قدسية القرآن - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-01-26 - 1444/07/04
التصنيفات:

اقتباس

فيا أيها الضعفاء المخذولون، يا من تحسبون حرقكم لنسخة من المصحف نصرًا: اعلموا أنكم ما حرقتم إلا الأحبار والورق، أما القرآن الكريم فهو منقوش في قلوبنا، ومحفور في صدورنا، ومغروس في أصولنا، ومستقر في وجدان أطفالنا، ومركوز في أفئدتنا.. نموت ولا يموت، ونفنى ولا يفنى...

القرآن الكريم هو كلام ربنا، وهو أقدس شيء في حياتنا، نملكه حروفًا وسطورًا بين أيدينا، فيالله أي نعمة وأي فضيلة وأي غنيمة وأي فرصة! إذا ما تلاه العبد وعاش فيه وبه وله، ارتقى وسما وصار في طهر الملائكة وفي مصافهم؛ ألم تسمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران"(متفق عليه)؛ فكل من اتصل بالقرآن الكريم مخلصًا فهو مأجور محمود مخصوص بالبركات.

 

والقرآن كتاب مقدس محفوظ من التغيير والتبديل والتحريف، لأنه كلام الله القديم غير المخلوق، فلا يحل تغيير كلمة منه ولا حرف، ولا يستطيع أحد أن يبدِّل فيه؛ فإن حافظه العليم القوي الخبير: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9]، وهو كتاب معجز فريد، لا يستطيع أحد له محاكاة ولا تقليدًا: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[الإسراء: 88]، وهو كتاب له قدسية لا يمسه إلا طاهر؛ فقد قرر الله -تعالى- وقضى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)[الواقعة: 77-79].

 

ولأنه كتاب رباني فإن من أطاعه اهتدى، ومن عصاه غوى: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل"(رواه مسلم)، ولأنه منزَّل من عند الله -تعالى- فإنك لا تجد فيه خللًا ولا تناقضًا؛ كتاب لا يخطئ ولا يذكر باطلًا: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: 42].

 

ولأنه كتاب الله المقدس فإنه كتاب مبارك: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)[ص: 29]، لو مسَّ حجرًا لأثر فيه: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[الحشر: 21]، ولو لامس أذن كافر لشهد له، كما حدث للوليد بن المغيرة: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر"(الاعتقاد، للبيهقي).

 

***

 

والقرآن الكريم ليس كتابًا لمجرد التبرك والوضع على الرفوف والمكتبات والسيارات تتراكم عليه الأتربة؛ بل هو كتاب عقيدة لابد أن تُعتقد وتُعقد عليها القلوب، وكتاب شريعة لابد أن تقام على أرض الله -تعالى-، وكتاب دعوة لا بد أن تُنشر وتذاع حتى تبلغ الآفاق، وكتاب حركة وحياة لابد أن يُطبق في جميع أحوالنا وحياتنا وصباحنا ومسائنا ونومنا ويقظتنا، حتى يصير كل واحد فينا قرآنا يمشي على الأرض.

 

وفي القرآن الكريم وحده مجدنا وعزنا وسؤددنا وكرامتنا وتقدمنا وتطورتنا... كلمات أجملها الله -عز وجل- حين قال: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنبياء: 10]؛ وذكركم "يعني: شرفكم وفخركم"(تفسير الخازن)، فمن ابتغى العزة في القرآن أدركها، ومن طلبها من سواه خاب وخسر وبارت تجارته!

 

وما عزَّ المسلمون في أي عصر من عصورهم إلا بالتمسك بالقرآن الكريم والصدور عن أوامره والانتهاء عن نواهيه، وما ذلوا وانتكسوا وتأخروا وتفرَّقوا وصاروا في ذيل الأمم؛ تبعًا وعالة على غيرهم، إلا حين تخلوا عنه وولَّوه ظهورهم!

 

***

 

وبعد كل هذه العظمة والكمال للقرآن الكريم، مع سموه ورفعته، مع جلاله ورفيع قدره، مع قدسيته وخصوصيته، مع عصمته وانتسابه لرب العالمين، نفاجأ كل حين وحين بمن يطعن في القرآن الكريم ويعيب أحكامه وصياغته ويدعي وجود الخلل والعوار فيه! وما هم إلا أفاكون كذابون، ما هم إلا مرضى قلوب وعقول: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ)[آل عمران: 7]. 

 

وفي حين يزداد إيمان المؤمن إذا ما قرأ القرآن الكريم، تجد هؤلاء كلما قرأوه لا يزدادون إلا نجسًا ورجسًا وزيغًا وبعدًا عن الصراط المستقيم! (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)[التوبة: 124-125]، نعم؛ من عاب القرآن الكريم، أو استهزأ به، أو ادعى أن غيره خيرًا منهم، أو كره شيئًا من أحكامه، أو ظن فيه خطأ أو نقصًا.. فهو من الكافرين الظالمين مهما ادعى أنه من المسلمين، ومهما سكن وتوطن بلاد المسلمين، ومهما لبس زي المسلمين وعاش بينهم وزعم أنه منهم!

 

وآخرون من إخوانهم وإن تكلموا بغير لسانهم، آخرون من بني جلدتهم وإن خالفوهم العرق والقومية واللغة، آخرون من شاكلتهم وإن توطنوا بلادًا غير بلادهم؛ فإن فرقتهم الأجناس والألوان واللغات، وباعدتهم المساكن والبلاد، فقد جمعهم الإفك والعدوان على القرآن العظيم، ووحَّدَهم الحقد الدفين والمكر الخبيث لآيات القرآن العظيم...

 

هؤلاء الآخرون الذين سكنوا بلاد الكافرين، يلجؤون كل حين إلى حيلة الضعفاء؛ فيأتون بنسخة من القرآن الكريم فيحرقونها أمام العالمين، يريدون بذلك إطفاء نور الله، وما هم بمستطيعين: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 32-33].

 

إنها -والله- حيلة الضعفاء؛ فلما لم يستطيعوا إبطال القرآن بالحجة والبرهان لجؤوا إلى حيلة الضعفاء! ولما عجزوا عن وقف مد الإسلام وانتشاره بين بني جلدتهم لجؤوا إلى حيلة الضعفاء! ولما أعياهم تشكيك المؤمنين في إسلامهم وردهم عن دينهم لجؤوا إلى حيلة الضعفاء!

 

فيا أيها الضعفاء المخذولون، يا من تحسبون حرقكم لنسخة من المصحف نصرًا: اعلموا أنكم ما حرقتم إلا حبره وورقه، أما القرآن الكريم فهو منقوش في قلوبنا، ومحفور في صدورنا، ومغروس في أصولنا، ومستقر في وجدان أطفالنا، ومركوز في أفئدتنا.. نموت ولا يموت، ونفنى ولا يفنى...

 

أيها الضعفاء المخذولون: موتوا بغيظكم، موتوا بكمدكم، موتوا بحقدكم؛ فإن دين الله سائد فوق العالمين، فبهذا بشرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها"(رواه مسلم)، فهذا واقع لا محالة، ومتحقق بلا شك.. فغدًا تطأ أقدامنا مواقع أقدامكم فتُبطل رجسكم وتهزم كيدكم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر"(رواه أحمد، وصححه الألباني).    

 

أيها الجبناء المخذولون: إن حرقتموه اليوم فسيحرق المنتقم العزيز الجبار -سبحانه- قلوبكم غدًا، ثم يحرق أجسادكم يوم القيامة في نار جهنم...

 

ولقد عقدنا هذه المختارة ورتبنا فيها خطبًا منتقاة، تُذكِّر الناسي وتنبه الغافل وتعين المجتهد على اغتنام كتاب الله وكلماته وهداه، وندله على واجبه نحوه، وكيف يواجه أعداءه ويردهم، فإليك:

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
الخطبة الرابعة عشر:
الخطبة الخامسة عشر:
العنوان
عظمة القرآن الكريم 2013/06/09 6810 716 49
عظمة القرآن الكريم

وإذا علِمَ المُسلِم عظمةَ هذا القرآن العظيم وعلِم فضائلَه التي لا يُحيطُ بها إلا من أنزلَه عظُمَت عنايتُه بهذا الكتاب العزيز، وزادَ اهتمامُه بهذا الذِّكر الحكيم، فبذلَ جُهدَه، وسخَّر طاقتَه ووُسعَه في تعلُّمه وتعليمِه، وتدبُّره والعمل به بقدر ما يُوفِّقُه الله ويُعينُه. ومهما قامَ المُسلم به من عملٍ يُؤدِّي به حقوقَ القرآن عليه، ويُوفِّي به شُكرَ نِعَم كتاب الله -عز وجل-، ويقوم بحقوق عبادة الله تعالى على الكمال والتمام فهو مُقصِّرٌ ضعيفٌ، ولكنَّ الله -تبارك وتعالى-...

المرفقات

القرآن الكريم

التعليقات
زائر
07-05-2023

جزاكم الله خيرا لقد أجدتم وأفدتم

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life