عظم شأن القرآن الكريم وحقوقه

عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي

1999-09-10 - 1420/05/30 2023-01-09 - 1444/06/16
عناصر الخطبة
1/من خصائص القرآن الكريم 2/واجبنا تجاه القرآن الكريم 3/من فضائل القرآن الكريم 4/الحث على تعلم القرآن وتعليمه.

اقتباس

ومن أشغل وقته بتلاوة كتاب الله فلينتظر ذلك الموقف العجيب، حين يهب القرآن الكريم في يوم القيامة شافعاً لأصحابه وأحبابه الذين عطروا أفواههم بتلاوته، وأمضوا أعمارهم في صحبته، فعن أبي أمامة: "اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه....

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[الإسراء: 82]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، القائل في كتابه العزيز: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[الحشر: 21]، وتكفل -سبحانه- بحفظ كتابه الكريم فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9]، فهو الكتاب المهيمن على ما عداه من الكتب التي أنزلها الله -جل وعلا-؛ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[المائدة: 48]، وهو الكتاب الذي أنعم الله به على عباده، فمن أراد النجاة والفلاح فعليه بكتاب الله -تعالى-؛ (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[إبراهيم: 1].

 

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خير من تمثل بالقرآن وعمل به وأوصى به قائلاً:  "إن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً"(رواه الطبراني بإسناد جيد، وصححه الألباني)، وهو الذي أخبر أمته بعظيم قدر القرآن الكريم حين قال: "ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما: كتاب الله -عز وجل-، هو حبل الله، ومن اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة"(رواه مسلم)، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يقول: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد"(مسلم)، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، واحشرنا في زمرته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنك على كل شيء قدير.

 

أما بعد: فاتقوا الله ربكم وأنيبوا إليه تسعدوا، واشكروه على نعمه تزدادوا؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].

 

عباد الله: إن من شكر الله -تعالى- على نعمة القرآن الكريم القيام بحقوقه الواجبة نحوه؛ عسى أن نكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وإليكم هذه الحقوق التي يهم المسلم معرفتها ليتسنى له أداؤها كما أمر، فأول هذه الحقوق:

الإيمان به: قال الإمام  الطحاوي -رحمه الله- في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم: "ونؤمن أن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله -تعالى- بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية... ولا نجادل في القرآن، ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وهو كلام الله -تعالى- لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين" ا.هـ.

 

والإيمان بالقرآن الكريم امتثالا لأمر الله -تعالى- بذلك حين قال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ)[النساء: 136].

 

ثانياً: العمل به: انطلاقاً من طاعة الله -سبحانه- الواجبة؛ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران: 132]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال: 24]، وفي صحيح مسلم: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان، بينهما شرق -ضياء ونور- أو كأنهما حزقان من طير صواف؛ تحاجان عن صاحبهما"، فيا سعادة من عمل بالقرآن الكريم فانتهى عما فيه من نواهي، وامتثل ما فيه من أوامر!، وقال قول المؤمنين: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[البقرة: 285].

 

ثالثاً: تعلمه وتعليمه؛ "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"(البخاري)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدارس جبريل القرآن في كل عام مرة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبدالله بن مسعود: "اقرأ علي"، قال أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، قال: فقرأ عليه من أول سورة النساء إلى قوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)[النساء: 41]، فبكى"(رواه مسلم).

 

فمن حق كتاب الله -تعالى- علينا أن نعتني بتعلمه وإتقانه، وأن لا يحول بيننا وبين تعلمه حياء، أو انشغال بأمور الدنيا التي لا تنقضي حاجاتها، ما دام المرء على قيد الحياة، وإن خير ما قضى المسلم وقته به تعلم كتاب الله -تعالى- وحفظه وتعليمه، وما أجمل أن يكون لكتاب الله -تعالى- دور فعال في تربيتنا لأبنائنا وبناتنا، وأن نعمر بالقرآن الكريم قلوبنا وبيوتنا، وننور به عقولنا ونشربه أولادنا محبة وتقديراً.

 

رابعاً: تلاوته: فمن أراد الأجر الوافر فعليه بكتاب الله، يقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29، 30]، ومن أشغل وقته بتلاوة كتاب الله فلينتظر ذلك الموقف العجيب، حين يهب القرآن الكريم في يوم القيامة شافعاً لأصحابه وأحبابه الذين عطروا أفواههم بتلاوته، وأمضوا أعمارهم في صحبته، فعن أبي أمامة: "اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"(مسلم)، وعن النواس بن سمعان: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران؛ تحاجان عن صاحبهما"(مسلم).

 

وعن أبي موسى: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو"(متفق عليه)، وعن ابن مسعود: "من قرأ حرفاً من كتاب الله؛ فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن الف حرف، ولام حرف، وميم حرف"(الترمذي وقال: حسن صحيح).

 

وعند تلاوة القران ومدارسته تتنزل الملائكة والسكينة والرحمة، فعن البراء بن عازب قال: "كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك، فقال: "تلك السكينة تنزلت للقرآن"(متفق عليه)، وعن أبي هريرة: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيت مِنْ بُيُوتِ اللهِ -تَعَالَى-، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِندَهُ"(مسلم).

 

فيا عباد: الله ألا تحبون أن تكونوا مجالسين لملائكة الرحمن، الذي هم من خير عباد الله؛ (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ)[التحريم: 6]؟ وأين من يرى سعادته وفخره في مجالسة البشر من أرباب المناصب والمال من هذا الشرف الحقيقي، وشتان ما بين مشرق ومغرب؟!.

 

خامساً: حفظه فيجب أن يكون في الأمة من يحفظ كتاب الله -تعالى- ويتقنه، قياما بالحفظ الذي تكفل الله -تعالى- به، ومن قرأ القرآن وهو حافظ له فهو يوم القيامة مع الملائكة السفرة الكرام البررة، فعن عائشة: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُو حَافِظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ"(متفق عليه).

 

والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

عظم شأن القرآن الكريم وحقوقه.pdf

عظم شأن القرآن الكريم وحقوقه.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات