اقتباس
الصلاة هي؛ سر الفلاح وأصل النجاح، وأول ما يحاسب العبد عليه يوم القيامة؛ فإن صلحت أفلح العبد وفاز، وإن فسدت خسر وخاب.. والمحافظة على الصلاة عنوان صدق الإيمان، كما أن التهاون بها خسارة وخذلان...
إن الصلاة طاعة تشرق بالأمل في لجة الظلمات، وتنج المتردّي في دَربِ الضلالات، وتأخذ بيد البائس من قعر بؤسه واليائس من درك يأسه إلى طريق السعادة والنجاة، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45].
والصلاة من أعظم معالم الدين الحنيف وأعظم شعائره وأنفع ذخائره؛ فهي ثانية أعظم أمور الإسلام ودعائمه العظام، وهي بعد الشهادتين آكَدُ مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة؛ فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، يقول النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ" (أخرجه أحمد).
ولقد جعلها الله قرة للعيون ومفزعًا للمحزون؛ فكان رسول الهدى -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-"إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلّى، "أي، إذا نابَهُ وألَمَّ به أمر شديد صلى" (أخرجه أحمد)، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقول: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ" (أخرجه أحمد في مسنده والنسائي والبيهقي في السنن وصححه الحاكم في المستدرك وغيرهم)، وكان ينادي: "يَا بِلالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ " ( أخرجه أحمد)؛ فكانتْ سرورَهُ وهناءَةَ قلبه وسعادةَ فؤادِه بأبي هو وأمّي -صلوات الله وسلامه عليه- هي أحسنُ ما قصده المرءُ في كلّ مهِمّ، وأولى ما قام به عند كلِّ خَطْبٍ مُدْلَهِمٍّ، خضوعٌ وخشوع، وافتقار واضطرار، ودعاءٌ وثناء، وتحميد وتمجيد، وتذلُّل لله العليِّ الحميد، وقد عظّم الإسلام الصلاة ورفع من شأنها، وجعل لها مكانةً ليست لغيرها من العبادات، فهي أول عملٍ يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وتعد هي أفضل الأعمال التي يتقرّب بها العبد إلى الله -تعالى-، وتعد الصلاة هي الحد الفاصل ما بين المؤمن والكافر؛ فمن تركها عمداً ومنكراً لها فإنه يخرج من دائرة الإسلام، بينما لو تركها تكاسلاً فقد اعتبره بعض العلماء عاصياً لله تعالى ولكنه يبقى في دائرة الإسلام وهناك من اعتبره كافراً. والصلاة؛ أكبر وسائل حفظ الأمن والقضاء على الجريمة، وأنجح وسائل التربية على الفضيلة والعفة، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
والصلاة؛ سرُّ الفلاح وأصل النجاح، وأول ما يحاسب العبد عليه يوم القيامة؛ فإن صلحت أفلح العبد وفاز، وإن فسدت خسر وخاب. والمحافظة على الصلاة عنوان صدق الإيمان، كما أن التهاون بها خسارة وخذلان؛ طريقُها معلومٌ وسبيلُها مرسومٌ، "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ" لا لأنهُ كافرٌ بل لِعُظْمِ ذنبِهِ؛ فإن من حافظ على هذه الصلواتِ الخمس "فأَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ؛ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ". نفحاتٌ ورَحَماتٌ، وهِباتٌ وبركاتٌ، بها تَكَفَّرُ صغائرُ السيئاتِ وترفَعُ الدرجاتُ وتضاعَفُ الحسناتُ، يقول رسول الهدى -صلّى الله عليهِ وسلّمَ-: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ ( وسخه) شيء ؟" قَالُوا: لاَ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ شيء، قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا" (أي الذنوب الصغيرة) (متفق عليه).
أيها المسلمون: والصلاة تمحي الذنوب والخطايا ولا سبيل للعبد غيرها؛ فهو محتاج إلى ما يكفر به عنه خطاياه التي يخطئها بقصد أو دون قصد فتأتي الصلاة لتثقل ميزانه بالحسنات وتبعده عن نار جهنم وتقرّبه من الجنة؛ وقد أمر الله -تعالى- بالاستعانة بها، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فمن يؤديها بخشوعٍ ويعطيها حقها؛ فإنه لا يقدر على القيام بالمنكرات وكل ما يغضِب الله -تعالى-، بل إنها تشجِّع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تقذف الصلاة النور في قلب العبد وتنير له صراطه المستقيم. تصبّر المسلم على المصائب وتحميه من الهلع والفزع؛ فالمصلي يشعر بأن قلبه قويٌّ ولا يجزع لأي حدثٍ كان لأن قلبه معلّقٌ بالله -تعالى- وبالآخرة؛ تفتح أبواب الرزق أمام العبد وتوسِّع له.
وكلّما زادت علاقة العبد بربّه كلما أحس بالهدوء والسكينة؛ فلا مكان للخوف ليتسلّل إلى قلبه، ولا مكان للقلق والتوتّر بشأن مُستقبلٍ غائب ولا ماضٍ غابر، لأنّ كلّ أمرٍ في هذا الكون يجري بأمر الله، فإذا كُنتَ مع الله فلا تُبالِ بأيّ شأنٍ من شؤون الحياة ولا بتصاريفها التي لا تعدو أمرَ الله أبداً؛ أقرب ما يكون فيه العبد إلى الله -سبحانه وتعالى- في صلاته؛ فهي الحبل بين الأرض والسماء؛ فاعلم -يا عبدالله- أنك بصلاتك تُناجي ربك وتُسمعهُ صوتك الذي يلهج بالإيمان وبهذه الصلة، وبهذا الدُّعاء والاتصال تكون قد تحققت لك مسألتك خُصوصاً إذا وافقت لحظة السُجود ولحظة الخُشوع والتذلّل بين يديّ الله -سُبحانهُ وتعالى-، وهذا من موجبات قبول الدُّعاء بإذن الله -سُبحانهُ وتعالى-.
ألا وإنّ ممّا يندَى له الجبين -أيها المؤمنون- ويجعل القلب مكدرا حزينًا ما فشا بين كثيرٍ من المسلمين من سوءِ صنيع وتفريطٍ وتضييع لهذه الصلاةِ العظيمة؛ فمنهم التاركُ لها بالكلّيّة، ومنهم من يصلّي بعضًا منها ويترك البقيّة، حتى خفّ في هذا الزمانِ ميزانها عند كثير من الناس وعظُم هُجْرانُها وقلّ أهلُها وكثُر مهمِلُها، يقول الزهريّ -رحمه الله تعالى-: "دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خادِمِ رسولِ اللهِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ فذكرَ أنّ سببَ بكائه أنِّ هذه الصلاةَ قدْ ضُيِّعَتْ" (أخرجه البخاريُّ).
أيها المؤمنون: إنَّ من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات؛ تركَ الصلاة تعمُّدًا وإخراجَها عن وقتها كسَلاً وتهاوُنًا (الجرائر: جمعَ جريرَةٍ، والجريرُ هي الذنبُ والجِنايةُ يَجنيها الرّجلُ وقد جَرَّ على نفسِهِ وغيرِهِ جريرَةً يجُرُّها جَرًّا أيْ جنى عليهم جِنايةً) (لسان العرب)؛ يقول النبيُ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ" (أخرجه مسلم). وإن التفريط في أمر الصلاة وتضييعها من أعظم أسبابِ البلاء والعناء، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59].
فيا -عبد الله- كيفَ تهون عليك صلاتك وأنت تقرأ الوعيدَ الشديد في قول الله -عز وجل-: (فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4-5]. فاتقوا الله -أيّها المسلمون- واعلموا أن الصلاةُ عبادةٌ عُظمى، لا تسقُط عن مكلَّف بالغ عاقل بحال، ولو في حال الفزع والقتال، ولو في حال المرض والإِعْياء، ولو في حال السفر، ما عدا الحائض والنفساء، يقول تبارك وتعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 238-239].
عباد الله: أقيموا الصلاة لوقتها، وأسبغوا لها وضوءَها، وأتمّوا لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها، تنالوا ثمرتها وبركتها وقوّتها وراحتها. أخيرا؛ لقد سعينا في هذا الملف العلمي إلى جمع ما يتعلق بالصلاة من الأحكام الشرعية والسنن والآداب النبوية، والفضائل والثمار الصحية والبدنية والقلبية والمكاسب الدنيوية والأخروية؛ حرصا منا على إعطاء هذه الفريضة حقها من البسط والتذكير والبيان، وقد احتوى هذا الملف على ستة محاور، وكانت على النحو التالي:
التعليقات