الاعتزاز بالعقيدة وتعظيم شأنها في نفوس العباد - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

المسلم على هدى، والكافر في ضلال: فإننا نعبد الإله الحق الخالق الرزاق قيوم السموات والأرض الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وهم يعبدون صنمًا أو بقرة أو فأرًا أو شمسًا أو قمرًا أو عبدًا مثلهم لا يضر ولا ينفع! وهذا هو الضلال الذي ليس بعده ضلال...

 

لو سألت نفسك: ما هي أعظم النعم التي أنعم الله بها عليك قبل أن تولد؟ فما عسى أن تكون إجابتك؟... دعني أجيب عنك فأقول: إن أعظم نعم الله علينا قبل أن نولد هي أن جعلنا من أبوين مسلمين موحدين، فوُلدنا حين وُلدنا فأذَّنوا في أذننا، وأسمعونا من القرآن كلام ربنا، وفي كل يوم خمس مرات نسمع الأذان للصلاة... فنشأنا بين أظهر الموحدين، وتربينا بين جنبات المساجد، وتقلبنا في بلاد المسلمين.

 

فهذه أعظم نعم الله -تعالى- عليَّ وعليك؛ أنه قد جعلنا مسلمين موحدين من غير سابقة فعلناها، في حين قد وُلد غيرنا بين أظهر الكفار فنشأوا كافرين! أقول: أجل النعم أن جعلنا الله من أبوين مسلمين في حين وُلد غيرنا من أبوين كافرين، فهم -وإن وُلدوا على الفطرة- فقد كان بانتظارهم من يهودانهم أو ينصرانهم أو يمجسانهم! فأي نعمة لله -عز وجل- علينا أعظم من ذلك!

 

لكن للأسف فإن كثيرًا ممن ولدوا مسلمين لا يدركون عظمة تلك النعمة التي اختصهم الله بها؛ فهم يتنكرون للإسلام الذي أعزهم الله به، ويخجلون من إظهار شعائره ومن التمسك به، بل ومنهم -عياذًا بالله- من ينظر لغير المسلمين نظرة إعجاب وإكبار وانبهار! فيسير مطأطأ الرأس خلفهم ذيلًا وتبعًا لهم!... فإن قابلت أحدًا من هؤلاء فقل له: ويلك! ويحك! أنت أعز وأنت أكرم وأنت أهدى وأنت أعلم... إن تمسكت بهداك وبدينك وبهدي نبيك -صلى الله عليه وسـلم-.

 

نعم؛ أنت -أيها المسلم- أعز منهم وأكرم على الله منهم... هذا إجمالًا، وأما تفصيلًا: فدعونا نقول:

أولًا: المسلم نهايته الجنة وإن اقترف ذنوبًا، والكافر مخلد في النار مهما فعل من الصالحات: ففي القرآن يقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]، وعن الكافرين قال الله -تعالى-: (أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[التوبة: 17].

 

فكل من يسمع بنبينا محمدًا -صلى الله عليه وسـلم- ثم لا يؤمن به فهو في النار، وهذا ما قاله -صلى الله عليه وسـلم- نفسه، فعن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار"(مسلم).

 

والكافر إذ يدخل النار بكفره فهو يدخلها أيضًا فكاكًا لك أنت أيها المسلم من النار، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم القيامة، دفع الله عز وجل إلى كل مسلم، يهوديًا أو نصرانيًا، فيقول: هذا فكاكك من النار"(مسلم)، وفي لفظ: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار: يهوديًا أو نصرانيًا"(مسلم).

 

وقد اختصر النبي الأمر كله في كلمات فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار"(مسلم).

 

ثانيًا: المسلم على هدى، والكافر في ضلال: فإننا نعبد الإله الحق الخالق الرزاق قيوم السموات والأرض الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وهم يعبدون صنمًا أو بقرة أو فأرًا أو شمسًا أو قمرًا أو عبدًا مثلهم لا يضر ولا ينفع!... وهذا هو الضلال الذي ليس بعده ضلال، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)[الأحقاف: 5-6]، وقال -عز من قائل-: (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)[الحج: 12-13].

 

والخلاصة: أن الله أحبك -أيها المسلم- فهداك للإسلام، وأبغض غيرك فقبض صدره أن يهتدي إلى نور الإيمان: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 125]، وكفاك حين تصل إلى آخر آيات سورة الفاتحة التي تقرأها في كل ركعات صلاتك أن تتذكر قول رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-: "المغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى"(ابن حبان).

 

ثالثًا: المسلمون خير أمم الأرض قاطبة: هذي حقيقة قررها القرآن قائلًا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ثم ذكرها شروطها مواصلًا: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ثم نعى على أهل الكتاب رفضهم للهدى قائلًا: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)[آل عمران: 110]، ثم أكدها رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- حين قال: "أنتم توفون سبعين أمة أنتم أكرمهم على الله -عز وجل- وأفضلهم"(الحاكم).

 

رابعًا: المسلمون هم السابقون، وغيرهم تبع لهم: فإننا وإن أتينا في آخر الزمان، فإننا القادة والسادة والرواد، ليس بكبرٍ ولا لعجب، وإنما بطاعتنا لربنا، يروي أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدًا، والنصارى بعد غد"(متفق عليه).

ثم فضائل أمتنا على سائر الأمم لا تكاد تنقطع.

 

***

 

فاعتز -أخي المسلم- بعقيدتك وبدينك وبإسلامك، أوما يكفيك أنك تعبد الخالق الحي القيوم الرزاق الواحد الأحد، بينما غيرك يعبد من هم أموات غير أحياء، لا يستطيعون جلب نفع ولا دفع ضر! (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)[مريم: 81-82]، فإن رأيت أحدًا منهم فقل لهم مثلما قال إبراهيم -عليه السلام-: (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنبياء: 66 - 67].

 

أخي المسلم: فلترفع رأسك فخرًا بدينك فإنك تعبد إلهًا مشرِّعًا حكمًا حكيمًا عليمًا بكل شيء؛ أعلم بمن خلق وأدرى بمصالحهم وبأحوالهم: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)[الأنعام: 114].

 

أخي المسلم: ألا يدعوك لاستشعار الشرف والعزة أن الله -عز وجل- اصطفاك لتكون من أمة خير الخلق وسيد الأولين والآخرين؟! من الأمة المرحومة المشرفة بنبيها محمد -صلى الله عليه وسلـم-؟!

 

أخي: فليكن لسان حالك:

ومـمـا زادنــي شـرفًا وتـيــهًا *** فكـــدت بأخـمــصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك: يا عبادي *** وأن صــيرت أحـمد لـي نــبـيًا

 

 

***

أخي: ولا يغرنك كثرة المتساقطين المنسلخين المخدوعين المعجبين بالملل الأخرى ممن يعبدون إلهًا زائفًا عاجزًا من دون الله! لا يخدعنك كثرة أموالهم أو زخرفًا ومتاعًا يعيثون فيه عيث البهائم: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ)[آل عمران: 196 - 198].

 

أخي المسلم المعتز بدينه: لا تلتفت إلى المنبهرين بالكافرين المتملقين إياهم؛ فإنهم مرضى القلوب كليلي العقول، لقد قالها الله -سبحانه وتعالى-: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ)[المائدة: 52-53].

 

أخي: واعلم أن المسلم بحق هو من عَلِم عِلْم اليقين، وآمن إيمانًا لا يرتقي إليه شك أن دينه الأعز، وأن إسلامه الحق الذي كل ما سواه ضلال، وأنه -ما استمسك بدينه- الأرقى والأتقى والأعلى فوق كل تابع لدين غير الإسلام: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النساء: 139]، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8]، فليس لأحد من الخلق كرامة ولا عزة ولا هدى إلا للمسلمين.

 

***

 

ثم إن اعترضت عليَّ بواقع زماننا؛ أن الأمة الإسلامية اليوم في ذيل الأمم ذليلة ضعيفة تابعة مغلوبة... أجبتُك: تلك سنة الله في كونه؛ أن المسلم إذا أطاع الله وعمل له وطبق شريعته أعلاه وقدَّمه وأعزه، وإذا فرَّط في دينه وضيَّعه أخزاه وأذله، فالأمر بشرطه: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139]، فلما ضيَّع المسلمون دينهم حلت عليهم الذلة التي لن ترفع عنهم حتى يعتزوا بدينهم ويقيموا شرع ربهم، وما هذه الكلمات الذي سقناها إلا دعوة لتلك العودة ولذلك الاعتزاز، والله من وراء القصد.

 

وفيما يلي باقة من أروع الخطب كلها تدعوا إلى ما ندعو إليه؛ ألا عودوا إلى ربكم! ألا فاعتزوا بدينكم! ألا فاتبعوا أمر نبيكم -صلى الله عليه وسـلم-! وما أراكم إلا مستجيبين لهذه الدعوات، فإليكم:

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
العنوان
الشعور بالعزة 2011/07/26 8099 1685 53
الشعور بالعزة

فبالله عليك ماذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لو رأى قوما من منافقي زماننا يتمسحون ببعض الدول الفاجرة الكافرة، ويزورونهم مجالسين ومعجبين بما عندهم من مناهج، ويرى ذلة إذا سئل عن حجاب المرأة، ويرى تلك المرأة هناك أكمل وأعلى وأعزّ، يرى ذلة إذا سئل عن أحكام في الشريعة كإقامة حَدِّ القتل على القاتل، وقطع يد السارق، وجلد الزاني، ورجم المحصن، وشارب الخمر، فإذا سئل عنها شعر بذلة ..

المرفقات

بالعزة

المرفقات
بوست027-2-الاعتزاز-بالعقيدة-وتعظيم-شأنها-في-نفوس-العباد-01.jpg
بوست027-2-الاعتزاز-بالعقيدة-وتعظيم-شأنها-في-نفوس-العباد-02.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life