د. عبدالحسيب سند عطية و د. عبدالمطلب عبدالرازق حمدان
التعريف بقضاء الفوائت ودليل مشروعيته:
القضاء: إيقاعُ الصلاة بعد وقتها [1].
والأصل في وجوب قضاء الفوائت قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن نسي صلاة، فليُصلِّها إذا ذكرها؛ لا كفَّارة لها إلا ذلك)).
وفي روايةٍ أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن نسي صلاةً، فليُصلِّها إذا ذكرها؛ فإن الله - تعالى - يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]))[2].
على مَن يجب القضاء:
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب القضاء على النائم والناسي، فهذا أجمع عليه العلماء.
أما الناسي؛ فلِمَا ذكرنا، وأما النائم؛ فلِمَا روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس في النَّوم تفريطٌ؛ إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدُكم صلاةً أو نام عنها، فليُصلِّها إذا ذكرها))[3]، وبناءً على ذلك؛ فلا إثم على الناسي أو النائم في حالة القضاء.
ولكن العلماء مختلفون في مسألة ترك الصلاة عمدًا، هل يجب على العامد قضاء أم لا؟
- فجمهور العلماء على وجوب ذلك عليه مع الإثم، وذلك مستفاد من مفهوم الخطاب؛ حيث إن وجوب القضاء على الناسي والنائم مع سقوط الإثم عنهما ورفع الحرج، يدل على وجوبه على العامد من باب أولى، ويكون ذلك من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
- وذهب الظاهرية وبعض الفقهاء إلى أن العامد لا يجب عليه قضاء ما فاته من الفرائض، وتمسَّك هؤلاء بدليل الخطاب في الأحاديث المذكورة؛ حيث اشترطت للقضاء النسيان أو النوم، وانتفاء الشرط في العمد يستلزم انتفاء المشروط.
وقد أفاض كل فريق في ذكر حُجَجه في هذا المقام، والذي يمكن لنا قوله هنا أن الرأي الأول القائل بوجوب القضاء على العامد وإن لم تؤيِّده الأحاديث السابقة؛ حيث لا دليل فيها على وجوب القضاء على العامد، فإنه يمكن أن يتأيَّد من زاوية أخرى، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر:
"إن وجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول؛ لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته، فصارت دَينًا عليه، والدَّين لا يسقط إلا بأدائه، فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدَّد لها ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمَن أفطر في رمضان عامدًا، فإنه يجب عليه أن يقضيَه مع بقاء إثم الإفطار عليه"[4].
وهذا يؤيِّده عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فدَين الله أحق بالوفاء)).
كيفية قضاء الفوائت:
الأصل في القضاء أن يكون مماثلاً للأداء، وعلى ذلك فإن الأصل أن نقضي الفائتةَ بنفس صفة أدائها، فإذا فاتت وهو في سفر وجَب عليه ركعتانِ في الرباعية[5]، ومَن فاتته صلاة الفجر فإنه يقنُتُ فيها في حالةِ القضاء إذا كان يأخذ بمذهب الشافعية في ذلك، ومَن فاتته صلاة سريَّة قضاها كذلك، أو جهرية فكذلك.
والأصل في ذلك ما رواه أبو قتادة - رضي الله عنه - في قصة نومِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الفجر، قال: "... ثم أذَّن بلالٌ بالصلاة، فصلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتينِ، ثم صلَّى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم"[6].
وبناءً على ذلك؛ فلو فاتته صلاةٌ في حالة الإقامة ثم سافر، فإنه يُتِمُّها أربعًا؛ لأن العبرة بوقت الوجوب.
وأما المريض إذا قضى فوائت الصحة، فإنه يقضيها على حسب ما يقدر عليه؛ لعجزه عن القضاء على حسب الفوات، وأما إذا كان عليه فوائت في حالة مرضه ثم شُفِي، فإنه يقضيها على حالة الصحة، فإذا قضاها قاعدًا أو نائمًا كما فاتته، لم تصح صلاته؛ وهذا لأن الصلاة بالإيماء ليست بصلاتِه حقيقة؛ لانعدام أركان الصلاة فيها، وإنما أقيم مقام الصلاة لضرورة العجز، فيبقى الأصل واجبًا عليه عند القدرة فيؤديه كما وجب.
وأيضًا فإن مَن فاتته صلوات بالتيمُّم ثم حضر الماء، فإنه يقضيها بطهارة الماء لا بالتيمم[7].
الترتيب في قضاء الفوائت:
لا خلاف بين الفقهاء في استحبابِ الترتيب بين الفوائت، وإنما الخلاف في الوجوب.
- فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم إلى وجوب الترتيب بين الفوائت، وأن ذلك شرط لصحة قضائها.
- وذهب الشافعية وبعض الفقهاء إلى أن الترتيب مستحبٌّ وليس بواجب؛ لأن كل واحدة عبادة مستقلة، والترتيب إنما وجب في الأداء لضرورةِ الوقت، فإنه حين وجب الصبح لم يجب الظهر، فإذا فات لم يجب الترتيب في قضائه كصوم رمضان[8].
واستدل الجمهور بما روي عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: حُبسنا يومَ الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهَوِيٍّ [9] من الليل كُفِينا، وذلك قول الله - عز وجل -: ﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25]، قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأقام الظهر فصلاَّها فأحسن صلاتها كما كان يُصلِّيها في وقتها، ثم أمره فأقام العصر فأحسن صلاتها كما كان يُصلِّيها في وقتها، ثم أمره فأقام المغرب فصلاَّها كذلك، قال: وذلك قبل أن يُنزِل الله - عز وجل - في صلاة الخوف: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ [البقرة: 239][10].
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قضى الفائتة مرتين، وقد ثبت عنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلي))؛ فوجب الترتيب.
وأجاب الشافعية بأن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا يدل عندنا على الاستحباب لا على الوجوب.
الأحوال التي يسقط فيها الترتيب:
1- خوف فوات الوقت:
إذا خشي المصلي فوات الوقت قبل قضاء الفائتة، فإن الترتيب يسقط حينئذٍ في قول الحنفية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم.
وذهب المالكية - والحنابلة في قول مرجوح عندهم - أنه يجب الترتيب في هذه الحالة أيضًا، وحجتهم عموم حديث: ((إذا نسي أحدُكم صلاةً أو نام عنها، فليُصلِّها إذا ذكرها))، فهذا عامٌّ في الضيق والسَّعة.
واستدلَّ مَن أسقط الترتيب في هذه الحالة بأن الحكمة لا تقضي إضاعة الموجود في طلب المفقود، وأيضًا فإن الحاضرة آكدُ من الفائتة، بدليل أنه يقتل بتركِها ولا يحل له تأخيرها عن وقتها، والفائتة بخلاف ذلك.
وإذا خاف فواتَ الجماعة في حالة الترتيب، فلا يسقط الترتيب عند جمهور الفقهاء؛ لأنه آكدُ من الجماعة، بدليل اشتراطه لصحة الصلاة، بخلاف الجماعة.
وعند الحنابلة رواية أنه يسقط الترتيب؛ لأنه اجتمع واجبان، ولا بد من تفويت أحدِهما، فكان مخيَّرًا فيهما.
والأَوْلى أن يقال: إنه يمكن لمَن عليه الظهر وأقيمت صلاة العصر، أن يُصلِّي مع الإمام بنية الظهر، ثم يصلي العصر منفردًا، وهذا قد رجَّحناه في اختلاف نية المأموم والإمام كما سبق وأسلفنا[11].
2- النسيان:
النسيان يُسقِط الترتيب عند الحنفية خلافًا للمالكية والحنابلة، وهؤلاء يُفرِّقون بين حالتين:
الأولى: أن يتذكَّر بعدما أحرم للحاضرة أن عليه فائتة والوقت متَّسع، فحينئذٍ يتمُّ الصلاة التي هو فيها، ويقضي الفائتة ثم يُعِيد الصلاة التي كان فيها، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، أما إتمام الصلاة، فلقوله -تعالى-: ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].
أما قضاء الفائتة وإعادة الحاضرة، فلِما ذكروا من اشتراط الترتيب في قضاء الفوائت.
الثانية: أن يُصلِّي الحاضرة ناسيًا الفائتة ثم يتذكَّر بعد فراغه من الحاضرة، فهذا يسقط عنه الترتيب عند الحنابلة خلافًا للمالكية الذين يقولون بوجوب الترتيب مطلقًا، حتى في حالة النسيان، ولكن الإعادة هنا عند المالكية تكون على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فوجوب الترتيب عند المالكية لا يكون إلا في حالة الذكر[12].
3- كثرة الفوائت:
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الترتيب يسقط بكثرة الفوائت وحدَه عند الحنفية والمالكية ست صلوات، بمعنى أن يكون وقت السابعة قد دخل، والذي يدخل في هذا الحد فقط هو الصلوات المفروضة دون الوتر والنوافل.
وأما الحنابلة، فيرون عدم سقوط الترتيب في هذه الحالة أيضًا.
قضاء الفوائت في جماعة:
يستحب قضاء الصلاة الفائتة في جماعة، وقد فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك حين فاتته أربع صلوات يوم الخندق، وقد مر الحديث الدال على ذلك.
[1] قوانين الأحكام الشرعية ص 79.
[2] الحديث رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
[3] رواه النسائي والترمذي وصححه.
[4] فتح الباري 2/57.
[5] وسواء كان القضاء في حال السفر أو في حال الإقامة؛ لأنه يجب مراعاة وقت الوجوب، لا وقت القضاء.
[6] راجع: بدائع الصنائع 1/247.
[7] راجع: بدائع الصنائع 1/247.
[8] مغني المحتاج 1/128.
[9] الهَوِيُّ: السقوط، والمراد بعد دخول طائفة من الليل؛ نيل الأوطار 2/30.
[10] رواه أحمد، والنسائي، ولم يذكر المغرب.
[11] راجع في هذا: المغني 1/612.
[12] قوانين الأحكام الشرعية ص 80.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم