فراغك قبل شغلك – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

فيا من تضيع أوقات فراغك، سيكر عليك الزمان سارقًا ساعاتك منك، ثم سارقًا أيامك ولياليك، ثم سارقًا عمرك كله... يا من لا تعرف قيمة نعمة الفراغ: سيبدل الزمان شبابك هرمًا وصحتك سقمًا ووسامتك تغضنًا وشيخوخة... فهذا أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "ابن آدم: طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك...

لو أن رجلًا جلس على حافة سفينة تمخر عباب المحيط الهادي، وفي حجره من قطع الذهب وحبات اللؤلؤ الكثير، وهو ينثر هذا المال في مياه المحيط ويلقي به وسط الأمواج المتلاطمة حتى يفنيه؟! أيُعَدُّ مثل هذا الرجل من العقلاء؟!... إن الإجابة: كلا، ليس من العقلاء أبدًا، بل هو من الحمقى؛ فإن العاقل يحفظ ماله ولا يضيعه هباءً.

 

لكن ماذا لو أخبرتك أن كثيرًا من البشر يفعلون ذلك كل يوم، ولا ينهاهم أحد إلا من رحم ربك، ولا يتندمون هم على ما يصنعون! نعم، إن كثيرًا من الناس اليوم يبددون ما هو أغلى وأثمن من الذهب؛ إنهم يضيعون أوقاتهم التي هي في الحقيقة أعمارهم، أعطاهم الجليل -جل وعلا- عمرًا محدودًا ووقتًا معدودًا، فبدلًا من أن يستثمروه ويحفظوه، إذا بهم يفرطون به ولا يكترثون! وصدق أبو بكر بن عياش حين قال: "أحدهم لو سقط منه درهم لظل يومه يقول: إنا لله! ذهب درهمي، وهو يذهب يومه ولا يقول: ذهب يومي ما عملت فيه"(حفظ العمر، لابن الجوزي).

 

لكن رسولنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- انتبه إلى ذلك وحذَّرنا منه قائلًا: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"(رواه البخاري)، يقول بن الجوزي: "قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون"(فتح الباري، لابن حجر)

 

فيا من تضيع أوقات فراغك، سيمر عليك الزمان سارقًا ساعاتك منك، ثم سارقًا أيامك ولياليك، ثم سارقًا عمرك كله... يا من لا تعرف قيمة نعمة الفراغ: سيبدل الزمان شبابك هرمًا وصحتك سقمًا ووسامتك تغضنًا وشيخوخة... فهذا أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "ابن آدم: طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم: إنما أنت أيام؛ فكلما ذهب يوم ذهب بعضك، ابن آدم: إنك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك أمك"(رواه البيهقي في الزهد الكبير).

 

ولو أنك رأيت الناس كيف يبددون أوقات فراغهم في لعب ولهو أو في معصية ومجون أو في دعة وخمول، لصرخت مثلما صرخ بلال بن سعد حين قال: "رب مسرور مغبون ولا يشعر، يأكل ويشرب ويضحك، وقد حق له في كتاب الله أنه من وقود النار"(رواه أحمد في الزهد)، وصدق بلال؛ فإن "النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل"( الوابل الصيب، لابن القيم)؛ فيعيش المرء لاهيًا في غفلة، ثم يموت بعد أن ضيَّع العمر في حسرة -والعياذ بالله-! وهذا عين ما حذرنا منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"(رواه الحاكم، وصححه الألباني).

 

***

 

ولرب شاب قوي فتي ينادي علينا من بعيد، عندي الفراغ وعندي القوة والفتوة؛ لكني لا أعلم كيف أستثمرهما؟ ولمثل هذا نقول:

أولًا: تَعَلَّمْ: اسع في طلب العلم، فلقد قال الله -تعالى- لمعلمنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نفسه: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، وهو خير ما أنفقت فيه وقتك وقضيت فيه فراغك:

فكابد إلى أن تبلغ النفس عذرها *** وكن في اقتباس العلم طلاع أنجد

ولا يذهبن العمر منك سبهللا *** ولا تغبنن في النعمتين بل اجهد

 

ثانيًا: ابرع فيما تُحسِن: طوِّر نفسك في مجالك وفي تخصصك، حتى إن كان ما تحسنه هي هواية مباحة فمارسها وأتقنها واستخدمها فيما يرضي ربك ويعود عليك بالنفع ما استطعت، لكن لا تجلس فارغًا أبدًا فيسترجك الشيطان إلى مقارفة المعاصي، ولقد كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: إني لأبغض الرجل فارغًا لا في عمل دنيا ولا في عمل الآخرة"(الآداب الشرعية، لابن مفلح).

 

ثالثًا: اتخذ لنفسك خلًا وفيًا صالحًا: من الذين يدلونك على الخير، ويبعدونك عن الشر، فإنه سيدلك كيف تستغل عمرك:

وخالط إذا خالطت كل موفق *** من العلماء أهل التقى والتسدد

يفيدك من علم وينهاك عن هوى *** فصاحبه تهد من هداه وترشد

 

رابعًا: خذ من كل شيء أفضله: فمن التلفاز عليك بالقنوات الإسلامية والبرامج المفيدة، ومن الانترنت عليك بالمواقع الدينية الطاهرة، ومن الأماكن عليك بالعكوف في المساجد فإنها خير بقاع الأرض، ومن الكتب عليك بالقرآن الكريم فاجعله رفيقك، وعليك بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ككتاب "رياض الصالحين" -مثلًا- فاجعله صاحبك وأنيسك، ثم كتب العلم الشرعي لا تخل يدك من كتاب منها...

 

خامسًا: صُنْ وقتك بالعبادة: فإنه ما ضاعت ليلة وقفت فيها بين يدي الله -تعالى-، وما ضاعت ساعة ذكرت فيها ربك، وما ضاع يوم وصلت فيه رحمك أو ختمت فيه القرآن الكريم... بل هي خير ما تدخر لنفسك.

 

سادسًا: احرص على أمر دنياك: فقد أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"(رواه مسلم)؛ فلا تكن عالة على غيرك وإن كان غنيًا، بل اخرج إلى العمل لتقوت نفسك، ولقد رأى الصحابة -رضي الله عنهم- شابًا فأعجبهم جلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله: لو كان هذا في سبيل الله؟، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان"(رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني).

 

سابعًا: كن إلى الله داعيًا: فانقل إلى الناس كل شيء تتعلمه، وليكن همُّك أن تنفع غيرك وترشده وتدله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"(رواه مسلم)، فإن فعلت كان أحسن ما استثمرت به فراغك، وملأت به صحف أعمالك، وقضيت فيه عمرك.

 

وقد جمعنا هاهنا خطبًا بليغة تناقش هذه القضية الخطيرة؛ قضية "الفراغ"، فتؤصل وتبين وتفصِّل، فدونك: 

 

 

العنوان

الفراغ بين النعمة والنقمة

2017/10/24 7819 278 3

وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل أن يكون فارغًا، لا هو في أمر دينه، ولا هو في أمر دنياه، وهنا تنقلب نعمة الفراغ نقمة على صاحبها رجل كان أو امرأة، ولهذا قيل: الفراغ للرجال غفلة وللنساء غُلمة، أي محرِّك للغريزة، والتفكير في أمر الشهوة، ويشتد خطر الفراغ إذا اجتمع مع الفراغ الشباب الذي يتميز بقوة الغريزة وربما القدرة المالية التي تمكِّن الإنسان من تحصيل ما يشتهي...

المرفقات

الفراغ بين النعمة والنقمة


العنوان

نعمة الفراغ

2016/11/29 2439 316 5

من النعم العظيمة التي امتنَّ الله -سبحانه وتعالى- وأنعم بها على الناس نعمة "الفراغ".. حقًّا إنها نعمة، وحقًّا إن كثيرًا من الناس قد غبنوا في هذه النعمة، فلم ينالوا حظهم ونصيبهم منها، ولم يستفيدوا ولم ينتفعوا منها، ولا يدرك قدر هذه النعمة إلا من ازدحمت أوقاته، وعظمت مشاغله حتى صار يتمنى الساعة الواحدة لينجز فيها عملاً لم يتمكن من إنجازه لضيق وقته، فضلاً عن أن يجد ساعة يرتاح فيها من عناء مشاغله ومهامه.

المرفقات

الفراغ


العنوان

كيف تمضي وقت فراغك؟ (1)

2018/07/24 2119 345 2

إن الوقت هو حياة الإنسان وعمره الذي هو أنفاس تتردد وتتعدد، وآماله التي تضيع إن لم تتحدد، فدقات قلب المرء في صدره تُشعره في كل لحظة بأن الحياة دقائق وثوانٍ تمر به متواليةً متتابعةً في "ساعات وأيام"، و"شهور وأعوام"، كلما ذهب منها شيء ذهب...

المرفقات

كيف تمضي وقت فراغك؟ (1)


العنوان

الإجازة والفراغ

2024/07/09 471 195 5

ومن الظواهر السلبية في الإجازات عند البعض، والتي ينبغي أن نتجنبها: السهر المتواصل، والنوم الطويل المضيع للصلوات، والجلوس الطويل أمام التلفاز، أو شبكات المعلومات والهواتف وبرامج التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية...

المرفقات

الإجازة والفراغ.doc

الإجازة والفراغ.pdf


العنوان

تنظيم الحياة يبارك فيها

2021/11/03 3070 560 0

من تأمل شريعة الله وجدها منظمة ومرسومة على ضوء خطة واضحة، فالصلاة فرضت في أوقات محددة، والزكاة فرضة بأنصبة دقيقة، ووقت لها، وقت لإخراجها، ومثلها رمضان في شهر محدد، وفي ساعات محددة، وكذلك الحج رسم على وفق مناسك مرتبة، فدين الله كله منظم لا يعرف الفوضوية، ومن تأمل حياة...

المرفقات

تنظيم الحياة يبارك فيها.pdf

تنظيم الحياة يبارك فيها.doc


العنوان

الفرصةَ الفرصةَ

2021/06/30 2469 699 18

كم من شاب أو شابةٍ أضاع شبابه في أودية اللهو واللعب، يرعى فيها شهواته، ويَسُوْم في أنحائها نزواتِه، يتتبع مساقط الهوى حيث كانت، ليتضلع من حمأتها ثِقلاً عن الطاعة، وكرهًا لها، وبعداً عن أهلها...

المرفقات

الفرصةَ الفرصةَ.pdf

الفرصةَ الفرصةَ.doc


العنوان

قِيمَةُ الْوَقْتِ وَالزَّمَنِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِم

2021/06/07 9644 1115 56

وَلَقَدْ فَرَّطَ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ فِي أَوْقَاتِهِمْ؛ بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ عَدَمِ إِدْرَاكِهِ لِقِيمَةِ الْوَقْتِ، وَبَعْضُهُمْ بِسَبَبِ التَّكَاسُلِ وَالتَّسْوِيفِ, وَهُمَا سِلَاحَانِ قَاتِلَانِ لِأَوْقَاتِ النّاسِ، وَبَعْضُهُمْ بِسَبَبِ الصُّحْبَةِ السَّيِّئَةِ؛ فَالرَّفْقَةُ السَّيِّئَةُ تَعْمَلُ عَلَى قَتْلِ دِينِ وَأَخْلَاقِ وَأوْقَاتِ أَصْحَابِهِمْ...

المرفقات

قِيمَةُ الْوَقْتِ وَالزَّمَنِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِم.pdf

قِيمَةُ الْوَقْتِ وَالزَّمَنِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِم.doc


العنوان

فراغ الصيف وزاد المسافر

2021/05/26 1819 323 10

إن الصيف فرصة من فرص العمر للشباب والنشء لاستغلاله في النشاط المعرفي والاجتماعي، والترويح المباح، وذلك بتوجيههم نحو البرامج النافعة، التي تنمّي الفكر كحفظ القرآن الكريم، وتجويده، ومراجعته، والنظر في الأحاديث والسيرة النبوية، والقراءة النافعة، فهي كفيلة بأن تُنْضِج عقولهم، فمن المهم توفير وسائل القراءة المفيدة، مع الترغيب والتشجيع، وعندها سيرى المرء ما يَسُرّه من ذكاء متوقّد، وعمل نافع.

المرفقات

فراغ الصيف وزاد المسافر.doc


العنوان

الصحة والفراغ

2021/05/26 2582 433 8

ألا ما أعظمها من مخاطِرَ تتورَدُ على الشابِ والفتاةِ في أوقاتِ فراغِهِما. وفي عصر التواصُل التقَنيِّ والثورات المعلوماتية، والانفتاحِ الأُمَمي، والغزوِّ الثقافي، والانحطاطِ الأخلاقي، والضعفِّ العلمي والإيماني أجراسُ الخطرِ تُدَقُّ في كُلِّ حين، شبابٌ وفتياتٌ يواجهونَ أشرسَ المؤامرات وأخطرها فلا الحواجزُ تحمي، ولا الحدودُ تَقي. سمومُ شهواتٍ مستعرةٍ، أو شبهاتٍ مُدَمِّرة..

المرفقات

الصحة والفراغ.doc


العنوان

أنفاس لا تعود

2021/05/23 3607 416 16

العَبْدُ مِنْ حِيْنِ اسْتَقَرَّتْ قَدَمُهُ في هذهِ الدَّارِ فَهُوَ مُسَافِرٌ إلى ربِّه؛ ومُدَّةُ سَفَرِهِ هي عُمُرُه وَوَقْتُهُ الذي كُتِبَ لَه! قال الحَسَن: "ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ؛ كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ، ذَهَبَ بَعْضُكَ...

المرفقات

أنفاس لا تعود.doc


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات