رامي حنفي محمود
مُلَخَّص حُكم الصلاة إذا نامَ عنها أو نَسِيَها
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله[1]
قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن نسِيَ صلاةً، فلْيُصلِّها إذا ذكرَها، لا كَفَّارة لها إلا ذلك))[2]، وفي رِواية: ((إذا رقَدَ أحدُكم عن الصلاةِ أو غفَلَ عنها، فلْيُصلِّها إذا ذكَرَها))[3].
دَلَّتْ هذه الأحاديثُ وغيرها على وجوبِ أداء الصلاةِ إذا فاتتْ بنومٍ أو نِسيان، وأنه يجب أداؤها على الفَوْر، وسواء كانَ ذلك في وقتِ نهْي أو غيره، وأنَّه إذا أدَّاها مباشرةً وقعَتْ أداءً لا قضاءً، ولا إثمَ عليه؛ لأنَّه غير مُفرِّط.
تنبيهات:
1- اعلم أنه ليسَ في النَّومِ تَفْريط، لكنَّه إنْ تعمَّدَ النوْم مُتسببًا به لترْك الصلاة أو تأخيرها، فلا شكَّ في عِصيانِه، وكذلك مَن نامَ بعدَ أنْ ضاقَ الوقتُ لأداء الصلاة.
2- يَنبغي للمكلّف أنْ يُراعِي الأسبابَ التي تُعينُهُ على اليَقظة للصلاة، فقد ثَبَتَ في الحديث أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين رجَعَ مِن غزوةِ خَيْبر أمَرَ بلالاً رضي الله عنه أنْ يَحرُسَ لهم الليل ليوقظَهم للصلاة[4]، فأينَ هذا ممَّن يَسْمُرُ لَيْلَُهُ فيما لا فائدةَ فيه، ولم يَحتطْ لنفسِهِ بمَن يُوقِظه للصلاة؟!
3- مَن فاتتْه الصلاةُ لنوْم أو نِسيان فقامَ لأدائِها، فإنَّه يُشرَع له أنْ يؤذِّن للصلاة، ويُصلِّي السُنَن الراتِبة كما يُصلِّيها للوقت، ويُقيم الصلاة.
4- إذا فاتتْه أكثرُ مِن صلاة لنوْمٍ أو نِسيان، فإنَّه يقضيها مرتَّبة كما يُصلِّيها للوقت، ويُقيم لكلِّ صلاة، وإنْ كانوا جماعةً صلَّوْها جماعة، وما كانَ مِن الصلاة الجهرية صلاَّها جهريةً، حتى لو كان في وقتِ السِّريَّة، وكذلك السرية يُسِرُّ بها حتى لو كان في وقت الجهرية.
5- إذا فاتتْه صلاة الظهر مثلاً، فدخَلَ المسجدَ فوجدَ صلاة العصر قد أُقيمت، فإنَّه يُصلِّي العصر مع الإمام؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أُقِيمتِ الصلاة فلا صَلاةَ إلا المكتوبة))[5]، وفي رواية: ((إذا أُقيمتِ الصلاة فلا صَلاةَ إلا التي أُقِيمت))[6]، والمفهومُ مِن الرواية الأولى أنه لا يُصلِّي العبدُ نافلةً أو فريضةً إلا التي أُقيم مِن أجلها والله أعلم، ثم بعد ذلك يُصلِّي الظهر، ولا يجب عليه أنْ يصلي العصر مرة أخرى طلبًا للترتيبِ؛ إذ لا دليلَ على ذلك.
- وكذلك إذا فاتتهُ صلاة الظهر مثلاً، وقد تَضايقَ الوقتُ لأدائها بحيث إنَّه لو صلَّى الظهر خرَج وقتُ العصر، فالراجِح: أنَّه يُصلِّي العصر أولاً، ثم بعد ذلك يُصلِّي الظهر، ولا يجب عليه إعادةُ العصر طلبًا للترتيبِ، وكذلك الحُكم لو فاتتْهُ صلاة الصُبح وخاف إنْ صَلاَّها أنْ تفوته صلاةِ الجُمُعة فإنه يبدأ بصلاة الجمعة ثم بعدَ ذلك يُصلِّي الصُبح، ولا يجب عليه إعادةُ الصُبح والله أعلم[7]، وأما إنْ تذكَّرَ أثناءَ الخُطْبة أنه لم يصلي الصُبح، فعليه أنْ يُصلِّيها، ولو أدَّى ذلك إلى عدمِ سَمَاعِ الخُطبة، بشرط ألا تفوتَه صلاةُ الجُمُعة.
6- ما تقدَّمَ مِن هذه الأحكام والتنبيهات هِيَ في حقِّ النائم والناسي؛ إذ لا تفريطَ عليهما، وأمَّا المتعمِّد لترْك الصلاة، فقد اختلفَ العلماءُ في وجوبِ قضاء هذه الصلوات التي تركَهَا؟!
فذهبَ فريقٌ منهم إلى عدمِ قضاءها بل تلزَمُهُ التوبة، ولا تصِحُّ منه الصلاة إذا قضاها؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، فكما لا تصِحُّ منه قبلَ الوقت، كذلك لا تصِحُّ منه بعده.
واحتجَّ الآخَرون الذين أوْجَبوا القضاءَ بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فدَيْنُ الله أحقُّ بالقضاء))[8]، قالوا: والصلاةُ دَينٌ لا يَسقطُ إلاَّ بأدائه.
7- قال ابن تَيْمِيَّة رحمه الله: "والمسافِر العادِم للماءِ - (أي الذي لا يجد الماء، أو يَصعُبُ عليه الوصول إليه، أو تعَذرَ عليه استخدامُه) - إذا عَلِم - (يعني إذا تيَقنَ) - أنه - سوف - يَجِد الماء بعدَ الوقت - (يعني بعد خروج وقت الصلاة) -، فلا يَجُوز له التأخيرُ إلى ما بعدَ الوقت، بل يُصلِّي بالتيمم في الوقت بلا نِزاع - (يعني بلا خلاف) -، وكذلك العاجِز عن الرُّكوع والسجود والقراءة إذا عَلِم - (يعني إذا تيَقنَ) - أنه يمكنه أن يُصلِّي بعد الوقت بإتمام الركوع والسجود والقراءة، كانَ الواجبُ أنْ يُصلِّي في الوقت بحسبِ إمكانه"[9].
قال الشيخ عادل العزازي: (كَرَاكِبِ الطائرة أو القِطار - إذا كانَ وقتُ الصلاة سيخرج -، وكان لا يتمكَّن مِن أنْ يصلي قائماً، صلَّى حسبَ حالِهِ بالانحناء).
ومِن ذلك أيضًا: مَن لم يجدْ إلا ثوبًا نجِسًا وخشي خروج الوقت، فإنه يصلَّى فيه ولا إعادةَ عليه، وكذلك إذا كان على ثوبه نجاسةٌ لا يستطيع إزالتَها قبلَ الوقت فإنه يصلَّى بها ولا إعادةَ عليه، وكذلك الحائض والجُنُب إذا لم يستطعِ الحصولَ على الماء قبْلَ خروج الوقتِ، تيمَّم وصلَّى ولا إعادةَ عليه.
لكنْ إنِ استيقظ آخِرَ وقت الصبح (يعني قبل شروق الشمس بقليل) - والماء موجود - وهو يعلَم أنَّه إنِ اغتسلَ طلعَتِ الشمس، فالصحيحُ أنَّه يغتسل ويُصلِّي ولو طلعتِ الشمس، وهذا مذهبُ الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، واختاره شيخُ الإسلام ابن تَيْمِيَّة رحمه الله[10]، لكنْ يُلاحَظ أنه لا ينشغل بشيءٍ إلا بالاغتسالِ والصلاة، فإنِ انشغل بشيءٍ آخَر أثِم.
8- إنْ نسِيَ صلاةً ولم يعرفْ عينَها - (يعني لم يتذكرْ أيُّ صلاةٍ هذه التي نسِيَها) - فعَلَى أقوال:
القول الأول: عليهِ أنْ يَقضِيَ خمسَ صلوات.
والقول الثاني: عليه أنْ يَقْضي صلاةً ثُنائية، وصلاةً ثُلاثيَّة، وصلاة رُباعيَّة (يعني يصلي ركعتين، ثم يصلي ثلاث ركعات، ثم يصلي أربع ركعات) على اعتبار أنه يَنوي فرْض الوقت، ومعلومٌ أنَّ الرباعية فرْض لثلاثة أوقات، فإنْ كانتِ المَنسية ظُهرًا أو عصرًا أو عِشاءً، كانتْ تلك الصلاةُ الرُّباعيَّة فَرْضَها (يعني نيابة عنها)، وتكون الثنائية للصُّبح، والثلاثية للمغرِب، والله أعلم.
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[2] البخاري (597)، ومسلم (684)، وأبو داود (442)، والترمذي (178)، والنسائي (1/ 293)، وابن ماجه (695).
[3] وهي الرواية الآتية.
[4] انظر صحيح مسلم (680)، وأبو داود (435)، والترمذي (3163)، والنسائي (2/ 296)، وابن ماجه (697).
[5] مسلم (710)، وأبو داود (1266)، والترمذي (421)، وابن ماجه (1151)، والنسائي (2/ 116).
[6] حسن: وهو بهذا اللفظ عند أحمد (2/ 352)، والطبراني في الأوسط (8/ 286)، والطحاوي في معاني الآثار (1/ 372).
[7] انظر "الشرح الممتع" (139/ 142)، وانظر الملاحظة رقم (9).
[8] البخاري (1953)، ومسلم (1148).
[9] " الاختيارات الفقهية" (ص: 64).
[10] مختصر الفتاوى المصرية (ص43).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم