الهم والحزن - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2024-02-14 - 1445/08/04
التصنيفات:

اقتباس

أنه -صلى الله عليه وسلم- قد خرج من همومه الشخصية إلى هموم دينه ودعوته، قد خرج من هموم دنياه إلى هموم آخرته، قد رأى هموم الدنيا وأحزانها على حقيقتها؛ صغيرة زائلة تافهة... ثم رأى الباقي والخالد والثمين هو أمر دينه ودعوته وآخرته...

يا له من رجل مبتلى، مات له ستة من الأولاد واحدًا تلو الآخر في حياته وأمام عينيه وبين يديه، وماتت زوجته الوفية الحنونة التي كانت له سندًا وحضنًا دافئًا، واضطهده جيرانه وأهل بلده وسبوه وعايروه وآذوه حتى لقد حاولوا مرارًا أن يقتلوه، ثم من مسكنه ومن بلده طردوه، ثم لم يتركوه إذ ذهب عنهم بل تبعوه وهاجموه وبكل وسيلة حاربوه... أتدري من هو؟ إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمع أنه أشرف الخلق وأكرمهم على الله -تعالى- لم يسلم من مصائب الدنيا وابتلاءاتها.

 

وممن عانى من كثرة حوادث الدنيا ذلك الشعر الذي يقول:

رماني الدهر بالأرزاء حتى *** فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام *** تكسرت النصال على النصال

 

فهكذا هو حال الدنيا؛ دار بلاء ومحن، وصدق القائل:

طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار

ومكلّف الأيام ضدّ طباعها *** متطلِّب في الماء جذوة نار

وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هار

 

فأجارك الله من هَمٍّ أن يحتويك، ومن غم أن يعرف طريقك؛ فإن الهم مقتلة الرجال وقاطعها عن العمل، وسادًّا في وجههم بال الأمل.

 

والهم يخترم الجسيم نحافة *** ويشيب ناصية الصبي ويهرم

 

***

 

ولكن العجيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رغم كل ما أحاط به من أسباب للهموم والأحزان -والتي أشرنا إلى بعضها- إلا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان دائمًا منشرح الصدر قرير العين مطمئن القلب هادئ البال غزير الحلم موفور السعادة، فكأنه لا يكترث بكل تلك المصائب! والسؤال: كيف، ولماذا؟

 

ونستطيع في الإجابة عن هذا السؤال أن نتكلم كثيرًا ونفصِّل تفصيلًا، لكننا لن نفعل ذلك، بل سنجمل إجابتنا في نقطتين اثنتين:

النقطة الأولى: أنه -صلى الله عليه وسلم- قد خرج من همومه الشخصية إلى همومه الدينية والدعوية، قد خرج من هموم دنياه إلى هموم آخرته، قد رأى هموم الدنيا وأحزانها على حقيقتها؛ صغيرة زائلة تافهة... ثم رأى الباقي والخالد والثمين هو أمر دينه ودعوته وآخرته.

 

ومن شدة حمله -صلى الله عليه وسلم- لهذا الهم؛ هَمّ دعوته، عاتبه ربه -عز وجل- مرة ومرة ومرة، فأما الأولى فتقول: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف: 7]، والثانية: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)[الشعراء: 3]؛ أي: لعلك قاتل نفسك ومهلكها؛ حزنًا لأنهم لم يؤمنوا بهذا القرآن، والثالثة: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)[فاطر: 8]؛ "أي: فلا تهلك نفسك حزنًا على ضلالهم وعدم اتباعهم لك"(تفسير القاسمي).

 

وهذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحمل نفس الهم فيقول: "والله ما نمت فحلمت، ولا شبهت فتوهمت، وإني على طريقي ما زغت"(تاريخ المدينة لابن شبة)... وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان ينعس وهو جالس، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إلا تنام؟ فقال: "كيف أنام؟! إن نمت بالنهار، ضيّعت حقوق الناس، وان نمت بالليل ضيّعت حظي من الله"(بحر الدموع، لابن الجوزي).

 

فلنسأل نحن أنفسنا الآن: ما هو الهم الذي ينبغي لنا أن نحمله؟

 

***

 

لكن يا تُرى ماذا يصنع المسلم إذا ما اجتمعت عليه الهموم، وأحاطت به من كل صوب الغموم، وتكالبت عليه الخطوب، وضاقت في وجهه الدروب، وانسدت في عينه السبل، فأسره الحزن رغم أنفه، وحل عليه الهم مجبرًا غير مختار؟... وما هو دواء الهموم والغموم والأحزان؟

نجيب: أولًا: الوقاية خير من العلاج: والوقاية هنا تكون بالاستعاذة، تمامًا كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان دائمًا وأبدًا يستعيذ بالله من الهم والحرن، فعن أنس بن مالك، يقول: ...كنت أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال"(متفق عليه)، وفي لفظ للنسائي يقول أنس: " كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعوات لا يدعهن كان يقول" ثم ذكره.

 

وثانيًا: الدعاء: فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما قال عبد قط، إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحًا"، قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات؟ قال: "أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن"(رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

 

وثالثًا: قراءة القرآن: ألم يقل الله -عز وجل-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء: 82]، وقال -تعالى- عن القرآن أيضًا: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)[فصلت: 44]، وقال -عز من قائل-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57].

 

ورابعًا: فعل الطاعات واجتناب المعاصي: فليست مصائب الدنيا وحدها هي سبب الهموم والأحزان، وإنما قد يكون الهم والحزن عقوبة على الذنب، ودواء الذنوب التوبة، ولقد قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن الرجل ليعمل الحسنة فتكون نورًا في قلبه وقوة في بدنه، وإن الرجل ليعمل السيئة فتكون ظلمة في قلبه ووهنًا في بدنه"(أورده ابن أبي شيبة في مصنفه).

 

وخامسًا: اليقين أن الهم والغم من مكفرات السيئات، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"(متفق عليه)، فمن علم ذلك حمد الله -تعالى- وشكره على كل غم وهَمٍّ يصيبه.

 

وفيما يلي من خطب منتقاة سوف يجد المتصفح -إن شاء الله- سبلًا أخرى لدفع الهم والحزن.

العنوان

إلى كل مهموم

2017/04/26 9325 225 159

أخي المكروبُ .. الدنيا مليئةٌ بالمصائبِ والابتلاءاتِ، فمن مِنَّا لم يخالجُه همٌّ ولا حُزنٌ، فلا مَفرَ من الهمومِ والغمومِ، ولكن لا تنسَ أن ما أصابَك هو تكفيرٌ لذنوبِك ورفعٌ لدرجاتِك، فربُّنا عزَّ وجلَّ إذا أحبَّ عبداً ابتلاه، وما ابتلاهُ إلا ليسمعَ تضرعَه وشَكواه، فيا من تقطعتْ به الأسبابُ، وأُغلقتْ في وجهِه الأبوابُ، اقرعْ أبوابَ السَّماءِ، وألحَّ على اللهِ بالدُّعاءِ، بُثَّ إليه شكواكَ، وأحسنْ الظنَّ بمولاك، فما خابَ من رجاهُ، ولا رُدَّ من دعاهُ، فمَنْ لنا غيرَ اللهِ جلَّ جلالُه نستأنسُ بنجواه، فناجِ ربَّك في الأسحارِ، وانكسرْ بين يدي العزيزِ الغفارِ، وأبشر بانفراجِ الهمِّ والخيرِ المدرارِ.

المرفقات

كل مهموم


العنوان

الهم: أسبابه وعلاجه

2023/02/18 1325 470 9

فلْيَتَذَكَّرِ المسلمُ بأنَّ المُستقبلَ بِيَدِ اللهِ وحدِه، وعليه أن لا يُعايِشَ في يومِه هُمُومَ غَدٍ، فقد لا تَجِيءُ أبدًا، وهناك أذكارٌ وأدعيةٌ عَلَّمَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ الكرام؛ لِيُرَدِّدوها حالَ نُزولِ الهُمومِ والكُروب، وهي كثيرةٌ ومتنوِّعة...

المرفقات

الهم أسبابه وعلاجه.pdf

الهم أسبابه وعلاجه.doc


العنوان

الهم والحزن

2019/02/18 4098 396 18

أيها المسلمون: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يستعيذ بالله من الهم والحزن, وما ذاك إلا لِعِظَم خطرهما على العبد في أمور دينه ودنياه. وليس المقصود بالهَمِّ: هَمُّ الآخرة, وَهَمُّ الدين والدعوة، ونصرة الإسلام. فإن هذا الهم علامة على حياة القلب، وعلو الهِمَّة، وقوة الإيمان. وليس المقصود...

المرفقات

الهم والحزن


العنوان

اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن

2013/02/26 12704 1233 255

لا فَرَحَ لِلعَبدِ وَإِن نَالَ شَهَوَاتِهِ وَحَصَّلَ مَلَذَّاتِهِ وَهُوَ غَافِلٌ عَن أَمرِ آخِرَتِهِ، وَلا حُزنَ لَهُ وَاللهُ مَعَهُ وَإِن قَلَّ مَا في يَدِهِ، وَإِنَّمَا الحُزنُ لِمَن فَاتَهُ اللهُ، وَتَخَلَّى عَنهُ مَولاهُ، وَإِن جَمَعَ الدُّنيَا وَحَازَهَا بِحَذَافِيرِهَا، قَالَ... وَإِنَّ نَظرَةً فَاحِصَةً في هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ الَّتي كَانَ يَرفَعُهَا أَفقَهُ النَّاسِ وَأَعلَمُهُم -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- لَتُعطِي...

المرفقات

إني أعوذ بك من الهمّ والحزن


العنوان

الهم والحزن والاكتئاب

2014/03/13 22516 804 44

يبدأ المرض بالمسلم بالذات بالهروب من الصلة بالله -جل وعلا-، والابتعاد عن الناس الصالحين الطيبين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وإن صلى هذا الإنسان فلا يصلى إلا في الجمع أو في الأعياد، وربما قطع الصلة بينه وبين الله -سبحانه وتعالى-، خاتمة هذا هروب من الواقع المظلم، إنه مرض الحزن والهم والاكتئاب، وهو غاية الحزن والهم، فإذا اشتد بالإنسان الهم والحزن فإنه يتحول إلى اكتئاب.

المرفقات

والحزن والاكتئاب


العنوان

دفع الهم

2021/03/08 2470 486 12

وَالْتَفِتْ يَمنَةً تَرَ مُهمِلاً بَيتَهُ مُقَصِّرًا في تَربِيَةِ مَن تَحتَ يَدِهِ، وَتَأَمَّلْ تَجِدْ مَن هُوَ خَائِنٌ أَمَانَتَهُ مُقَصِّرٌ في وَظِيفَتِهِ، مُستَوفٍ الأَجرَ غَيرُ مُتقِنٍ لِلعَمَلِ، وَمَن هُوَ مُرتَشٍ أَو غَاشٌّ، وَكَم تَرَى مِن...

المرفقات

دفع الهم.doc


العنوان

يا صاحب الهم

2019/02/05 5502 379 11

كُلُّ ضَعِيفٍ يَحتَاجُ إلى قَوِيٍّ أن يَكُونَ بِجَانِبِهِ, وكُلُّ فَقِيرٍ يَحتَاجُ إلى غَنِيٍّ أن يَكُونَ بِجَانِبِهِ, وكُلُّ ذَلِيلٍ يَحتَاجُ إلى عَزِيزٍ أن يَكُونَ بِجَانِبِهِ, وهل هُنَاكَ قَوِيٌّ وغَنِيٌّ وعَزِيزٌ على الإطلاقِ غَيرُ...

المرفقات

يا صاحب الهم


العنوان

الهم والحزن والغم والكرب

2019/01/31 12733 525 28

إن أكدار الدنيا من غموم وهموم وأحزان يصاب بها العباد على اختلاف طبقاتهم من مسلم وكافر, وطائع وفاجر, لكن للمسلم عند نزول الهموم به ما ليس لغيره من أهل الأرض, فهو يملك ما يواجه به...

المرفقات

الهم والحزن والغم والكرب


العنوان

لماذا الهم؟

2018/11/21 4018 424 22

لِمَاذَا الْهَمُّ وَالْحُزْنُ يَا عَبْدَ اللهِ وَأَنْتَ تَحْمِلُ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ لِطَرْدِ الْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالْحُزْنِ؟! أَلَا وَهُوَ قُوَّةُ التَّوْحِيدِ، وَتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، فَاللهُ هُوَ الَّذِي يَجْلِبُ النَّفْعَ وَيَدْفَعُ الضُّرَّ، لاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، عَدْلٌ فِي قَضَائِهِ، يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ، وَيَمْنَعُ عَمَّنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.

المرفقات

لماذا الهم؟


العنوان

علام الهم إذن؟

2016/04/16 5942 479 22

ارفع أكف الضراعة إليه، والله نعرفه ما أحناه! نعرفه ما أكرمه! أرحم بك من أمك! وأقرب بك من نفسك! ما في أجل من الله، ولا أكرم من الله، ولا أعطى سرعة من الله، يجيب الدعاء، ويجيب النداء، ويكشف البلاء، سبحانه رب الأرض والسماء، فتعرفوا عليه في...

المرفقات

الهم إذن؟


العنوان

إسعاف الكلم بعلاج الهم والغم

2014/07/31 6785 547 19

الإيمان الصحيح سبب للحياة الطيبة والراحة النفسية، ولهذا ترى كثيرًا من الكفار وضعفاء الإيمان يصابون بالانهيار، أو يُقْدمون على الانتحار للتخلص من الكآبة والحبوط واليأس والقنوط، فكم ملئت المستشفيات من أمراض الانهيارات العصبية والصدمات النفسية والاختلاطات العقلية..

المرفقات

الكلم بعلاج الهم والغم


العنوان

الهم والحزن

2021/08/04 4045 816 8

الهم والحزن يُضْعِف البدن، ويُوهِن القلب، وقد يَجْلب الأمراض، والهم له آثار ضارة على البدن، قال الحافظ ابن حبان -رحمه الله-: "لا ينبغي للعاقل أن يحزن؛ لأن الحزن لا يرد المصيبة، ودوام الحزن يُنْقِص العقل".

المرفقات

الهم والحزن.doc

الهم والحزن.pdf


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات