اقتباس
والخير والنماء والأمان في إقامة حدود الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حد يعمل به في الأرض، خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا"...
يقول الذين لا يعلمون: "إن الحدود الشرعية قسوة ووحشية وتخلف وهمجية؛ ففيها تُقطع الأيدي والأرجل، وتقذف النساء مع الرجال بالأحجار فتزهق الأرواح البشرية!".
ونقول لهم: قولكم هذا علامة جهلكم وقصور عقولكم، فهلما معنا نطلعكم على بعض من الحِكم الربانية في هذه الحدود الشرعية:
أولًا: الحدود غاية الرحمة بالعباد: لأنها تحفظ الأنفس والأعراض والأموال.. فهو دين يخيف اللصوص بحد السرقة لئلا يسرقوا مالي، ويخيف الفساق بحد الزنا لئلا ينتهكوا أعراض محارمي، ويخيف قطاع الطرق بحد الحرابة ليوفر لي الأمان في أسفاري... أليس هذه غاية الرحمة!
والمؤمن يثق في رحمة الله -تعالى- بلا قيد أو شرط، فكل شرعة حكمة ورحمة وخير للعالمين: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[البقرة: 143]، وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟"، قلنا: لا، والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"(متفق عليه).
ثانيًا: إن في قوانين الغرب عقوبات أشد لجرائم أقل: فعندهم عقوبة الإعدام على عدد من الجرائم كالخيانة العظمى وغيرها، فلما يشنعون على الإسلام إذن!.
ثالثًا: دعونا نتساءل: ومن الذي يخاف من الحدود الشرعية؟ أليس اللصوص والزناة وشاربو الخمور وقطاع الطرق والمفسدون!؟... إذن ألا تكتب في فضائل الإسلام أنه يمنع الرعاع والفساق أمثال هؤلاء من إفساد طهارة المجتمع وتعكير صفوه؟!
رابعًا: أن المنتقد للحدود الشرعية إنما يراعي جانب المجرمين الأفاكين، ولا يراعي جانب المجتمع كله، فيقدم مصلحة المجرم على مصالح المجتمع! ولو عاين اللص -مثلًا- وهو يخفي وجهه ويسير في الظلام ويستغل غفلته بالليل ونومه فينقب عليه جدار منزله أو يكسر عليه نافذته فيُفزع أولاده وأهله ويسرق ماله الذي كد في تحصيله، ثم هو على استعداد كامل لقتل كل من يكتشف أمره... لو تخيل ذلك لما أخذته به شفقة ولا رحمة، بل لطالب بقتله صبرًا مائة مرة.
خامسًا: أن المتأمل في الحدود الشرعية يجد الغرض منها ليس تقطيع الأيدي وإزهاق الأنفس، كلا بل الغرض منها التخويف للزجر، ومنع الجريمة قبل وقوعها، وجعل من طبقت عليه هذه العقوبة عبرة لمن تسول له نفسه المساس بأمن وأعراض وأموال وحياة الآخرين، وصدق الشاعر:
فقسا ليزدجروا، ومن يك حازمًا *** فليقس أحيانًا على منْ يرحم
سادسًا: أن الإسلام يعذر إلى الناس قبل تطبيق العقوبة عليهم، ويسقط الحد عند العذر القاهر، كما فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما عطَّل حد السرقة عام المجاعة، أخذًا من قول الله -عز وجل-: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 3].
***
ويتحتم علينا هنا أن نبين جزاء من عطَّل حدًا من حدود الله -عز وجل- عنادًا واستكبارًا واستخفافًا، فبداية نقول: إن الحدود الشرعية ثابتة بالقرآن والسنة الصحيحة، فمنكرها منكر لمعلوم من الدين بالضرورة.
فعن حد السرقة يقول الله -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[المائدة: 38]، وعن حد الزنا يقول -عز من قائل-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[النور: 2].
وعن رجم المحصن يروي جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- فيقول: "أن رجلا من أسلم، أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم، وكان قد أحصن"(رواه البخاري).
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال وهو جالس على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف"(متفق عليه).
وعن حد الحرابة يقول -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة: 33]، وعن حد القذف يقول -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 4].
أما حد شرب الخمر، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- "أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- جلد في الخمر بالجريد، والنعال"، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف والقرى، قال: "ما ترون في جلد الخمر؟" فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: "فجلد عمر ثمانين"(متفق عليه).
***
وتعطيل الحدود الشرعية من الكبائر المهلكات، فعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله"(رواه أبو داود)، وقد غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أراد أسامة أن يشفع في المرأة المخزومية وقال: "أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(متفق عليه).
والخير والنماء والأمان في إقامة حدود الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حد يعمل به في الأرض، خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا"(رواه النسائي وابن ماجه).
وهي -أيضًا- كفارة لصاحبها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه"(رواه البخاري).
***
ولعلمنا أن هذا الموضوع يحتاج لبسط أكثر وبيانا أكبر جمعنا لكم معشر الخطباء والدعاة إلى الله من ملتقى الخطباء بعضًا من الخطب التي تحدثت ببسط أكثر حول هذا الموضوع المهم فعلها تكون خطوة نحو إقامة حدود الله على أرض الله.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم