خطب عيد الفطر المبارك لعام 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

اقتباس

وفي خضم هذه الأجواء الملتهبة يحل عيد الفطر على الأمة المسلمة، يذكِّرها بلُحْمتها، ويقوي الرابطة الإيمانية بين أبنائها، ويزيد الشعور بالوحدة بين المسلمين، وقد اجتمعت في أمة الإسلام أواصر ووشائج تقوي هذه الوحدة، إذ إن رب المسلمين واحد، وكتابهم واحد ونبيهم واحد، وقبلتهم واحدة، وقرآنهم واحد، ويوم صومهم ويوم فطرهم واحد، إلا....

تمر الأمة الإسلامية بمنعطف خطير في أحوالها وشئونها كلها، إذ يسلط الأعداء على جراح الأمة المثخنة سهامهم، فما يدري المسلمون كيف يتقون النصال، ولا يداوون الجراح، وتزداد جروح المسلمين عمقًا وشدةً،  وهم يرون تكالب أعدائهم عليهم، مع شعور بالقهر والكبت والحرمان في كثير من بلاد المسلمين.

 

وفي خضم هذه الأجواء الملتهبة يحل عيد الفطر على الأمة المسلمة، يذكِّرها بلُحْمتها، ويقوي الرابطة الإيمانية بين أبنائها، ويزيد الشعور بالوحدة بين المسلمين، وقد اجتمعت في أمة الإسلام أواصر ووشائج تقوي هذه الوحدة،  إذ إن رب المسلمين واحد، وكتابهم واحد ونبيهم واحد، وقبلتهم واحدة، وقرآنهم واحد، ويوم صومهم ويوم فطرهم واحد، إلا ما ندر، فكل هذه عوامل تدعو المسلمين إلى الوحدة الشعورية والرابطة الإيمانية، ووحدة الصف.

 

وكلما استغرقنا تفكيرًا في أحوالنا وأحوال أمتنا كلما اتسعت دائرة الأحزان وطغى شعورها فقتلت بهجة العيد الإيمانية، وقضت على بهجة الشكر - وكان ذلك انحرافًا عن المنهج الشرعي والمقصد الرباني من العيد وبهجته، فالفرحة في هذا العيد فرحة بدين الله –تعالى- دين الله كله وهي فرحة شكر لا تتصل بحال الإنسان الدنيوي - هي فريضة ليست متروكة للمواقف النفسية والأحوال الإنسانية.

 

وهذه الأحزان التي تثار كلما أقبل العيد من بعض الأقوام ليست من السنة في شيء، وإنما الغالب عليهم الاستغراق في همومهم وأحوالهم والاستجابة للأثر النفسي وطبيعته الخاصة بهم، وهي تعاود الظهور في كل زمان كأن العيد مثار أحزان لا فرحة إيمان، ولا هو عندهم شكر على هداية الرحمن. إن العيد ينبغي أن يكون ثورة على أحزان الدنيا كلها بالفرحة بالهداية للدين والإيمان.

 

إن المسلمَ المخلصَ لله في دينه، المتبعَ لسنةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، عنده أعمالٌ التي أُنيطت به يوم العيد؛ فِطْرًا كان أو أضحى، فهو يعملُ بما يعلمُ من هديِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم، مبتدئًا بالاغتسالِ والتطيُّبِ، والتصبُّحِ على تمراتٍ إن كان عيدَ فطر، قبل الخروج إلى المصلى، والاستعدادُ للخطبةِ وصلاة العيد، واستقبالُ التهاني من المصلين، والرجوعُ إلى بيته، سالكًا غيرَ الطريقِ التي جاء منها، مهنِّئًا أهلَه وأولادَه، ويأكلُ من أضحيته بعد الصلاة إن كان في عيد الأضحى، ويخرجُ زائرا لأرحامه، وأقاربه وجيرانه، وأصحابه ورفاقه، يبتغي بذلك وجهَ الله تعالى، لينالَ رضاه ويفوزَ بالجنة، وليكونَ قدوةً يقتدى به.

 

فالأعياد جعلها الله سبحانه لهذه الأمّة للتنفيس عنها، ومنحِها شيئا من اللهو المباح في يومين من كل عام، في الفطر والأضحى، وذلك لما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ لأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، قَالَ: "كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى"(سنن النسائي (1556)).

 

وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى "أي أيام عيد الأضحى" تَضْرِبَانِ بِدُفَّيْنِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسَجّىً عَلَيْهِ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجْهَهُ، فَقَالَ: "دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ". وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ "أي في يوم عيد"، حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَسْأَمُ، فَأَقْعُدُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللهْوِ.(مسند أحمد (41/ 88، رقم 24541).

 

وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعيةُ التوسعة على العيال في أيام الأعياد؛ بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه أن إظهار السرورَ في الأعياد من شعار الدين..) (من حاشية مسند أحمد ط الرسالة (41/ 90).

 

وإن من ملامح ختام رمضان ورحيله أن يتذكر الإنسان خواتيم الأعمال وخواتيم الأعمار، وألا يغفل عما يحمل من الآثام والأوزار، فكل شيء عند الله بأجل مسمى ومقدار، والعاقل من انتبه وأخذ أهبته، واستعد لسفر طويل، وإقامة طويلة في القبور، فيعمل لهذا اليوم ولا تشغله الدنيا بغرورها.

 

إن من تأمل أحوال الأنبياء والصحابة والصالحين وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، فهم جمعوا بين الإحسان والخوف، ونحن جمعنا بين الإساءة والأمن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يحسنون في أعمالهم، ويتقون الله ما استطاعوا وهم مع ذلك لا يُعجبون بعمل، ولا يُفتنون بثناء الناس ولا محمدة الخلق.

 

إن أبيَن علامةٍ على القبول هي استمرارُ العبد على الخير والعمل الصالح بعد رمضان قال بعضهم: "ثوابُ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها كان ذلك علامة على قبول الحسنةِ الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها".

 

ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسنُ منها الحسنةُ بعد الحسنة تعقبها وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها، فلا ترجع أخي إلى المعصية بعد رمضان، واصبر عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان، واصبر لله تعالى يعوضك خيرًا.

 

إن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً، وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً، وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً، وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً؛ فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة بالإيمان، ولم تستنر نورها التام بالقرآن، وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة، وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً، وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً؛ لأننا على مدى شهر كامل دورة تدريبية على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر والتلاوة، ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان ثم ينكس المرء بعد ذلك على عقبه.

 

فافرحوا أيها الإخوة بالعيد وكبروا الله على ما هداكم وأعانكم ووفقكم، وادعوا ربكم أن يرفع الضر عن الأمة المسلمة، ويوحد صفها ويجمع شتاتها، ووطنوا أنفسكم على اغتنام شهر رمضان، وأن يكون زاداً على طريق العمل الصالح كل عام، ولا ترجعوا على أدباركم معرضين، جعلني الله وإياكم من الفائزين.

 

ومن أجل معالجة هذا الموضوع وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم هذه الخطب المنتقاة، ونسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول وحسن الخاتمة.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
الخطبة الرابعة عشر:
العنوان
خطبة عيد الفطر المبارك 1437هـ (دين الحق) 2016/06/29 5291 1035 91
خطبة عيد الفطر المبارك 1437هـ (دين الحق)

إِنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي مُحَاوَلَاتِهِمْ لِوَأْدِ الْحَقِّ مَا تَرَكُوا سَبِيلًا إِلَّا سَلَكُوهُ، وَلَا سِلَاحًا إِلَّا جَرَّبُوهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ سَحَقُوا الْحُرِّيَّةَ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّهَا أَعْلَى قِيمَةٍ يَمْلِكُونَهَا، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ سَيَأْتِيهِمْ مِنْ بَابِهَا، وَتِلْكَ أَعْظَمُ هَزِيمَةٍ فِكْرِيَّةٍ فِي التَّارِيخِ المُعَاصِرِ، وَإِنَّ سُقُوطَ الْأَفْكَارِ مُؤْذِنٌ بِسُقُوطِ مَنْ يَحْمِلُونَهَا، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ فِي أَحْدَاثِ هَذِهِ السَّنَوَاتِ سُقُوطَ الْفِكْرِ الْقَوْمِيِّ الْعَلْمَانِيِّ، وَسُقُوطَ الْفِكْرِ اللِّيبْرَالِيِّ الْغَرْبِيِّ، وَسُقُوطَ الْفِكْرِ الْبَاطِنِيِّ، فَمَا عَادَ لَهَا مَحَلٌّ فِي قُلُوبِ عَامَّةِ المُسْلِمِينَ بَعْدَ الْفَضَائِحِ المُتَوَالِيَةِ لِأَرْبَابِهَا وَحَمَلَتِهَا وَدُعَاتِهَا.

المرفقات

عيد الفطر 1437هـ (دين الحق)

عيد الفطر المبارك 1437هـ (دين الحق) - مشكولة1

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life