الصائمون بين الصوم عن المفطرات والصوم عن المحرمات - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

يلاحظ أن بعض المسلمين يصوم عن المفطرات الحسية فقط، ولا يتحرز عن المفطرات المعنوية –إذا جاز التعبير-، فلا يفطم نفسه عن الحرام، وينسى البعض ويغفل عن أن الإمساك عن الطعام والشراب في رمضان ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو وسيلة لرقة القلب وانكساره وخشيته لله، وهذه هي حقيقة الصيام، أما إن كان الأمر ترك الطعام والشراب فما أهون الصيام، ولكن إذا صام العبد فليصم سمعه وبصره ولسانه من الكذب والمحارم؛ وجماع ذلك خوف القلب من الله ومراقبته...

لا شك أن الصوم معنى عظيم من معاني العبودية لله رب العالمين، الذي يكون فيه التسليم الكامل لله -عز وجل-، وامتثال أمره في ذلك، وقد أمرنا بالصيام فقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

 

وسر تشريع الصيام أنه سبب لتحصيل التقوى، وسبيل لتزكية النفس بطاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى، والتقوى جماع خيري الدنيا والآخرة، وكلُّ ثمرة من ثمار الصيام فهي ناشئة عن التقوى.

 

وتشريع هذه الفريضة العظيمة له حِكَم أخرى منها:

أن من حِكَم الصيام: حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتضييق مجاري الشيطان من العبد، بتضييق الطعام والشراب، فيضعف نفوذ الشيطان، وتقل المعاصي.

 

ومن حكم الصيام: تصفية القلب، فيصفو من شوائبه ويتخلى للفكر والذكر، لأن تناول الشهوات يقسِّي القلب، ويعمي عن الحق، والصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها وقوتها.

 

ومن حكم الصيام كذلك: معرفة نعمة الله على العبد بالشبع والرّي إذا تذكر بالصيام الأكباد الجائعة من الفقراء والمساكين، فيشكر ربّه ويحسُّ بآلام إخوانه المعدمين. والنعم لا يُعرف قدرها إلا بفقدها.

 

ومع ذلك يلاحظ أن بعض المسلمين يصوم عن المفطرات الحسية فقط، ولا يتحرز عن المفطرات المعنوية –إذا جاز التعبير-، فلا يفطم نفسه عن الحرام، وينسى البعض ويغفل عن أن الإمساك عن الطعام والشراب في رمضان ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو وسيلة لرقة القلب وانكساره وخشيته لله، وهذه هي حقيقة الصيام، أما إن كان الأمر ترك الطعام والشراب فما أهون الصيام، ولكن إذا صام العبد فليصم سمعه وبصره ولسانه من الكذب والمحارم؛ وجماع ذلك خوف القلب من الله ومراقبته.

 

وعودًا على بدء، فإن شهر رمضان ليس إمساكًا عن الطعام والشراب فقط؛ وسجوداً وركوعًا، والقلب هو القلب قاسٍ عاصٍ غافل لاهٍ، الغناء يطرب الآذان، وللعينين أُطلق العنان، واللسان غش وكذب وغيبته نميمة وسب ولعان. وصدق من قال:

إذا لم يكن في السمع منى تصامم *** وفى العين غضّ وفي منطقي صمتُ

فحظي إذًا من صومي الجوع والظمأ *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمتُ

 

فيا خسارة نفوس لم يهذّبها الجوع، ولم يربها السجود والركوع، فالصيام تدريب للنفوس وتعويد لها على الصبر وترك الشهوات. ومع ذلك –وللأسف الشديد- يدخل رمضان ويخرج وبعض النفوس لم تتغير، يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه، ومعاصيه هي معاصيه، وربما يركع ويسجد، ويسهر ويتعب وحاله هي حاله، ولسانه هو لسانه!!

 

لم يشرع الله الصيام لتعذيب النفوس، بل هو لتربيتها وتزكيتها ولينها ورقتها، فالقرآن يعلمنا أن الصوم إنما فُرض لنذوق طعم الإيمان ونشعر براحة القلب وسعادة النفس ولذة الحياة وكل ذلك في مراقبة الله والخوف منه، فتقوى الله أعظم كنز يملكه العبد في الدنيا، وليس أشقى والله على وجه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس بالله بتقوى الله.

 

وأيُّ حُسنٍ يزيد على حسن هذه العبادة؛ الصيام، تكسِر الشهوة وتقمع النفس وتُحيي القلب وتُفرحه، وتُزهِّد في الدنيا وشهواتها، وتُرغِّب فيما عند الله، وتُذكّر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أُخِذوا بنصيب من عيشهم فتُعطِّف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكرًا.

 

ومن حِكَمِ الصيام وفوائده أن الإنسان يحفظ وجدانه، ويحفظ جوارحه عن المعاصي، فلا يقربها، حتى يتم بذلك صيامه، وحتى يتعود بعد ذلك على البعد عن هذه المحرمات دائماً.

 

إن الصوم الصحيح هو الذي يدعو صاحبه إلى ترك المحرمات، ويَنبغي للصائم اجتناب المعاصي؛ فهي تجرَح الصوم، وتَنقُصُ الأجْرَ، وذلك مِثل الغِيبة، والنَّميمة، والكذب، والغِشِّ، والسُّخرية من الآخَرين، وسماع المعازف، والنَّظر إلى المحرَّمات، وغير ذلك من أنواع المعاصي والمنكَرات.

 

وبهذا جاءت الأحاديث النبوية، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " قال الله -عز وجل-: كل عمل ابن آدم له إلاّ الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة، فإذا كان يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم" (متفق عليه).

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم " (رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني في الترغيب والترهيب 1/ 625).

 

وعند ابن خزيمة في رواية أخرى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تساب وأنت صائم، فإن سابك أحد فقل: إني صائم، وإن كنت قائماً فاجلس" (وحسنه الألباني).

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رب صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع، ورب صائم قائم ليس له من قيامه إلاّ السهر" (رواه ابن ماجة والنسائي وابن خزيمة والحاكم وقال الألباني: حديث حسن صحيح).

 

وفي لفظ للحديث: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر" (قال الألباني: حديث حسن صحيح، انظر الترغيب والترهيب 1/ 625).

 

ولقد استفاضت أقوال العلماء في شرح هذه الأحاديث، وأوفوها حقها في ذلك، ومن ذلك: قال ابن رجب -رحمه الله-: "كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر، لا يزيد صاحبه إلا بُعداً، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به، لا يورث صاحبه إلا مقتاً ورداً، يا قوم أين آثار الصيام!! أين أنوار القيام!! إن كنت تنوح يا حمام الباني للبين أين شواهد الأحزان!! أجفانك للدموع أم أجفاني، لا تقبل دعوى بلا برهان" انتهى كلامه رحمه الله.

 

وقال النووي -رحمه الله-: "ينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشتم أكثر من غيره، وإلاّ فغير الصائم ينبغي له ذلك أيضاً ويؤمر به في كل حال.. والمراد بالأحاديث السابقة بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الرديء". (المجموع 6 / 398).

 

وقال ابن حزم -رحمه الله-: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرفث والجهل في الصوم، فكان من فعل شيئاً من ذلك عامداً ذاكراً لصومه، لم يصم كما أمر ومن لم يصم كما أمر، فلم يصم، لأنه لم يأت بالصيام الذي أمره الله –تعالى- به، وهو السالم من الرفث والجهل". (المحلى 4/ 305).

 

إن الصيام مدرسة عظيمة، فيها يكتسب الصائمون فضائل جليلة، ويتخلَّصون من خصال ذميمة، يتعودون على ترك المحرمات، ويقلعون عن مقارفة السيئات. كما أنَّه حريٌّ بالصائم الذي امتنع عن المباحات من المفطِّرات، وابتعد عن جميع المحرَّمات، أن يكون دَيدنَه الاشتغالُ بالطاعات، كقراءة القرآن الكريم، وكثرة الذِّكر، والدعاء، والإحسان إلى الآخَرين، وغير ذلك.

 

ومن أجل تذكير المسلمين بحقيقة الصيام وآثاره، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة تبين حقيقة الصيام، وتحذر من الصوم عن الحلال والجرأة على المحرمات، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
العنوان
المفهوم الحقيقي للصيام 2012/08/01 9772 1165 206
المفهوم الحقيقي للصيام

مفهومُ الصيامِ عند بعضٍ من الناس مُجَرَّدُ تركِ الأكلِ والشرب والنساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس... وهذا المفهومُ مفهومٌ قاصرٌ، فإنَّ الشرعَ أمَر بترك تلك المـــَلَذَّات ليكون هذا التَّركُ وسيلةً لغايةٍ نبيلة، وهي تحقيقُ التَّقْوَى في قلبِ المسلمِ المستجيبِ لله ولرسوله، المتمثِّل بأوامره، والمجتنب لنواهيه.

المرفقات

الحقيقي للصيام

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life