الحياء كله خير – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

فالعالم الذي يرى الفساد والمفسدين ثم لا ينكر عليهم، لا يدري ما هو الحياء! والتاجر الذي يحتكر طعام المسلمين وهم في أمس الحاجة إليه، فيستغل حاجتهم وفقرهم، لم يسمع يومًا عن الحياء من الله! وقل للذي يخلو في غرفة فيرتكب الفواحش والموبقات مستخفًا بنظر الله: أنت منزوع الحياء! وقل للتي تخرج على الشاشات والفضائيات فتهاجم شرائع الله: أما منعك الحياء!...

 

الحياء... وما أدراك ما الحياء... يقول الناس عنه: عيب وشين ونقيصة، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه: "ما كان الحياء في شيء إلا زانه" (البخاري في الأدب المفرد)، يقولون عنه: يجلب المتاعب والمشاكل ويضيع الحقوق، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه: "الحياء لا يأتي إلا بخير" (متفق عليه)، و"الحياء كله خير" (مسلم)، يقولون: هو من صفات النساء دون الرجال، وأبو سعيد الخدري -الصحابي الجليل- يصف به أعظم أهل الأرض وأفضلهم فيقول: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد حياءً من العذراء في خدرها" (متفق عليه).

 

إن الحياء هو خلق الإسلام وخلق المسلمين، هكذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء" (ابن ماجه)... ولكن ابحث اليوم في صفوف المسلمين؛ كم منهم يمتلك الحياء بحق؟! كم منهم يمنعه حياؤه من رب العالمين من أن يقترف المعاصي والموبقات؟! كم منهم من يتذكر نظر الله إليه في خلواته فيستحي أن يبارزه بالمعاصي؟! كم منهم قد حفظ جوارحه وصانها عما يغضب الله حياءً منه؟! هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول يومًا لجلسائه: "استحيوا من الله حق الحياء"، فقالوا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: "ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" (الترمذي).

 

***

 

وللنساء هنا حديث خاص؛ فإن الحياء جزء من أنوثة المرأة، فمن فقدت حياءها فقد فقدت جزءًا من أنوثتها، فسل عن الحياء أم المؤمنين عائشة التي تستحي من رجل ميت، تروي أم المؤمنين -رضي الله عنها- فتقول: "كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإني واضع ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي؛ حياءً من عمر" (الحاكم).

 

وسل المرأة التي صبرت على مرضها الشديد، لكنها لم تطق أن ينكشف شيء من جسدها، فعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. (متفق عليه).

 

وسل ابنة شعيب التي جاءت موسى (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) [القصص: 25]، بل سل موسى نفسه فقد كان من المستحين، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه..." (متفق عليه).

 

ثم سل عن الحياء نساء عصرنا، فلتجدن كثيرات منهن لا يعرفنه! سل الكاسيات العاريات، سل المختلطات بالرجال الضاحكات المائلات المميلات! سل المتشبهات بالرجال المقتحمات -بوقاحة- كل مجال ليس لهن! سل المترجلات التائهات! سل المنخدعات بـ: "حرية المرأة" المتبجحات بالمساواة بالرجل في كل أمر! سلهن: هل يعرفن ما هو الحياء؟!

 

***

 

وآخرون لا يعرفون شيئًا عن الحياء؛ فالعالم الذي يرى الفساد والمفسدين ثم يصمت عن الإنكار عليهم، لا يدري ما هو الحياء من الله! وصاحب مصنع المأكولات الذي لا يهمه إلا الربح المادي فيضع في الأطعمة المواد المسرطنة والضارة، لا يعرف معنى الحياء من الله! والتاجر الذي يحتكر طعام المسلمين وهم في أمس الحاجة إليه، ليستغل حاجتهم ويرفع سعر الطعام، لم يسمع يومًا عن الحياء من الله! وقل للذي يخلو في غرفة فيرتكب الفواحش والموبقات مستخفًا بنظر الله: أنت منزوع الحياء! وقل للتي تخرج على الشاشات والفضائيات فتهاجم شرائع الله: أما منعك الحياء!...

 

***

 

فالحياء الحياء -معاشر المسلمين- فإن الله يحبه ويحب من اتصف به؛ فعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للأشج: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والحياء" (ابن ماجه).

 

والحياء يصون عن فعل القبائح، حتى لو كان المتصف به كافرًا؛ ألم تر إلى أبي سفيان بن حرب حين ذهب إلى الشام في رجال من قريش قدموا تجارًا، فاستقدمهم هرقل عظيم الروم، فقال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسبًا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم إليه نسبًا، قال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمي، وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري، فقال قيصر: أدنوه، وأمر بأصحابي، فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه: إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه، قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ، من أن يأثر أصحابي عني الكذب، لكذبته حين سألني عنه، ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني، فصدقته" (متفق عليه).

 

وكما قلنا: "أن الحياء جزء من أنوثة المرأة، فمن فقدت حياءها فقد فقدت جزءًا من أنوثتها"، فالآن نقول: الحياء جزء من إيمان المؤمن فمن فقده فقد فرَّط في جزء من إيمانه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان" (متفق عليه)، وعن سالم بن عبد الله عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعه فإن الحياء من الإيمان" (متفق عليه).

 

بل أعظم من ذلك كله أن تعلم أن الحياء من صفات الجليل -سبحانه وتعالى-، فعن سلمان الفارسي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين" (الترمذي)، وعن يعلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" (أبو داود).

 

***

 

ومن قديم وقد بحت أصوات خطبائنا يستحثون المسلمين ليتمسكوا بخلق دينهم؛ ذاك هو الحياء: ألا به استمسكوا، وإياه لا تتركوا، هو سمتكم وشعاركم، هو حصنكم ونجاتكم، وها نحن نقل إلى حضراتكم شيئًا من همساتهم:

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
العنوان
الحياء 2018/02/24 7256 826 70
الحياء

الحياء الممدوح من النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الخُلُق الذي يحمل على فعل الجميل وترك القبيح، أما الضَّعْف والعجز الذي يُوجب التقصيرَ في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس من الحياء في شيء، وإذا مَنَعَ صاحبَه من خير لم يكن ممدوحًا.

المرفقات

الحياء

المرفقات
2018-بوست-28-الحياء-كله-خير-خطب-مختارة-01.jpg
2018-بوست-28-الحياء-كله-خير-خطب-مختارة-02.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life