الانقياد والتسليم - ملف علمي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-08-16 - 1445/01/29
التصنيفات:

اقتباس

إننا نحيا في عصرنا هذا أزمة إيمانية عنيفة؛ هي أزمة التمرد والاستكبار على أحكام الدين، أزمة إعلاء العقل البشري فوق النص الشرعي وإضفاء صفة القدسية عليه! أزمة تنبؤك عن ضعف إيمان وهشاشة يقين وقلة علم...

أيها المؤمن التقي: ما دمت قد آمنت بالله -تعالى- ربًا وخالقًا حكيمًا رحيمًا لطيفًا خبيرًا، وأقررت بكونك عبدًا له -سبحانه- فمن لوازم العبودية أن تطيعه -تعالى- طاعة مطلقة بلا قيد ولا شرط وأن تنقاد وتُسَلِّم لأوامره ونواهيه كلها... ومن جملة ما أمرك الله -عز وجل- به أن تطيع وتمتثل وتُسَلِّم لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور: 51].

 

لكن ما هو التسليم؟ وما هو الانقياد؟

إنهما تمام الخضوع والخشوع والإذعان والامتثال والاستسلام والطاعة لجميع أوامر الدين، والعمل بمقتضى ذلك، مع اليقين أن في أوامر الشرع كل الخير والصلاح حتى وإن عجزت العقول عن إدراك الحكمة منها.

 

وفي صحيح البخاري عن الإمام الزهري أنه قال: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البلاغ، وعلينا التسليم"، ويقول الإمام الطحاوي -رحمه الله-: "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام".

 

وفي كتابنا الكريم يقول -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65]، ويقول -عز من قائل-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الأحزاب: 36]، ويقول -سبحانه-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب: 22].

 

***

 

ومما يضاد ذلك ويناقضه ويخالفه جعل العقل وصيًا على النص الشرعي؛ فما قبِله العقل من الكتاب والسنة أقروه، وما رفضه العقل منهما أسقطوه!! وما فَقِه من يفعل ذلك قول الإمام الشافعي: "إن للعقل حدًّا ينتهي إليه، كما أن للبصر حد ينتهي إليه"(مناقب الشافعي للبيهقي).

 

وفعلهم هذا إساءة أدب مع الله رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يقول ابن القيم -رحمه الله- عن الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "فرأس الأدب معه: كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولًا، أو يحمله شبهة أو شكًا، أو يقدم عليه آراء الرجال، وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل -سبحانه وتعالى- بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل...

 

ولقد خاطبت يومًا بعض أكابر هؤلاء فقلت له: سألتك بالله لو قدر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حي بين أظهرنا وقد واجهنا بكلامه وبخطابه، أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه، أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم؟ فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه، فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا؟ وبأي شيء نُسخ؟ فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة"(مدارج السالكين).

 

ويقول ابن الجوزي: "ينبغي للمؤمن أن يعلم أن الله -سبحانه- مالك حكيم لا يعبث، وهذا العلم يوجب نفي الاعتراض على القدر، وقد لهج خلق بالاعتراض قدحًا في الحكمة، وذلك كفر، وأولهم إبليس في قوله: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[ص: 76]، ومعنى قوله: إن تفضيلك الطين على النار ليس بحكمة!!"(صيد الفوائد).

 

إن مشكلة الكثيرين اليوم أنهم قد جعلوا من عقولهم وأهوائهم آلهة عبدوها من دون الله؛ فقدَّموها على القرآن والسنة، وجعلوها حاكمًا ووصيًا على الوحيين! ولقد حذَّر القرآن الكريم أمثال هؤلاء قائلًا: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].

 

وقد نتج عن عدم التسليم والانقياد ركام عفن وثمرات مرة؛ فمنهم من يعترض على ثوابت الدين ويدعي عدم صلاحيتها لزماننا!... ومنهم من يعيب بعض أحكام الشريعة كحجاب المرأة ونظام المواريث وكون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل في بعض الأحوال!...

 

أيها المنقادون لله: إننا نحيا في عصرنا هذا أزمة إيمانية عنيفة؛ هي أزمة التمرد والاستكبار على أحكام الدين، أزمة إعلاء العقل البشري فوق النص الشرعي، أزمة إضفاء صفتي القداسة والعصمة على العقل! أزمة تنبؤك عن ضعف إيمان وهشاشة يقين وقلة علم... أزمة تكشف لك عن دنيا مؤْثَرة وآخرة مهدرة وموت منسي وقرآن مطوي وسُنة متجاهَلة! هذا حال التائهين الخابطين الفاسقين...

 

أما المؤمنون بحق فإنهم يقولون لكل ما جاء به الشرع: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)[آل عمران: 7]، المؤمنون بحق يقولون إذا أُمروا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[النور: 51]، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما قِيد انقاد"(رواه ابن ماجه).

 

***

 

ولأن هذا الموضوع خطير، ولأنه فارق بين الإيمان والكفر، ولأن تحصيله سبب السعادة في الدنيا والآخرة، وفقدانه سبب الشقاء فيهما، ولأن الكثيرين غفلوا عن أهميته وقَلَّ اكتراثهم به...  فقد عقدنا هذا الملف العلمي وجمعنا فيه من المواد المكتوبة والمسموعة المرئية، ثم نظمنا هذه المواد في خمسة محاور متكاتفة متكاملة، فكانت صورتها كالتالي:

المحور الأول: مفهوم التسليم والانقياد ومرادفاتهما
المحور الثاني: أهمية التسليم وفضله وثمراته ولوازمه ونواقضه
المحور الثالث: عقوبات الإعراض، وشبهات ضد التسليم والرد عليها
المحور الرابع: نماذج التسليم والانقياد، ونماذج للعناد والاستكبار
المحور الخامس: كتب ومراجع وإحالات
العنوان
خطب من شروط لا إله إلا الله: الانقياد 2023/08/07 0 0 0
خطب التربية على التسليم 2023/08/07 0 0 0
خطب التسليم لله روح الإسلام 2023/08/07 0 0 0
خطب القبول والاستسلام 2023/08/07 0 0 0
خطب من شروط لا إله إلا الله: القبول 2023/08/07 0 0 0
خطب ادخلوا في السلم كافة الانقياد -1 2023/08/07 0 0 0
خطب معالم في التربية النبوية (9) تعظيم أمر الله ورسوله 2023/08/07 0 0 0
خطب الامتثال لأوامر الله ورسوله 2023/08/07 0 0 0
مقالات الانقياد المنافي للترك 2023/08/07 0 0 0
مقالات الإيمان بالقضاء والقدر. 2023/08/07 0 0 0
مقالات فقه الانقياد 2023/08/07 0 0 0
مقالات معنى القبول والانقياد وما يناقضه 2023/08/07 0 0 0
مقالات من ديوان الإيمان التسليم 2023/08/07 0 0 0
فتاوى أثر الإيمان بالقدر على الإنسان 2023/08/07 0 0 0
فتاوى الانقياد وأثره في تحقق الإيمان 2023/08/07 0 0 0
فتاوى امتثال التكاليف لا ينبغي أن تتوقف على ظهور الحكمة منها 2023/08/07 0 0 0
فتاوى شروط لا إله إلا الله 2023/08/07 0 0 0
فتاوى معنى كلمة الإسلام 2023/08/07 0 0 0
صوتيات وفديوهات التسليم المطلق لله عز وجل - الشيخ محمد حسان 2023/08/07 0 0 0
صوتيات وفديوهات معنى الانقياد لله بالطاعة والبراءة من الشرك - أ.د. صالح سندي 2023/08/07 0 0 0
صوتيات وفديوهات الفرق بين القبول والانقياد - د. صالح العصيمي 2023/08/07 0 0 0
صوتيات وفديوهات الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة - الشيخ صالح آل الشيخ 2023/08/07 0 0 0
صوتيات وفديوهات الانقياد لأمر الله - د. خالد أبو شادي 2023/08/07 0 0 0
صوتيات وفديوهات تسليم الأمور إلى الله - الشيخ الشعراوي 2023/08/07 0 0 0
ندوات وحوارات تعظيم أمر الله - الشيخ محمد حسين يعقوب 2023/08/07 0 0 0
ندوات وحوارات امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه - الشيخ الحويني 2023/08/07 0 0 0
ندوات وحوارات الانقياد لأوامر الله - الشيخ الحويني. 2023/08/07 0 0 0
ندوات وحوارات تعظيم أمر الله تعالى - الشيخ عبد الله الزبير عبد الرحمن 2023/08/07 0 0 0
ندوات وحوارات الانقياد - د. خالد بن عبد الرحمن القريشي 2023/08/07 0 0 0
دراسات وأبحاث المختصر في مسائل القضاء والقدر 2023/08/07 0 0 0
دراسات وأبحاث رسالة فى القضاء والقدر 2023/08/07 0 0 0
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life