الحرية (1) حفظ الإسلام للحرية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-06-09 - 1444/11/20 2023-07-26 - 1445/01/08
عناصر الخطبة
1/مفهوم الحرية في الإسلام 2/ رعاية الإسلام للحرية 3/مظاهر الحرية في الإسلام 4/آثار الحرية المشروعة على العباد.

اقتباس

لَوْ فَقَدَ الْإِنْسَانُ حُرِّيَّتَهُ فِي الْعَمَلِ، وَمَشِيئَتَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، فَصَارَ مُجْبَرًا مُكْرَهَا فَلَنْ يَطِيبَ عَيْشُهُ، وَلَنْ تَسْعَدَ حَيَاتُهُ؛ فَلِذَلِكَ أَوْلَى الْإِسْلَامُ رِعَايَةً كَامِلَةً لِهَذِهِ الْغَايَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْحَرِيَّةُ كَلِمَةٌ جَمِيلَةٌ، تَتَشَنَّفُ الْآذَانُ بِسَمَاعِهَا، وَتَرْتَاحُ الْقُلُوبُ بِنَيْلِهَا، وَتَسْعَدُ النُّفُوسُ الْعَزِيزَةُ بِالْعَيْشِ تَحْتَ ظِلَالِهَا، وَلَا لَذَّةَ لِلْحَيَاةِ إِلَّا فِي سَمَاءِ الْحُرِّيَّةِ الَّتِي تَمْنَحُ الْإِنْسَانَ آفَاقًا رَحْبَةً، يَتَنَقَّلُ فِيهَا مِنْ رَوْضٍ إِلَى رَوْضٍ، يَتَنَسَّمُ فِيهَا عَبِيرَ السَّعَادَةِ وَالْأُنْسِ، وَيَرْمِي عَنْهُ كَدَرَ الضِّيقِ وَالْبُؤْسِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْحُرِّيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ لَهَا مَفْهُومُهَا الْخَاصُّ، الَّذِي يُخَالِفُ انْفِلَاتَ الْبَشَرِ فِي مُنْحَدَرَاتِ شَهَوَاتِهِمْ، وَشِعَابِ اعْتِدَاءَاتِهِمْ، فَالْحُرِّيَّةُ فِي دِينِنَا الْحَنِيفِ تَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ كَامِلَ التَّصَرُّفِ الْمُسْتَقِلِّ، بَيْنَ بَنِي جِنْسِهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ لَهُ، لَا يَعْصِي فِيهِ خَالِقَهُ، وَلَا يَتَعَدَّى فِيهِ عَلَى خَلْقِهِ.

 

أَمَّا الْحُرِّيَّةُ الَّتِي تَفْتَحُ الْأَبْوَابَ عَلَى مَصَارِيعِهَا أَمَامَ شَهَوَاتِ الْإِنْسَانِ الْجَامِحَةِ، وَاعْتِدَاءَاتِهِ الْجَارِحَةِ؛ فَهِيَ حُرِّيَّةٌ تَضُرُّ الْإِنْسَانَ وَالْمُجْتَمَعَ مَعًا؛ فَلِذَلِكَ مَنَعَ مِنْهَا الْإِسْلَامُ؛ حِفْظًا لِلْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِنَ الضَّرَرِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ.

 

وَفِي الْجَانِبِ الْمُقَابِلِ لَمْ يَدْعُ هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ إِلَى إِجْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى اعْتِنَاقِهِ، بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى الرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ؛ فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ دَفْعِ الْجِزْيَةِ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ -تَعَالَى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[الْبَقَرَةِ: 256].

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ النَّاظِرَ فِي نِظَامِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْفَرِيدِ يَجِدُ فِيهِ رِعَايَةً تَامَّةً لِلْحُرِّيَّةِ؛ فَلَقَدْ "جَعَلَ الْإِسْلَامُ الْحَرِيَّةَ حَقًّا مِنَ الْحُقُوقِ الطَّبِيعِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ، فَلَا قِيمَةَ لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ بِدُونِ الْحُرِّيَّةِ، وَحِينَ يَفْقِدُ الْمَرْءُ حُرِّيَّتَهُ، يَمُوتُ دَاخِلِيًّا، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ يَعِيشُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَعْمَلُ وَيَسْعَى فِي الْأَرْضِ". كَمَا جَعَلَهَا "أَسَاسَ التَّكْلِيفِ، فَهِيَ الَّتِي تُمَيِّزُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَإِذَا فُقِدَتِ الْحُرِّيَّةُ فُقِدَتِ الْكَرَامَةُ وَالْإِنْسَانِيَّةُ".

 

وَأَنْتُمْ تَقْرَؤُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَنْ قَدْرِ هَذَا الْإِنْسَانِ عِنْدَ اللَّهِ قَوْلَهُ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 70]. فَفِي الْحُرِّيَّةِ "صِيَانَةٌ لِكَرَامَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الِابْتِذَالِ... وَفِي الْحُرِّيَّةِ كَمَالُ الْإِنْسَانِيَّةِ وَكَمَالُ التَّكْلِيفِ الِاجْتِمَاعِيِّ"(زَهْرَةُ التَّفَاسِيرِ).

 

وَقَدْ اشْتُهِرَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَوْلُهُ لِوَالِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَتَى تَعَبَّدْتُمُ النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ أَحْرَارًا؟!".

 

فَلَوْ فَقَدَ الْإِنْسَانُ حُرِّيَّتَهُ فِي الْعَمَلِ، وَمَشِيئَتَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، فَصَارَ مُجْبَرًا مُكْرَهَا فَلَنْ يَطِيبَ عَيْشُهُ، وَلَنْ تَسْعَدَ حَيَاتُهُ؛ فَلِذَلِكَ أَوْلَى الْإِسْلَامُ رِعَايَةً كَامِلَةً لِهَذِهِ الْغَايَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ.

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْفُضَلَاءُ: إِذَا تَأَمَّلْتُمْ فِي نُصُوصِ شَرِيعَتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ فَسَتَجِدُونَ فِي ثَنَايَاهَا مَظَاهِرَ عَدِيدَةً لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

حُرِّيَّةُ الْمُعْتَقَدِ: الْإِنْسَانُ تَكُونُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ ابْتِدَاءً فِي اعْتِنَاقِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَدْيَانِ؛ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 256]. أَمَّا إِذَا اعْتَنَقَ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ فَقَدْ وَقَّعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الدِّينِ عَقْدًا لَا يَحِلُّ لَهُ فَسْخُهُ وَالِانْقِلَابُ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَنْهَدِمَ السُّلَّمُ الِاجْتِمَاعِيُّ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الدِّينِ وَعَظَمَتِهِ وَعَدْلِهِ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ: حُرِّيَّةُ التَّفْكِيرِ؛ فَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ -تَعَالَى- لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَقْلًا مُسْتَقِلًّا يَسْتَطِيعُ بِهِ أَنْ يَكُونَ حُرَّ التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ، فَلِذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى أَنْ يُعْمِلَ عَقْلَهُ مُفَكِّرًا فِي آيَاتِ اللَّهِ فِي هَذَا الْكَوْنِ؛ لِيَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَى الْهِدَايَةِ، فَيَتَوَصَّلَ إِلَى الْحَقِّ بِحُرِّيَّةٍ تَامَّةٍ قَائِمَةٍ عَلَى تَأَمُّلِهِ الْحُرِّ فِي بَدِيعِ خَلْقِ اللَّهِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدْعُو إِلَى إِعْمَالِ هَذَا الْمَظْهَرِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ؛ حَتَّى يَصِلَ الْإِنْسَانُ إِلَى الصَّوَابِ مِنْ غَيْرِ إِجْبَارِ أَحَدٍ، قَالَ -تَعَالَى-: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[يُونُسَ: 101]. وَقَالَ -تَعَالَى-: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[الْغَاشِيَةِ: 17-20].

 

وَقَدْ عَاتَبَ اللَّهُ -تَعَالَى- أُولَئِكَ الَّذِينَ حَجَبُوا عُقُولَهُمْ عَنِ التَّفْكِيرِ لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ، وَأَقْفَلُوهَا بِقُفْلِ التَّقْلِيدِ لِآبَاءِ الضَّلَالِ، فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 170].

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ: حُرِّيَّةُ الْعَمَلِ؛ فَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ -تَعَالَى- الْإِنْسَانَ حُرِّيَّةَ الِاخْتِيَارِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ شَاءَ عَمِلَ الْخَيْرَ، وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ الشَّرَّ، إِنْ شَاءَ آمَنَ، وَإِنْ شَاءَ كَفَرَ، وَإِنْ شَاءَ أَحْسَنَ وَإِنْ شَاءَ أَسَاءَ، وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)[الْكَهْفِ: 29].

 

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ: حُرِّيَّةُ الرَّأْيِ؛ مَا تَزَالُ كَلِمَةُ الْفَارُوقِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَمَا قَالَ: "مَتَى اسْتَعْبَدْتُمُ النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ أَحْرَارًا" خَالِدَةً عَبْرَ السِّنِينَ، تَطْرُقُ مَسَامِعَ الظَّالِمِينَ، وَتُؤَرِّقُ مَضَاجِعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي الْأَرْضِ. لَكِنَّ حُرِّيَّةَ الرَّأْيِ لَا تَعْنِي التَّطَاوُلَ عَلَى ثَوَابِتِ الْمُجْتَمَعِ، وَأَعْرَافِ النَّاسِ الصَّحِيحَةِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يُخْلَطَ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الْفِكْرِ وَحُرِّيَّةِ الْكُفْرِ، وَحُرِّيَّةِ التَّنَقُّلِ، وَحُرِّيَّةِ التَّمَلُّكِ وَالْكَسْبِ الْمَشْرُوعِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَلَوْ تَتَبَّعْنَا الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ فِي شَرِيعَتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ لَوَجَدْنَا فِيهَا مَظَاهِرَ كَثِيرَةً لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ، فَانْظُرُوهَا فِي أَبْوَابِ الْبُيُوعِ، وَأَبْوَابِ أَحْكَامِ الْأُسْرَةِ، وَأَبْوَابِ الْجِنَايَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الْفَهْمِ لِهَذَا الدِّينِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلْحُرِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ آثَارًا حَسَنَةً عَلَى الْعِبَادِ:

 

فَمِنْ تِلْكَ الْآثَارِ: التَّوْسِيعُ عَلَى النَّاسِ، وَعَدَمُ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، وَفِي السِّعَةِ يَجِدُ النَّاسُ رَاحَتَهُمْ وَسَعَادَتَهُمْ.

 

فَبِإِعْطَاءِ حُرِّيَّةِ الْمُعْتَقَدِ مَجَالٌ رَحْبٌ لِيَعِيشَ الْإِنْسَانُ حَيَاتَهُ الَّتِي يُرِيدُ، وَاجِدًا فِيهَا سِعَةً مِنَ الزَّمَانِ وَالتَّفْكِير بِالْحَقِّ لِيَأْخُذَ بِهِ عَنْ قَنَاعَةٍ تَامَّةٍ.

 

فَفِي فَتْحِ مَكَّةَ هَرَبَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَلَحِقَهُ صَدِيقُهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ فَطَلَبَ مِنْهُ الرُّجُوعَ، فَقَالَ صَفْوَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْعَلْنِي بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ. قَالَ: "أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" ثُمَّ أَسْلَمَ صَفْوَانُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَنَاعَةٍ وَرِضًا.

 

كَمَا أَنَّ فِيهِ جَانِبًا آخَرَ مِنَ السِّعَةِ عَلَى النَّاسِ؛ أَلَا وَهُوَ: أَنْ لَا يَشْعُرَ النَّاسُ بِالضِّيقِ وَالْحَرَجِ وَهُمْ يَعِيشُونَ فِي بِيئَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَلِفِي الدِّيَانَةِ، كَمَا عَاشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَدِينَةِ وَفِيهَا ثَلَاثُ قَبَائِلَ مِنَ الْيَهُودِ.

 

وَمِنْ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى النَّاسِ: التَّوْسِيعُ عَلَى النَّفْسِ بِاخْتِيَارِهَا مَا تَشَاءُ مِنَ الْعَمَلِ وَالْقَوْلِ. وَتَنَقُّلِهَا بَيْنَ الْحَاجَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْفِطْرِيَّةِ الْمُبَاحَةِ، وَفِي إِجْبَارِهَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ تَضْيِيقٌ عَلَيْهَا؛ كَإِلْزَامِهَا بِطَعَامٍ وَاحِدٍ أَوْ مَلْبُوسٍ وَاحِدٍ... وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 

وَمِنْ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى النَّاسِ: إِعْطَاءُ الْإِنْسَانِ شَرَفَ الْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ، اللَّذَيْنِ يُعَدَّانِ مَطْلَبَيْنِ مِنْ مَطَالِبِ الْحَيَاةِ الْعَزِيزَةِ، فَتَقْيِيدُ حُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ سِجْنٌ لَا تُطِيقُ ظُلُمَاتِهِ النُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ.

 

قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَكِنَّ نَفْسًا حُرَّةً لَا تُقِيمُ بِي ** عَلَى الضَّيْمِ إِلَّا رَيْثَمَا أَتَحَوَّلُ

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى نِعْمَةِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ، الَّذِي بَيَّنَ الْمَفْهُومَ الصَّحِيحَ لِلْحُرِّيَّةِ، وَرَاعَاهَا، وَتَبَنَّاهَا وَاقِعِيًّا فِي تَشْرِيعَاتِهِ، وَصَدَقَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الْحَجِّ: 78].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- فِقْهًا فِي دِينِهِ، وَفَهْمًا لِلْحُرِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ.

المرفقات

الحرية (1) حفظ الإسلام للحرية.doc

الحرية (1) حفظ الإسلام للحرية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات