَ المَالِ كَمْ مالَتْ نُفُوسٌ *** وهَاجَتْ أَنْفُسٌ هَجَرَتْ تُقَاها
كُلُّ امرئٍ صائرٌ يوماً لشيمَتِهِ *** وَإِنْ تَخَلَّقَ أَخْلَاقَاً إِلى حِينِ
مَالٌ صَالِحٌ بِيَدِ رَجُلٍ صَالحٍ، تَصْلُحُ بِهِ القُلُوبُ، وتُنَفَّسُ بِه الكُرُوبُ، ويُجْمَعُ بِهِ كُلُّ شَتَات. مَالٌ صَالحٌ، تُوصَلُ بِه الأَرْحام، وتُخَفَّفُ بهِ الآَلامُ، وتُدَاوَى بِهِ الأَسْقام، وتُرْفَعُ للعبْدِ فيه الدَّرَجَات. يَصِلُ العَبْدُ في المَالِ رَحِمَهُ. وأَكْرِمِ بِمالٍ كَانَ عَوْناً عَلى الوِصَال.
قَامَ أبو طَلْحَةَ الأَنْصارِيُّ -رضي الله عنه- إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وتَعَالَى- يقولُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران: 92]، وإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، -وبَيْرُحاء: مَزْرَعُةُ نَخْلٍ قِبْلَةَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَرِيْمَةُ الثَمَرِ طَيِّبَةُ المَاء- وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أرْجُو برَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يا رَسولَ اللَّهِ حَيْثُ أرَاكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بَخٍ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، وقدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ"(مُتَفَقٌ عليه).
"وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ"؛ رأَيُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى، أَنْ يَجْعَلَ صَدَقَتَهُ في الأَقْرَبِين. فَيا تُرَى، كَمْ صَنَعَتْ تِلْكَ الصَدَقَةُ في الأَقْرَبِينَ مِنْ أَثَر! وكَمْ أَبْقَتْ في قُلُوبِهِم مِنْ مَوَدَّة! وكَمْ أَزاحَتِ الصَدَقاتُ في الأَقْرَبِينَ مِنْ ضَغَائِنَ! وكَمْ وَأَدَتْ فِيْهِم مِنْ عَداوَات!
في الحَدِيثِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّدقةُ عَلَى المسْكينِ صَدَقةٌ، وَعَلَى ذِي القَرابةِ اثْنَتَانِ: صَدَقةٌ وَصِلَةٌ"(رواه الترمذي)، وقال الله: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ)[البقرة: 177]، (قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)[البقرة: 215]، (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الروم: 38].
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: شِقاقُ النُفُوسِ وتَنافُرُها، وتَقاطُعُ الأَرْحامِ وتَدابُرُها، وتَهاجُرُ الإِخْوانِ وتَخَاصُمُهُم، أَكْثَرُ ما قَادَ إِليهِ تَنازُعٌ وتَخاصُمٌ أَمامَ مَال، شُحٌ واسْتئِثارٌ، وأَنانِيَةٌ وطَمَع، ومُغَالَبَةٌ ومُغَالَطَةٌ، ومُرَاوَغَةٌ وسُوءُ ظَنٍّ (وأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحُّ)[النساء: 128]؛ أَمامَ المَالِ، يَجْفُو الخَلِيلُ خَلِيلَهُ، ويَقْطَعُ القَرِيبُ قَرِيبَهُ، ويَهْجُرُ الشَّقِيقُ أَخاه!
ولَمَّا كَانَ المَالُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبابِ الشِقاقِ، ومِنْ أَخْطَرِ أَسْبابِ الفِراقِ؛ قَسَمَ اللهُ حُقُوقَ الوَارِثِيْنَ في كِتابِه، تَوَلَّى قِسْمَتَها بِنَفْسِهِ -سُبْحانَه-، فَما أَغْفَلَها ولا أَهْمَلَها، ولا أَبْهَمَها ولا أَجْمَلَها، وإِنَّما فَصَّلَها أَكْمَلَ تَفْصِيلٍ، وبَيَّنَها أَتَمَ بَيَان.
قِسْمَةُ رَبِّ العَالَمِين، لا أَجَلَّ ولا أَكْرَمَ مِنْها، ولا أَعَزَّ ولا أَحْكَم مِنْها؛ فَما للعُقُولِ أَمامَها مُعارَضَةٌ، وما للعُقُولِ أَمامَها اسْتِدْراك. أُحْكِمَتْ آياتُ المَوارِيثِ، وسُورَةُ النِساءِ حَوَتْ أَكْثَرَها.
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[النساء: 11- 12]، وآياتٌ أُخْرَى مُفَصَّلاتٌ، وفي السُّنَةِ عَمَلٌ بِها وبَيَان.
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ قِسْمَةً أَعْدَلُ مِنْ قِسْمَةِ اللهِ، كَفَر. ومَنْ تَحَايَلَ عَلى قِسْمَةِ اللهِ وَرَاغَ عَنْها، لِيَنالَ مِنَ القِسْمَةِ حَظّاً لَيْسَ لَه، أَو لِيُلْحِقَ الأَذَى بِمَنْ كَانَ مِنَ القِسْمَةِ لَه؛ فَقَدْ اقْتَرَفَ إِثْماً مُبِيْناً.
ولَمَّا فَصَّلَ اللهُ أَحكامَ المَوارِيْثِ أَرْدَفَها بِقَوْلِه: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 13- 14].
وحُقُوقُ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الوَرَثَةِ، لا يَتَجَرَّأُ عَلِيها إِلا شَقِيٌّ، ولا يَعتْدِي عَلِيها إِلا شَيْطَانٌ مَرِيد، ولَمَّا كَان اليَتَامى مِنْ أَضْعَفِ المُسْتَضْعَفِين؛ أَغْلَظَ اللهُ العُقُوبَةَ لِمَنْ تَجَرأَ عَلَيْها، أَو اسْتَباحَ شَيئاً مِنْها بِغَيْرِ حَقّ؛ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].
بَلْ أَمَرَ اللهُ بِحِفْظِ أَمْوالِ اليَتَامى، وأَمَرَ بالمُبادَرَةِ بأَدائِها لَهُم بَعْدَ بُلُوغِهِم، وفَوْرَ تَحَقُّقِ الرُّشْدِ فِيْهِم، بِحُسْنِ التَعامُلِ مَعَ الأَمْوَالِ وحُسْنِ التَدْبِيْرِ (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى)؛ أَيْ: اخْتَبِرُوهُم (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا)[النساء: 6].
ومِما يَجِبُ عَلى المُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَهُ، أَنَّ تِلْكَ المُوارِيثِ التِيْ أَحَلَّها اللهُ لِعِبادِه، إِنَّما أَحَلَّها لَهُم بَعْدَ قَضاءِ ما عَلى المُوَرِّثِ مِنْ دَيْنٍ، وبَعْدَ إِنْفاذِ ما لَهُ مِنْ وَصِيَّةٍ في مَالِه؛ لِقُولِ اللهِ -تعالى-: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ)[النساء: 11].
وتأَخِيرُ القِسْمَةِ لِغَيْرِ سَبَبٍ، أَو لِأَوْهَى سَبَبٍ، ظُلْمٌ لأَصْحابِ الحُقُوق، وهُو مِمَّا يُنْبِتُ الشِّقَاقَ، ويُحْدِثُ الفِراقَ. وكَمْ تَعَثَّرَتْ حُقُوقٌ وضَاعَتْ، وبَعُدَ مَنالُها، بِسَبَبِ التَّفْرِيطِ والتَهاوُنِ والتأَخِير!
وكَمْ رَحَلَ أُناسٌ مِنْ دُنْياهُم، وحُقُوقُهُم مِنْ مِيراثِ مَنْ سَبَقُوا، قُدْ حُرِمُوا مِنْها بسَبَبِ مَنْ كَان َعَثْرَةً أَمامَ قِسْمَتِها. وعِنْدَ اللهِ يَختَصِمُون.
اللهم أَغننا بِحلالك عَنْ حَرامك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم