عناصر الخطبة
1/ حكم تسوية الصفوف في الصلاة 2/ التوجيهات النبوية الشريفة بتسوية الصفوف 3/ هدي السلف الصالح في تسوية الصفوف 4/ كيفية تحقيق تسوية الصفوف 5/ ثمرات تسوية الصفوفاقتباس
وإن تسوية الصفوف أمر واجب على الصحيح، واجب على الإمام أن يتفقد صفوف المصلين، ويجب على المصلين طاعته في ذلك، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يولي هذا الأمر عناية شديدة حتى فقه الصحابة عنه ذلك، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ", وفي رواية للبخاري: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ, فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ".
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله -عز وجل- وأحسنوا أداء أعمالكم، وتعلموا سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان وفق الهدي النبوي، فطلب العلم فريضة، وهو مالا تتم عبادة الله إلا به.
معاشر المسلمين: لقد كلفنا الله -جل وعلا- بأعمال وأوجب علينا أداءها بصفة معينة، فليس للإنسان أن يخترع له صفةً مختلفة أو أن يزيد أو ينقص فيها، فكل عبادة أراد المسلم فعلها يجب عليه أن يتعلم صفتها كما وردت في السنة الصحيحة أوّلاً ثم يعمل بها.
عباد الله: إن العمل على بصيرة هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أمره الله به، كما قال -سبحانه وتعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108].
وإن من الأمور التي كلفنا الله -جل وعلا- بها، وهي ركن من أركان الإسلام، وتتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، الصلاة.
وللأسف! إن كثيرا من المصلين يخطؤون في صفتها، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بينها لنا أوضح البيان، وصرح بوجوب اتباع هديه في ذلك، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
ولقد اجتهد الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- في نقل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يدَعوا شاردة ولا ورادة إلا ذكروها، فلم يدعوا لمعتذر عذرا.
الواجب علينا جميعا الرجوع لصفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعلمها وتعليمها لأبنائنا، ونبذ التقليد الأعمى بالسير على ما وجدنا عليها من قبلنا بلا دليل.
أيها المؤمنون: إن الملاحظ للناس في المساجد يجدهم يختلفون في صفة صلاتهم؛ ولهذا تجد الكم الهائل من الأخطاء التي يجب على المسلم أن يتوقف عنها فورا ويعود إلى طريق السنة، ولعلنا نستعرض خطأ واحدا من الأخطاء التي تقع في مساجدنا لنجتنبها، فليس بعيب أن يخطئ المسلم، ولكن العيب في الاستمرار على الخطأ.
هذا الخطأ -للأسف!- لا يسلم منه مسجد إلا أن يشاء الله، وهو مسألة تسوية الصفوفِ والتراصّ فيها، فلقد تغير الناس في حرصهم على تسوية الصفوف، وتغير الأئمة في ملاحظة ذلك، إلا من رحم الله.
وإن تسوية الصفوف أمر واجب على الصحيح، واجب على الإمام أن يتفقد صفوف المصلين، ويجب على المصلين طاعته في ذلك، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يولي هذا الأمر عناية شديدة حتى فقه الصحابة عنه ذلك، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ", وفي رواية للبخاري: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ, فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ".
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ: "اسْتَوُوا, وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ، فَقَالَ: "عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ".
قال النووي في "شرح مسلم": قَوْله: "يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح"، الْقِدَاح هِيَ خَشَب السِّهَام حِين تُنْحَت وَتُبْرَى, مَعْنَاهُ: يُبَالِغ فِي تَسْوِيَتهَا حَتَّى تَصِير كَأَنَّمَا يُقَوِّم بِهَا السِّهَام؛ لِشِدَّةِ اِسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالهَا" انتهى كلامه، رحمه الله.
فهذه النصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف, قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "باب إثم من لا يتم الصفوف", وأورد فيه بسنده عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْم عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: "مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلا أَنَّكُمْ لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ".
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنهما-، قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟"، فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف".
وأخرج أبو داود في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوا الذي نفسي بيده! إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف".
وأخرج أبو داود في سننه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله".
وليس المقصود بالتراص في الصلاة التزاحم، بل المقصود الاعتدال، وتسوية الصفوف، وعدم ترك فرجات وفراغات يدخل منها الشيطان، فيشوش على المصلين، ويلهيهم عن الخشوع في صلاتهم؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود في سننه: "تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان".
وأخرج أبو داود في سننه من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا، ومناكبنا، ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، وكان يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول".
اللهم فقهنا في الدين، وارزقنا العمل بالتنزيل. أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد، فيا أيها الناس: لقد عقل الصحابة ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخرج أبو داود في سننه من حديث النعمان بن بشير قال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس بوجهه، فقال: "أقيموا صفوفكم، أقيموا صفوفكم، أقيموا صفوفكم ـ والله! لَتُقِيمُنَّ صُفوفَكم، أو ليُخالِفنّ الله بين قلوبكم"، قال: فرأيت الرجل يلزق مَنْكِبَه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه.
وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون، فكانوا يسوون الصف الأول، ويرسلون من يسوي بقية الصفوف، فلا يكبرون حتى يأتوا لهم ويقولون بأنه قد استوت الصفوف.
واعلموا -عباد الله- أن هذه التَّسوية للصفوف تتحقَّق بِمُراعاة الأمور التالية:
المُحاذاة: بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد، وهذه المُحاذاة تكون بالمَناكب، أي بالأكتاف، وكذلك تكون بالأَكْعُب، وأمَّا المحاذاة بأطراف أصابع الأرجُل، فهو خطأ؛ لأنَّ أقدام الناس تختلف طولاً وقِصَرًا.
وبالتَّراص: بحيث لا يكون هناك فُرُجات وخَلَلٌ بين الصُّفوف.
وتقارب الصفوف: وقد تقدَّم في حديث أنسٍ قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "رصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها"، يعني: اجعلوا صفوفكم يقترب بعضها من بعض، بحيث تكون المسافة بين الصف والآخر بمقدار السجود قدر المستطاع.
وإتمام الصُّفوف: فلا يبدأ بالصف الثاني حتى يتم ويكمل الصف الذي أمامه.
فلو فعلنا هذا -عباد الله- لكثر الخشوع في الصلاة وتذوقنا لذة المناجاة.
لقد اختلفت قلوب المصلين، وقل خشوعهم، وأصبح الشيطان يسرح ويمرح بين الصفوف ويفسد على الناس صلاتهم؛ وذلك لترك هذه الشعيرة التي حرص عليها سلف الأمة، بل إن البعض ليتثاقل الإمام الذي يعتني بتسوية الصفوف، أوَلا يعلمون أنهم سيقفون بين يدي الله ويناجونه ويطلبونه حوائجهم؟ فالواجب الوقوف كما يريد الله، كما أوضحنا في ثنايا الخطبة.
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم