الحرية مفهومها وضوابطها الشرعية – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

لقد ظُلِمت كلمة "الحرية" في زماننا هذا أيما ظلم، وجُني عليها أيما جناية، فهي تحمل الآن -زورًا- تبعة كثير من الموبقات والكبائر وتحمل على عاتقها -ظلمًا- ذنب العديد من الفواحش والمعضلات؛ فقد صار الطعن في الدين حرية! وزعزعة ثوابت المجتمع حرية! والزنا والفجور والفسوق والمجون حرية!...

 مظلومة هي كلمة "الحرية" في زماننا أيما ظلم، فهي تحمل الآن -زورًا- تبعة كثير من الموبقات والكبائر وتحمل على عاتقها -ظلمًا- ذنب العديد من الفواحش والمعضلات؛ فقد صار الطعن في الدين حرية! وزعزعة ثوابت المجتمع حرية! والزنا والفجور والفسوق والمجون حرية!... ولقد انتهكت الأعراض باسم الحرية، واستشرت المنكرات باسم الحرية، وأُطل الأمر بالمعروف باسم الحرية، وتُعدت الحدود باسم الحرية... حتى لقد اشتكت الحرية إلى الله من ظلم الناس لها وتجنيهم عليها!   والحرية في الغرب -قدوة الليبراليين والعلمانيين- تحمل في طياتها كثيرًا من التناقضات، فبينما ينادون بالمساواة بين الأجناس والألوان والاندماج التام لجميع طوائف المجتمع تجدهم يسيئون معاملة الأقليات الدينية والملونين من أبناء الغرب، فلا تزال النظرة العنصرية سائدة في الغرب إزاء السود أو الآسيويين أو العرب، فضلاً عن التضييق على المسلمين على وجه الخصوص في ممارسة شعائرهم، والتضييقات الأمنية التي تحد من حريتهم في الذهاب والمجيء والسفر والأعمال، لذا فالحرية في الغرب حرية مغلوطة زائفة، تتوافق مع ما يحقق مصالح الطغمة الحاكمة دون نظر إلى حقوق الأقليات أو كرامتهم.  

 

أما الحرية في الإسلام فهي محدودة بحدود الشريعة، تؤطرها وتسيِّجها بما يتوافق مع الطبيعة الإنسانية التي لا تطيق الحرية المطلقة ولا تطيق الكبت وقهر الحريات، فهي وسط بين نقيضين، وكذلك هو الإسلام وسط بين طرفين مذمومين، فإن الحرية الإسلامية بمعناها السليم تكرِّس للعبودية لله -تعالى- وحده وترفع الإنسان عن العبودية لكل ما سواه.   فالحرية الإسلامية في الاقتصاد مثلاً تحده بحدود المعاملات الشرعية، فترفع الإنسان عن العبودية للدولار والدوران في فلك المصلحة الاقتصادية بغض النظر عن مساوئها ومضارّها، فالإسلام جعل المال تابعًا لا متبوعًا، ووسيلة لتحقيق منافع الحياة لا غاية تتسابق إليها النفوس وتجهض في سبيلها المبادئ والقيم، وهو ما نراه في النظام الرأسمالي مثلاً الذي يتيح حرية التجارة والقروض الربوية وجميع أشكال المعاملات، في الوقت الذي لا يرى فيه بأسًا في احتلال الدول لبعضها بغرض التوسع الاقتصادي والسيطرة على المقدرات الاقتصادية للدول المحتلة، غاضًا طرفه عن حقوق هذه الدول في الاستقلال والحرية.   والحرية الإسلامية في الأبضاع والشهوات تضرب كذلك المثال الأسمى في المحافظة على حرمات الآخرين، فكما كفل الإسلام الحرية في الزواج مثنى وثلاث ورباع فإنه حرّم تعدي ذلك الحد، بل جعل كل نظرة أو لمسة تزيد عن ذلك الحد انتهاكًا لحرية الآخرين، وهذا ما يحفظ على الفرد نفسه ودينه وما يحفظ للمجتمع هيبته ونظامه الذي لا يستقيم إلا به.  

 

أما انتشار الفواحش بحجة رضا الطرفين فإنه مؤذن بهلاك المجتمع قيميًّا وسلوكيًّا، وفتحٌ لباب لا يجر على الفرد نفسه سوى الوبال والدمار، فالنفس البشرية مفطورة على التطلع للمزيد، فإن لم توضع لها حدود في هذه المسألة على وجه الخصوص فلن ينتهي بها المطاف عند ممارسةٍ ما، وإنما كلما حققت تطلعها المبدئي ازداد شبقها وشغفها لممارسة المزيد، وهذا ممارس بالغرب بشكل لافت للنظر؛ فعند نشأة السينما في بداية القرن الفائت حظي ظهور النساء والفتيات في الإعلام الغربي بمعارضة الآباء والمفكرين في المجتمع، مؤيدين رؤيتهم بالسنن الفطرية في هذا الكون، ولكن أبى القائمون على هذه الصناعة إلا إقحام النساء فيها، وبالتدريج بدأ صناع السينما في الغرب يتطلعون إلى مزيد من المشاركة النسائية والتكشف والتبذل والانحلال حتى وصل الحال بهن إلى الظهور عاريات بشكل كامل وممارسة الرذيلة صراحةً على شاشات السينما.    

 

والحرية في الغرب مفهوم مضطرب في تصوره النظري غير منضبط في تطبيقاته العملية. وقد تبلورت الحرية عند الغربيين ضد أغلال الإقطاع والكنيسة والملكية، ولا شك أن ذلك كان فيه بعض خير، ولكنه لا يرقى لأن يكون مثالا يتأسى به المسلمون، لما فيه من مآخذ وسيئات.   ولا يماري أحد أن الحرية المطلقة مستحيلة وغير حميدة، ولا بد من حدود لضبطها، ومن تلك الحدود عندهم الحكومة والقانون. ورغم دعوى فصل السلطات فإن الحكومة والقانون وجهان لعملة واحدة، إذ الغالب أن الحكومة لها نصيب الأسد في سن القانون وتشريعه، وغالبا ما ينحاز القانون لمصلحة الفئة القابضة على زمام الأمور، وبإمكانه تقييد الحرية متى شاء بحجة الأمن القومي وسلامة النظام.   والحربة في الغرب ليست قيمة اجتماعية منفصلة عن غيرها من القيم، وليست شيئا قائما بذاته يمكن نقله إلى ثقافات أخرى. ولقد أثبتت التجارب المعاصرة أن نقل التقنية الغربية قد كان أحد الأسباب الهامة في تغريب العالم بأجمعه ومنه العالم الإسلامي.  

 

وبعد ما احتل الغرب مركز القيادة للعالم المعاصر بسبب تفوقه المادي والعلمي، أخذ يزعم بصلف وكبرياء أن حضارته هي الحضارة وأن تطوره هو آخر مراحل التقدم البشري، وأخضع الدنيا لفكره ونظمه الاجتماعية عن رغبة وإعجاب حينا وعن رهبة وإرهاب أحيانا أخرى. وفي ظل هذه الأوضاع انتقل المفهوم الغربي للحرية إلى العالم الإسلامي وقامت على أسسه كثير من حركات التحرر المعاصرة، تحذو حذو الغرب وتتأسى بنماذجه، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، وفهم هؤلاء أن الحرية هي العلمانية وفصل الدين عن الدولة ونبذ التشريع الإسلامي واستبداله بالقوانين الغربية. وقسّم هؤلاء العالم الإسلامي إلى دويلات متناحرة تحت راية التحرر القومي.  

 

وذهب هؤلاء إلى أن الحرية هي الإباحية والسفور. وصارت الحرية سبيلا إلى الإلحاد والطعن في الدين وإثارة الشك والشبهات في مسلماته والسخرية والاستهزاء بمقدساته. -وهو من أسوأ ما عرفه العالم الإسلامي- حللا وزخارف زاهية من ديمقراطية الغرب، من دستور وضعية. فهل يرغب في هذه الحرية مسلم له مسحة من عقل وفي قلبه ذرة من إيمان؟   والخلاصة أن نماذج الحرية في الغرب فيها من المتناقضات والسوءات -بشهادة الغربيين أنفسهم- ما يجعلها غير صالحة للتأسي والاقتداء بها... فهل يعي المنبهرون بالغرب من المسلمين ذلك؟! هل يفيقون فيدركون أن الحرية بمعناها الغربي هي كائن خبيث غريب مهلك لا يلائم مجتمعنا ولا يناسبه؟! هل يعود المسلمون إلى دينهم وحريتهم المنضبطة بحدود إسلامهم؟! هل يخلع علمانيو المجتمعات الإسلامية ثوب الوصاية على عموم المسلمين بزعم قيادتهم إلى التحرر؟! هل يفهمون أنه ليس بعد الحرية بمفهومها الإسلامي القويم من حرية؟!... هذا ما نتمناه ونأمله.   وفيما يلي بيان لما تركناه من نقاط في هذه العجالة، وطرح لما عجزنا عن تفصيله، وإتمام لما بدأناه ولم نتمه، فاستفد من هذه الخطب المدبجة المعنى السليم للحرية، واستقرئ منها ضوابطها وحدودها ومظاهرها... كثير من الفوائد الأخرى سوف تراه فيها.  

العنوان

الحرية (1) حفظ الإسلام للحرية

2023/07/26 812 374 0

لَوْ فَقَدَ الْإِنْسَانُ حُرِّيَّتَهُ فِي الْعَمَلِ، وَمَشِيئَتَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، فَصَارَ مُجْبَرًا مُكْرَهَا فَلَنْ يَطِيبَ عَيْشُهُ، وَلَنْ تَسْعَدَ حَيَاتُهُ؛ فَلِذَلِكَ أَوْلَى الْإِسْلَامُ رِعَايَةً كَامِلَةً لِهَذِهِ الْغَايَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ...

المرفقات

الحرية (1) حفظ الإسلام للحرية.doc

الحرية (1) حفظ الإسلام للحرية.pdf


العنوان

الحرية (2) حدود الحرية في الإسلام

2023/07/26 489 274 1

وَلَوْ لَمْ تُقَيَّدِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ؛ لَتُعَدِّيَ عَلَى الْمُقَدَّسَاتِ الدِّينِيَّةِ، فَفَعَلَ الْإِنْسَانُ فِيهَا مَا شَاءَ، وَقَالَ عَنْهَا مَا شَاءَ، وَبِذَلِكَ تَغْدُو خَالِيَةً مِنَ الْقَدَاسَةِ وَالتَّعْظِيمِ... وَلَوْ لَمْ تُقَيَّدِ الْحُرِّيَّةُ فَسَيَعِيشُ الْإِنْسَانُ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ عَلَى...

المرفقات

الحرية (2) حدود الحرية في الإسلام.doc

الحرية (2) حدود الحرية في الإسلام.pdf


العنوان

الحرية (3) مفاهيم خاطئة في الحرية

2023/07/26 902 250 0

وَمِنْ خَطَأِ الْفَهْمِ أَنْ يَظُنَّ الْإِنْسَانُ أَنَّ لَهُ حُرِّيَّةً مُطْلَقَةً لِيَعْتَقِدَ مَا يَشَاءُ، أَوْ يَعْمَلَ مَا يُرِيدُ، أَوْ يَقُولَ كُلَّ مَا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ هَوَاهُ، وَمِنْ هَذَا الْخَطَأِ الْفَادِحِ نَشَأَتْ مَفَاهِيمُ خَاطِئَةٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي نِطَاقِ الْحَيَاةِ الْفِكْرِيَّةِ، أَوِ الْحَيَاةِ الْعَمَلِيَّةِ...

المرفقات

الحرية (3) مفاهيم خاطئة في الحرية.doc

الحرية (3) مفاهيم خاطئة في الحرية.pdf


العنوان

الحرية والتحرش

2021/10/16 1749 532 1

فانظروا كيفَ وصلَ الحالُ بالغربِ في لباسِ نسائهم؟! والمُصيبةُ أنَّهم يُريدونَ تصديرَ ما عندَهم من آفاتٍ، إلى بلادِ الإسلامِ بدعوى الحُريَّاتِ، ويَتوَّلى أتباعُهم تَنفيذَ الخُطواتِ، فيَبدأُ الحديثُ عن الخلافِ في كشفِ الوجهِ، ثُمَّ عن الرأيِّ الفقهيِّ في لونِ العباءةِ...

المرفقات

الحرية والتحرش.pdf

الحرية والتحرش.doc


العنوان

حول الرأي والرأي الآخر

2016/10/15 3892 450 10

من أهم شروط حرية التعبير عن الرأي أن يكون الرأي الذي قاله صاحبه منضبطاً بالضوابط الشرعية، غير مخالف لأصول الشريعة وثوابت الدين والحقيقة, فلا عبرة بكلام يناقض الدين ومسلماته، ولا مجال للاستماع لقول يخالف العقل والمنطق الصحيح؛ لأن هذا من الخبل الذي يجب أن يلغى ويطوى ولا يروى، ولا يصح أبداً أن يُذكر...

المرفقات

الرأي والرأي الآخر


العنوان

بين عبودية التسليم وحرية الفكر

2015/09/30 2592 404 16

فقد جمعني قبل أيام مجلسٌ بشاب حصل معه نقاش في بعض الأحكام الشرعية، وحاصل هذا النقاش يتعلق بشيء مشترك بين كثير من الشباب الذين ولدوا في عصر التواصل العالمي عن طريق الفضائيات، والإنترنت، وهذا المشترك: هو كثرةُ طرح الأسئلة والتفنن في تنويعها: لماذا؟ وكيف؟ وما السبب؟ وما الحكمة؟ بينما كان...

المرفقات

عبودية التسليم وحرية الفكر


العنوان

عرف العبير في بيان حرية التعبير

2020/11/15 1517 286 1

أخطأ كثير من الناس في فهم حرية التعبير وإبداء الرأي؛ فجرفهم هذا الخطأ إلى شفا جرف هار, يكاد أن ينجرف بهم إلى نار جهنم؛ حيث إنهم يبدون آراءهم في القواعد والثوابت الشرعية, ويخضعونها للعقل والرأي؛ فهذا يتكلم ويناقش قضية المواريث....

المرفقات

عرف العبير في بيان حرية التعبير


العنوان

حرية شرعية لا تعرف البهيمية

2019/01/26 4851 463 19

بِاسمِ الحُرِّيَّةِ تَجَاوَزَ مَفتُونُونَ عَلَى حُدُودِ الشَّرعِ، وَتَطَاوَلُوا عَلَى أَحكَامِ الدِّينِ، وَبِاسمِ الحُرِّيَّةِ عَقَّ أَبنَاءٌ آباءَهُم وَعَصَوا أُمَّهَاتِهِم، وَخَرَجَت زَوجَاتٌ عَن طَاعَةِ أَزوَاجِهِنَّ وَتَمَرَّدنَ عَلَيهِم، بَل وَهَرَبَت فَتَيَاتٌ مِن بُيُوتِ أَهلِيهِنَّ لَمَّا غُرِّرَ بِهِنَّ، فَهَتَكنَ سِترَهُنَّ، وَخَلَعنَ أَثوَابَ الصِّيَانَةِ، وَرَمَينَ جَلابِيبَ العِفَّةِ، وَأَنزَلنَ أَنفُسَهُنَّ في القَاعِ وَأَورَدنَهَا الحَضِيضَ وَالسُّفلَ، بَعدَ أَن كُنَّ في القِمَّةِ وَالعُلُوِّ...

المرفقات

حرية شرعية لا تعرف البهيمية


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
20-04-2022

اشكركم على تعاونكم معنا ومساعدتكم لنا   جزاكم الله كل الخير 🥰🍂