امتثل أولا ثم سل إن بدا لك أن تتساءل!

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-08-12 - 1445/01/25
التصنيفات:

 

 

مريم بنت حسن تيجاني

 

إن من ضرورات الإيمان بالله تعالى ووحيِهِ العظيم ورسولِهِ الكريم: التسليم المُطلق والانقياد والسمع والطاعة بلا امتراءٍ أو جِدالٍ أو تراخٍ، فضلًا عن مُشاقةٍ ومُحادة في أسمالِ استعلامٍ واستفصالٍ واستبيانٍ مع حَسَنِ النيات!

 

وفي هذا المقال سنتناول شاهدًا من مشكاةِ النبَّوة على صاحبها أفضلُ الصلاةِ والتسليم، والأمثلة فيما سِوى ذلكم صراحةً وضمنًا كثيرةٌ جدًّا تخرج عن الحصر.

 

حين يكونُ تعامُلك مع الوحي الشريف[1]: امتثل أولًا، ثم سل إن بدا لك أن تتساءل، فإنما أنت تتعاملُ مع مُنزِلِ الوحي سُبحانهُ وتعالى اللهُ ربُّ العالمين.

 

كيف والشواهد من أنفسنا عديدة، ولربنا العظيم المثلُ الأعلى في السماوات والأرض، فالبعضُ لربما وَجَدَ مَوْجِدةً في نفسهِ أحيانًا، لصغيرٍ لم يمتثل أمرَهُ سِراعًا وحمائمُ الإذعان سمعًا وطاعةً تسَّابَقُ بين يديه، أو لبعضِ من ينقص عنهُ سِنًّا ومكانًا، ولا سيَّما كولدٍ أو تلميذ، فتجدهُ إن سألَ سؤالًا أزعَجَهُ أن يبتدِراهُ بسؤالٍ مثلهِ قبل أن يُجيبا على سؤالِهِ أولًا، وإن أمرَ بأمرٍ كذلك، أزعَجَهُ أن يقولا: لِمَ ولأيِّ شيءٍ قبل أن يمتثلا بفعلهما، ثم هو مع أنباءِ الوحي يتردد ويتهاوى في حفرةِ الأسئلةِ قبل امتثالٍ يُنبئ عن صدقِ الانقيادِ والتسليم للهِ ربِّ العالمين، وعدم المنازعة والمُشاقة.

 

وفي الحديثِ العظيم الذي بين أيدينا تقريرٌ لهذا المبدأِ الإيماني الرفيع، المُترَعِ أدبًا وسُمُوًّا، وتواضعًا للهِ عزوجل، وما أنزل، ومن أرسل صلواتُ ربي وسلامُهُ عليه؛ إذ الأدب معه تعالى مشتملٌ على ذلك أجمع:

فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "سِرْنَا مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بإدَاوَةٍ مِن مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شيئًا يَسْتَتِرُ به، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بشَاطِئِ الوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى إِحْدَاهُمَا، فأخَذَ بغُصْنٍ مِن أَغْصَانِهَا، فَقالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بإذْنِ اللهِ فَانْقَادَتْ معهُ كَالْبَعِيرِ المَخْشُوشِ، الذي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى، فأخَذَ بغُصْنٍ مِن أَغْصَانِهَا، فَقالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بإذْنِ اللهِ فَانْقَادَتْ معهُ كَذلكَ، حتَّى إِذَا كانَ بالمَنْصَفِ ممَّا بيْنَهُمَا، لأَمَ بيْنَهُمَا، يَعْنِي جَمعهُمَا، فَقالَ: التَئِما عَلَيَّ بإذْنِ اللهِ فَالْتَأَمَتَا، قالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، وَقالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ، فَيَتَبَعَّدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا برَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، وإذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ منهما علَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً، فَقالَ برَأْسِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ برَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قالَ: يا جَابِرُ هلْ رَأَيْتَ مَقَامِي؟ قُلتُ: نَعَمْ، يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: فَانْطَلِقْ إلى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِن كُلِّ وَاحِدَةٍ منهما غُصْنًا، فأقْبِلْ بهِمَا، حتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فأرْسِلْ غُصْنًا عن يَمِينِكَ وَغُصْنًا عن يَسَارِكَ، قالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فأخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ، فَانْذَلَقَ لِي، فأتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِن كُلِّ وَاحِدَةٍ منهما غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُما حتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَرْسَلْتُ غُصْنًا عن يَمِينِي وَغُصْنًا عن يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقُلتُ: قدْ فَعَلْتُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قالَ: إنِّي مَرَرْتُ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فأحْبَبْتُ، بشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عنْهمَا، ما دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ".

 

قال الشارح: "فرأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وَقَف وَقْفَةً، فقال برأسِه هكذا - وأشار أبو إسماعيلَ (وهو مِن رُواة الحديث) برأسِه يَمِينًا وشِمالًا - ثُمَّ أقبَلَ، فلمَّا انتَهى إليَّ قال: يا جَابِرُ، هل رأيتَ مَقامِي؟ قلتُ: نَعَمْ يا رسولَ الله، قال: فانْطَلِقْ إلى الشجرتين فاقْطَعْ مِن كلِّ واحدة منهما غُصنًا، فأَقْبِلْ بهما، حتَّى إذا قُمتَ مَقامِي فأرسِلْ غُصنًا عن يمينِك وغُصنًا عن يَسارِكَ، قال جابِرٌ: «فقُمتُ فأخذتُ حَجَرًا فكَسَرْتُه وحَسَرْتُه»، أي: أَحْدَدْتُه حتَّى يُمْكِنَ أنْ أَقْطَعَ به الأغصانَ، «فانْذَلَقَ لي»، أي: صار حَادًّا، «فأتيتُ الشَّجرتينِ فقطعتُ مِن كلِّ واحدةٍ منهما غُصنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهما، حتَّى قُمتُ مَقامَ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أرسلتُ غُصنًا عن يميني وغُصنًا عن يَساري، ثُمَّ لَحِقْتُه فقلتُ: قد فعَلتُ يا رسول الله! فعَمَّ ذاك؟ قال: إنِّي مَرَرْتُ بقَبْرَيْنِ يُعذَّبان، فأَحْبَبْتُ، بشَفاعتي، أن يُرَفَّهَ عنهما» مِنَ التَّرْفِيهِ، أي: يُخَفَّف عنهما العذابُ «ما دام الغُصنانِ رَطْبَيْنِ»[2].

 

فالشاهد أن جابرًا رضي الله عنه حين كان يرمقُ رسول الله صلى الله عليـه حال قفولِهِ راجعًا من حاجته، رآه قد توقف بموضعٍ ثم نظرَ عن يمينه، ثم التفت فنظر عن شِمالِهِ، فكان صلى الله عليـه وسلم يسمعُ عذاب صاحبي ذينك القبرين، فلما انتهى إلى جابرٍ رضي الله عنه سألهُ هل رأيت مقامي: أي أين توقفتُ فنظرت؟ قال: نعم، فأمرهُ بأمرِه صلى الله عليـه وسلم، فذهب جابرٌ رضي الله عنه وامتثل ما أمَرَهُ به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بالنبي صلى الله عليـه وسلم فقال: "قدْ فَعَلْتُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟، قالَ: إنِّي مَرَرْتُ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فأحْبَبْتُ، بشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عنْهمَا، ما دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ".

 

فلم يسبق سُؤالُهُ امتثاله، وإنما امتثل أولًا ثم بدا له أن يسأل، فسأل فأجابَهُ صلى الله عليـه وسلم، فلله درُّ الصحابةِ الكرام.

 

بخلاف ما نراهُ ونشهدُهُ اليوم من كثيرٍ من الناس - إلا من رحم الله - إذ يُمعِن في الأسئلة ويكثر منها، ناهيك عن أن كثيرًا منها من جنسِ ما لا يليق في تعامُلِ العبدِ مع ربِّهِ تعالى، وما تستلزمُهُ حقيقة العبودية؛ كالتماسِ حكمة كل عمل وعبادة لتطمئنَّ نفسهُ فيؤديها، وما عَلِمَ أن ذلك مما يكرهه الله تعالى، فعن النبي صلى الله عليه أنهُ قال: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قيلَ وقالَ، وإضَاعَةَ المَالِ، وكَثْرَةَ السُّؤَالِ"[3].

 

قال الطحاوي رحمهُ الله: "وأصل القَدَر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخِذلان، وسُلَّمِ الحِرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، فمن سأل: لمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين"[4].

 

فهذا المسلك السديد للمؤمن الحق، ومن رامَ سلوك سبيلِ الهدى والاقتداء بهدي صحابةِ النبي الأكرم صلى الله عليـه وسلم.

 

أما من رامَ السؤال أولًا من قبلِ امتثالٍ وسمعٍ وطاعة، فقد تقدَّم بين يدي الله ورسُولِهِ إذ علَّق طاعته وامتثاله حتى يحصُل على علمٍ بذلك جوابًا على سؤاله، فكيف إن كان السؤال تعنَّتًا وترددًا، وكيف إن كان على سبيلِ المحادةِ والمُشاقة وطعنًا في الدين.

 

ما أشبه بفعلِهِ ذاكَ إلا يهودَ حيثُ ترددت وتساءلت، فأكثَرتِ السؤال، قال تعالى فيما قصَّ عنهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 67، 71][5].

 

وإنما كان يسَعُهم الامتثالُ فورًا بذبح بقرةٍ فحسب، فلما ترددوا وأكثروا التساؤل؛ كان من نعت بقرتهم أنها أشبهت قلوبهم العَصِيَّة المتعنتة عسرة الاقتياد، فبقرتهم "لا ذلول".

 

وفيما وردَ على لسانِ أحدِ أنبيائهم: "يا بني إسرائيل، لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا"، دلالة على أن ذلكم الوصف سِمَة مستحكمة فيهم، فحريٌّ بمسلمٍ عاقل أن يربأ بنفسه عن مشابهِ من قد غضِب الله عليه ولعنهُ، وأعدَّ لهُ ما أعد من أليمِ العقاب.

 

وعودٌ إلى الحديث الشريف مضمون المقال، فإن المتأمل يجد فيه نوعانِ من الانقياد:

الانقيادُ الأول: انقيادُ الشجرةِ الحِسي، وهو انصياعٌ مُباشِر فور أن سَمِعت كلامَ النبيِّ صلى الله عليه وسـلم بعد أخذِهِ بغصنٍ من أغصانها: "انْقَادِي عَلَيَّ بإذْنِ اللهِ"، فانقادت معه تشق الأرض شقًّا[6].

 

الانقيادُ الثاني: انقيادُ الصحابي الجليل جابر؛ حيث تجشَّمَ كسر الغصنين في مُبادرةٍ وامتثالٍ على الفَور، لم يتذرع بانعدام الوسيلة لقطع الغصن، ولا تساءلَ أولًا، ولا تردد، ولا تراخٍ، إنهم الصحابة.

 

وإذ صدق مع اللهِ ورسوله "انذلَق" لهُ الحَجَرُ انذلاقًا[7]، فمهما يصدُقِ المرء ربَّهُ تنذلقُ لهُ الحياة والسعادة وأسبابهما في الدنيا والآخرة؛ قال شيخُ الإسلام رحمهُ الله: "من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية"، وقال تلميذُهُ القيِّمُ ابن القيم: "من طلب العلم ليحيي به الإسلام، فهو من الصديقين، ودرجته بعد درجة النبوة"[8].

 

ومن فعل فإنما يُحيي نفسَهُ أولًا؛ إذ لا يطلُبُ العلم بالله ومعرفتهِ تعالى ومعرفة دينه، إلا من أحبَّ ربَّهُ عز وجل وعظَّمَهُ حقيق المحبة والتعظيم، فأحضر القلبَ بين يدي مولاهُ العظيم ابتداءً؛ بحسنِ سمعٍ وطاعةٍ وعُبوديةٍ وامتثال؛ كالجملِ الأنف حيثما قيدَ انقاد، فإذا ما امتلأت نفسُهُ بتلكم المعاني وأُشرِبتها، كان حريًّا بالإناءِ أن ينضح بالخيرِ الذي فيه، وبجونةِ العِطرِ أن تضوَّعَ المسك ألوانًا، فيعبد ربَّهُ على بصيرةٍ، مُزدانةً نفسُهُ بحبِّه وتعظيمه عز وجل.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا أنفسًا سمحة في حُسنِ امتثالٍ وحُسن عملٍ.

[1] والأصلُ في المؤمن الحق أن حياته برُمتها امتثالٌ للوحي الشريف؛ فصلاته ونسكه ومحياهُ ومماته لله ربِّ العالمين كما قال الله عزوجل: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام (162). كما قال بعض السلف رحمهم الله: "إن استطعت ألا تحُكَّ رأسكَ إلا بأثرٍ فافعل". وما من مُستجدٍ من المسائل إلا وفي أصولِ الشريعة ما يمكن الرد إليهِ وقياسُهُ عليه، ثم البوابةُ الواسعة أن الأصلُ في الأشياءِ الإباحة؛ للمُسلمِ الأخذ بما شاء بلا سرفٍ ولا تقتير، ولا تعدٍ على حقوقِ العِباد. تلكم ضوابط واضحة ومحكمات أوضحُ من رابعة النهارِ في عينِ البصير!. إنهُ لعمرُ الله دينُ الانضباط والسَّوِيَّةِ والبهاء والسَّعَة حينَ يحسن فَهْمُهُ والتعاطي معه.

[2] انظر شرح الحديث بالموسوعة الحديثية بموقع الدرر السنية: https://2u.pw/QTKWi. وفي الحديثِ: مُعجِزةٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلامةٌ مِن علاماتِ نُبوَّتِه.

[3] متفقٌ عليه؛ قال الشارح: "كثرةُ السُّؤالِ، أي: كَثرةُ سُؤالِ النَّاسِ أموالَهُم مِن غيرِ حاجةٍ، أو كَثرةُ السُّؤالِ في العِلمِ عمَّا في الدُّنيا أو الآخِرةِ، بالسُّؤالِ عن المُشكِلاتِ التي تُعبِّدْنا بظاهِرِها، أو عمَّا لا حاجةَ للسَّائلِ به، أو كَثرةُ سُؤالِ الناسِ عن أحوالِهِم حتى يُوقِعَهم في الحرَجِ". الموسوعة الحديثية: https://2u.pw/36tEU، ويكفيك أن "أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَن سَأَلَ عن شيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِن أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ"، أو كما قال صلى الله عليـه وسلم؛ رواهُ البخاري، ومن هُنا يتبيَّن شؤمَ إكثارِ الأسئلة؛ لاسيما تلك التي لا تكونُ للاستبانة والتبصر في الدين ليعبُدَ المرءُ ربَّهُ على بصيرة، وإنما على سبيلِ التعنّت أو الاستدراك على الشريعة بزعم أن الزمان غير الزمان، أو البحث وراء كلِ أمرٍ ونهيٍ عن حكمتهما لتطمئن نفسهُ فيمتثل، وشرٌ منهُ مُدَّعي الإسلام وهو يثير التساؤلات تشكيكًا وطعنًا في الدين، وهو بعيدٌ كل البعد عن أدنى مظاهر الإسلام!.

[4] العقيدة الطحاوية، ص44 ، 45، ومعلوم أن القَدَرَ نوعان: كوني وشرعي، فالشرعي هو الذي تدخل فيه مختلف مسائل الشريعة من الأمر والنهي والحلال والحرام، فما ذُكر فيه شئ من حكمة الأمر به أو النهي عنه منصوصًا عليه، فهو كذلك، ولا يستلزم ذلك عدم وُجود غايات وحِكَمٌ أخر علمها عند الله تعالى، مهما اجتهد أهل العلم للتوصل لشيءٍ منها سواء في محاولات الجمع بين النصوص أو البحث عن علل الأحكام، ولذا نجد الحقيقة الشرعية التي ختمت بها عدد من الآي الكريمات: (وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ).

[5] سورة البقرة (67 - 71)، وليتأمل عاقلٌ خاتمةَ الآيات، يرى الله ربنا وربهم سبحانه قد خلَّدَ ما علِمَ منهم ومن نفوسهم العسرة (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) نعوذ بالله من العِمَايةِ والضلال، وبالحقيق ما أعزَّ من قلبٍ يطلع عليهِ ربُّه عزوجل فيرى فيه ما يحب؛ من محبتِهِ وتعظيمهِ وتعظيم شرعهِ وشرائعهِ وشعائره والصدق معه عزوجل والإخلاص له والعمل لوجهه الكريمِ لا غير، فإنها والله أوسمةُ الشرف العتيدِ والفوزُ والظفَرُ الأزهر الذي لا تقوم له الدنيا بما فيها. فتأمل ثناءَ ربِّ البرياتِ مولانا سُبحانه على خيرِ قرنٍ وخير صحبٍ في هذه الأمة المجيدة.

[6] ومتى رام الصادقُ الانقيادَ لله ووحيه وإناخة القلب له تعالى ولشرعِهِ، فإن صعوبات الحياة تتبدد، ومُمحلُ العوائقِ يغدو مطرًا!، وإنما نحتاجُ الصدق في معاملتنا للربِّ عزوجل.

[7] والجزاءُ من جنس العمل!.

[8] مفتاح دار السعادة.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات