اقتباس
حث الإسلام الناس على أن يحيوا بالحب ويتعاملوا به؛ إذ لا يمكن أن تستقر حياة بين كل المخلوقات دون حب ولا تستقيم من غير ود؛ فغرس في فطرة الوالدين محبة أولادهم وفي قلب الزوجين محبة بعضهم، وزرع في قلب الأخ محبة إخوانه والصديق محبة أصدقائه والشريك شركائه؛ ليحيا مجتمعا نظيفا متسما بالحب المشروع الذي دعت الشريعة الإسلامية، وذلك...
لقد قام دين الإسلام على المحبة والمودة، وجاءت دعوته بالحب والألفة؛ فجمعت شمل الموحدين وجعلت لهم أصولا ليعيشوا عليها متحابين وشرعت لهم حقوقا وآدابا ليكونوا بها متآخين؛ والحب ركن من أركان العبادة التي لا تصح إلا بتحقيقها، كما أن الحب شرط لصحة إيمان العبد بربه وشرعه ونبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا إيمان لفظ غليظ لا يشعر بمشاعر المودة وعاطفة المحبة، كما أن الحب شرط في سكينة البيوت وشرط في دوام الأخوة وشرط في بقاء الشراكة والصداقة.
والحب، هو أساس الدين الذي لا يكتمل إيمان المسلم، إلا به، وحب الله -تعالى- في قلب المؤمن مقدم على كل حب؛ فينبغي أن يكون حب الله هو الأشد، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165].
أيها المؤمنون: وإذا حقق العبد محبة ربه وجعل لها الحظ الأوفر، يجب عليه أن يتبع محبة ربه ومولاه بمحبة من به أنقذه الله به وهداه، أعني محبة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أن محبة النبي الكريم من محبة الإله العظيم -سبحانه- القائل: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24]؛ فمحبة الله ورسوله ينبغي أن تكون أول المحبات وأعظم المودات؛ يقول الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤكدا على أهمية تقديم محبته بعد محبة الله على النفس والمال والولد والناس أجمعين: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (رواه البخاري).
والمتأمل في حياة الجيل الفريد والمجتمع الرشيد؛ يجد عظيم محبة الصحابة الكرام لخير الأنام -عليه الصلام والسلام-؛ فعن أنس -رضي الله عنه-: أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة؛ فقال: متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها"، قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت" (رواه البخاري).
فإذا قدم العبد محبة ربه ورسوله على كل محبوب، لزمه أن يتبع تلك المحبة بمحبة أهل الإيمان والإسلام، شرط أن يكون ذلك الحب خالصا لله -تعالى- من أية شائبة دنيوية وذلك حتى يجد المؤمن حلاوة الإيمان الحقيقي بتلك المحبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" (رواه البخاري).
وإن محبة المؤمن لإخوانه من أهل الإيمان سبب لمحبة الملك الديان؛ فإذا أحب المؤمن أخاه المؤمن في الله أحبه الله لحبه لأخيه المؤمن؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى؛ فأرصد الله على مدرجته ملكا؛ فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك: إن الله قد أحبك كما أحببته فيه" (رواه مسلم).
ولمحبة المؤمن لإخوانه المؤمنين علامات ودلائل؛ فمن أبرز تلك العلامات؛ أن يفرح لفرحهم وأن يحزن لحزنهم، وأن يحب لهم ما يحبه لنفسه من خيري الدنيا والآخرة؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (متفق عليه).
عباد الله: ولما عرف صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حقيقة تلك المحبة سادت جسور الألفة ومشاعر المحبة في مجتمعهم، وقد أخبر القرآن الكريم بهذه المشاعر وبين مظاهر تلك المحبة التي أزالت شوائب الشح والأثرة من نفوسهم وأفضت إلى إيثار بعضهم بعضا على أنفسهم، قال تعالى في كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].
وكيف لا يخرج ذلك الجيل متآخيا وهو ينهل من مدرسة رسول المحبة ونبي الألفة؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبادلهم بمشاعر المحبة والمودة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرح بحبه لأبي بكر الصديق؛ فعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته؛ فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: فمن الرجال؟ قال: أبوها (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ" (رواه البخاري).
ولم تقتصر محبه -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر الصديق فحسب، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحب جميع أصحابه، ولقد صرح بحبه لبعض أصحابه؛ فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده يوما ثم قال: "يا معاذ والله إني لأحبك"؛ فقال له معاذ: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك" (رواه البخاري).
كما أن الإسلام حث الناس على أن يحيوا بالحب ويتعاملوا به؛ إذ لا يمكن أن تستقر حياة بين كل المخلوقات دون حب ولا تستقيم من غير ود؛ فغرس في فطرة الوالدين محبة أولادهم وفي قلب الزوجين محبة بعضهم، وزرع في قلب الأخ محبة إخوانه والصديق محبة أصدقائه والشريك محبة شركائه؛ ليحيا مجتمعا نظيفا متسما بالحب المشروع الذي دعت الشريعة الإسلامية، وحتى الحيوانات والعجماوات لهن من ذلك حظ ونصيب؛ وذلك لأن الحب في واقعه أمر فطري وآية من آيات الله المهمة، جعله الله -عز وجل- بين الجنسين سبباً لاستمرار النسل البشري واستقراره وراحته وسد حاجته، لكن بالطرق المشروعة وضمن الأطر الشرعية، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
أيها المؤمنون: وإن للمحبة المشروعة ثماراً عديدة وفوائد مهمة، ومن تلك الثمار:
نيل محبة الله: قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]؛ يقول ابن كثير -رحمه الله-: "هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ الْمُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ فيَحْصُلُ لَكُمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: "زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ").
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى؛ فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرفة الشجي فتنوع المدعون في الشهود فقيل: لا تثبت هذه الدعوى إلا ببينة، (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران: 31]"؛ فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول في أفعاله وأقواله وهديه وأخلاقه.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في النونية:
أتحب أعداء الحبيب وتدّعي****حباً له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه****أين المحبة يا أخا الشيطان
ومن ثمار محبة الله ورسوله وعباده المؤمنين: حلاوة الإيمان و السعادة و الهناء؛ فعن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (رواه البخاري).
ومن ثمرات المحبة الشرعية: أن المرء مع من أحب، قال -صلى الله عليه و سلم-: "المرء مع من أحب"، قال بعض السلف: "ذهب المحبون بشرف الدنيا والآخرة؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرء مع من أحب"؛ فهم مع الله في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: تلكم ومضة يسيرة عن الحب النظيف في ديننا الحنيف، لنعلم أن ما أضيف إليه، من محبة المشركين ومحبة العاشقين ومحبة أهل المجون والهابطين وأهل الغرام والهيام لا تمت لدين الإسلام والفطرة السوية بصلة، وهنا نذكر صورا للحب الممنوع الذي ينبغي تجنبه والحذر منه لما يلحق به من المساوئ القبيحة الشخصية والأسرية والاجتماعية، والنتائج المؤسفة في الدنيا والآخرة؛ فمن تلك الصور:
محبة الأنداد من دون الله: قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) [البقرة: 165].
ومن صور الحب الممنوع: محبة أعداء الدين ومودتهم، وقد نهى الله عن ذلك بقوله -سبحانه: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة: 22].
ومن صور الحب المحرم: محبة فشو الفاحشة في مجتمعات أهل الإيمان، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].
ومن الصور كذلك: محبة الدنيا وتعلق القلب بها، (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) [الإنسان: 27]، وقال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر: 20].
ومن صور الحب الممنوع: حب العاشقين وحب أهل الغرام وأهل الهوى، كمحبة بعضهم لحبيبته؛ حينما وصفها بأنها امرأة استثنائية وأنه لم يجد لها وصفا وهو يشعر أنه قد خذلته الكلمات نحو معشوقته:
أكثر ما يعذبني في حبك****أنني لا أستطيع أن أحبك أكثر
وأكثر ما يضايقنى في حواسي الخمس***أنها بقيت خمس لا أكثر
إن امرأة استثنائية مثلك****تحتاج إلى أحاسيس استثنائية
وهذه المحبة القائمة على العلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات ما أكثر القصص التي تتحدث عن هذا النوع في زماننا في أماكن الاختلاط العامة والأسواق والمرافق الوظيفية وبعض المنشآت التعليمية ووسائل التواصل الاجتماعية وما يمارس فيه من تعارف وتبادل مشاعر وأحاسيس وعبارات وغيرها.
عباد الله: لقد حاولنا في هذه المقدمة أن نذكر نظرة الإسلام الحنيف للحب وبعض صوره وأشكاله، كما أننا تطرقنا إلى النوع الآخر من الحب وهو الحب المحرم وتحدثنا عن بعض صوره ومظاهره كما هو موضح أدنى هذه المقدمة.
سائلين المولى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل أمر يقربنا إلى حبه، كما نسأله أن يعيذنا من ألوان الحب الزائف الذي يفسد القلوب ويقضي على القيم والأخلاق الدينية والاجتماعية... وإليكم محاور الملف وعناصره وهي كالتالي:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم