التحذير من الظلم في توزيع الميراث

الشيخ خالد الكناني

2025-01-10 - 1446/07/10 2025-01-20 - 1446/07/20
عناصر الخطبة
1/التحذير من الظلم بكافة أشكاله 2/الظلم في قسمة المواريث 3/عدالة الإسلام في توزيع المواريث والتركات 4/مخالفات عند تقسيم المواريث 5/من صور الاعتداء على حقوق الضعفاء 6/تنبيه بخصوص شهر رجب.

اقتباس

ومن ذلك الظلم: ما يحدث عند قسمة الميراث من تعدٍّ وظلم، وأكل حقوق الورثة والتحايل عليهم وأكل أموال اليتامى والأرامل والضعفاء؛ فكم من امرأة حُرمت من ميراثها! وكم من يتامى أُكِلَتْ حقوقهم! وكم من ضعفاء حُرموا من ميراثهم!...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله ربّ العالمين؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أما بعدُ: أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أنّ مما حرَّمه الله -عز وجل- ونهى عنه: الظلم، فقد حرَّمه الله -تعالى- على نفسه وحرَّمه على عباده؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتعالى- أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا"(صحيح مسلم: 4/1994).

 

ومن ذلك الظلم: ما يحدث عند قسمة الميراث من تعدٍّ وظلم، وأكل حقوق الورثة والتحايل عليهم وأكل أموال اليتامى والأرامل والضعفاء؛ فكم من امرأة حُرمت من ميراثها! وكم من يتامى أُكِلَتْ حقوقهم! وكم من ضعفاء حُرموا من ميراثهم! وقد حذَّرنا الله -تعالى- من ذلك، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].

 

أيها المسلمون: إن من عظمة الدين الإسلامي أنه اعتنى بأحكام الميراث؛ فتولى الله -سبحانه وتعالى- تقسيمها وتفصيلها بنفسه -جل في علاه-، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم مفصلاً ومبينًا، وخُتِمَت الآيات بصفة العلم؛ قال -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء: 11].

 

وقال -تعالى-: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[النساء: 12]، وقال -تعالى-: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء: 176].

 

ثم بيَّن -تعالى- أن تلك حدود الله -تعالى-، والتي يجب إقامتها، وتوعَّد الله -تعالى- مَن تعدَّى وخالَف تلك الحدود بالنار والعذاب المهين؛ قال -تعالى-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 13- 14].

 

أيها المسلمون: إن من المخالفات والتجاوزات التي تُمارَس في هذه الأزمنة، وفيها من الجور والظلم والتعدي على حقوق الورثة، والذي يجب أن يُنبّه عليه؛ حتى نُجنّب أنفسنا الظلم والتعدي على حقوق الورثة أمور منها:

-إن هناك مَن يتحايل في قسمة المواريث من أجل أكل أموال بقية الورثة بالباطل.

 

-ومنها: التأخير في قسمة الميراث بعد موت المورث مع القدرة على قسمتها، وعدم العدل في الميراث وقسمة التركات مما يسبّب النزاعات والخلافات بين أفراد العائلة الواحدة حتى باتوا أعداء متناحرين ومختلفين.

 

-ومن ذلك: حرمان بعض الورثة من الإرث لضعفهم كالنساء والأطفال، وقد بيَّن الله -تعالى- حقهم، قال -تعالى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[النساء: 7]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ؛ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ"؛ أي: أضيق على الناس مِن تضييع حقهم، وأشدّد عليهم في ذلك، وأحذّرهم من ظلمهم.

 

 ومن الأخطاء التي تقع في قسمة الإرث: أن يكون الإرث دية قتل خطأ، ويكون من الورثة أطفال صغار، فيتم التنازل مِن قِبَل الورثة الكبار عن تلك الدية؛ فإن حق الصغار لا يسقط، بل يجب أن يُحْفَظ، ثم اعلموا أنه يجب تقديم الدَّيْن ثم الوصية إن كان هناك وصية لغير وارث بالثلث فأقل؛ لقوله -تعالى-: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11].

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وبادروا بقسمة التركة على الوجه الشرعي الذي فرضه الله -تعالى-.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 أما بعد: أيها المسلمون: اعلموا أن شهر رجب شهر محرم، وهو أحد الأشهر الحرم، قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].

 

والواجب علينا ألا نخص شهر رجب إلا بما خصه الله -عز وجل- ورسولهُ -صلى الله عليه وسلم- به، وذلك أنه من الأشهر الحرم التي يتأكد فيها اجتناب المحرمات وتعظيم حدود الله؛ لعموم قول الله -تعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

 

فاجتنبوا البدع والمحدثات في رجب وفي غيره، واتبعوا سُنة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النار.

 

هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فقد أمركم بذلك ربكم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

التحذير من الظلم في توزيع الميراث.doc

التحذير من الظلم في توزيع الميراث.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات