مولد الهادي البشير والقمر المنير محمد صلى الله عليه وسلم - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

لقد كان مولد الحبيب -صلوات ربي وسلامه عليه- بشارة لبزوغ فجر جديد يحمل في طياته النور المبين والحق المتين؛ فجر مؤذن بزوال الشرك والكفر وسبيل المبطلين، وإرساء توحيد رب العالمين...

 مات عبدالله بن عبدالمطلب أبُ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تاركاً خلفة زوجته آمنة بنت وهب القرشية وهي حامل بمحمد -صلى الله عليه وسلم- مولودها البكر والأول والأخير، ولم تكن تعلم وقتها أنها تحمل أكرم مخلوق وأعظم إنسان، وكان حملها له حملا طبيعيا كباقي نساء العالمين؛ حيث عاش الجنين المنير في القرار المكين؛ حتى قضى أجله، وأتم عمره، ثم وضعته أمه ولم تكن تعلم أنها وضعت طفلاً؛ ليس ككل الأطفال، بل طفلاً سيغير الله به مجرى الحياة الفكرية والاجتماعية والسلوكية.   ففي صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، للعام الأول من حادثة الفيل، الموافق للعشرين من أبريل من سنة 571 م، ولد خير البرية وإمام البشرية بمكة المكرمة في شعبة من شعب بني هاشم والمعروفة بشعب أبي طالب، يتيم الأب، كانت ولادة آمنة بنت وهب لغلامها (محمد -صلى الله عليه وسلم-) ولادة طبيعية، ولم يصح مما نقل وما يتداوله بعض الناس ويعرضونه للآخرين؛ كالقصص المكذوبة مما قيل أنه حصل لأمه حال ولادتها ووقت وضعها؛ إلا ما جاء في حديث العرباض ابن سارية، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وأن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين -صلوات الله عليهم-" (رواه الحاكم وصححه).   فلما وضعت آمنة بنت وهب النور البشري إلى دنيا البشرية أرسلت إلى جده تبشره؛ فجاءها مستبشراً فحمله ودخل به إلى الكعبة، ودعا اللَّه وشكر له، واختار له اسم (محمد)، ولم يكن هذا الاسم معروفاً في العرب، وختنه يوم سابعه، كما كان العرب يفعلون، وأول من أرضعته من المراضع بعد أمه -صلى الله عليه وسلم- ثويبة مولاة أبي لهب.   وبمولده امتلأ الكون ضياء وبهجة وسرورا، وحق للكون كله أن يبتهج بمولد نبي الرحمة ومجيء معلم الحكمة، وأشرف خلقه من ملائكته وإنسه وجِنه؛ فقد كسى الأرض جمالا ويمنحها رونقا وبهاء؛ إنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر -صلوات ربي وسلامه عليه-. ولله در الشاعر حين قال بمقدم الهادي البشير والقمر المنير: ولد الهدى فالكائنات ضياء****وفم الزمان تبسم وثناء الروح والملأ الملائك حوله **** للدين والدنيا به بشراء والعرش يزهو والحظيرة تزدهي****والمنتهى والسدرة العصماء وحديقة الفرقان ضاحكة الربا****بالترجمان شذية غناء والوحي يقطر سلسلا من سلسل****واللوح والقلم البديع رواء نظمت أسامي الرسل فهي صحيفة ****في اللوح واسم محمد طغراء اسم الجلالة في بديع حروفه****ألف هنالك واسم طه الباء يا خير من جاء الوجود تحية ****من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا   وإن مما جعل الفرحة تعظم بمولد هذا النور ما حصل قبل مولده وبعده من الارهاصات والدلالات التي تنبئ بأن هذا ليس حدثاً سهلاً ولا أمراً عابراً؛ بل حدث عظيم ومولد مبارك يجري الله -تعالى- به على الدنيا متغيرات عظيمة وتحولات جسيمة، ومن تلك الارهاصات التي زامنت ولادته -صلى الله عليه وسلم- ما يلي: علم أهل الكتاب من اليهود والنصارى والذي عرفوه من كتبهم وسمعوه من أنبيائهم أن الزمان الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو زمان خروج نبي عربي اسمه أحمد، قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 146].   وكذلك ما حصل عند ولادته من انشقاق طاق كسرى، وسقوط 14 شُفرة من إيوان كسرى.   ومن تلك الدلائل -أيضا-؛ ظهور نور أضاء على أرض الشام عندما كان في حضن والدته؛ روى الطبراني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ورأت أمي في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام" (حسنه الألباني في صحيح الجامع).   ومن تلك الارهاصات والدلائل: وجود معالم النبوة عليه، وكذلك وجود الختم على كتفه -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول جابر بن سمرة: "رأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده"، وجاء ذكره في قول بحيرا الراهب لأبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل مِنْ غُضْروفِ كَتِفِهِ مثل التفاحة".   ومن الارهاصات التي حدثت بعد مولد النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-أن الجن قُذِفوا بالشهب وحجبت الشياطين من استراق أخبار من في السموات العلى؛ قال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا)[الجن: 8]، ولم يكن هذا المنع كليا؛ لأن المنع الكلي إنما حدث بعد مبعث النبي عليه الصلاة والسلام. (قاله ابن قتيبة).   ومن الإرهاصات: حادثته شق صدره من قبل الملائكة، عندما كان عمره خمس سنوات؛ ونظف قلبه من الأعمال السّيئة؛ عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة جاء في مطلعه أن النبي محمد حدّث أصحابه عن ليلة أُسري به؛ فقال: "بينما أنا في الحطيم، وربما قال في الحِجْر مضطجعًا؛ إذ أتاني آت؛ فشق ما بين هذه إلى هذه - أشار من ثغرة نحره إلى شعرته؛ فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانًا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد" (البخاري).   كما أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحيا حياة الجاهلية ويمارس طقوسها المنحرفة؛ فلم يسجد لصنم قط؛ إضافة إلى أنه لم يشرب الخمر ولم يرتكب فاحشة، بل كان كثيراً ما ينعزل مجالسهم وحببت إليه الخلوة والانقطاع، كانقطاعه في جبل حراء الليالي ذوات العدد.   ومن الارهاصات كذلك؛ ما اشتهر به من الصدق والأمانة وحسن الخلق والذي تفرد بها عن سائر الناس حتى لقب بذلك وعرف به.   أيها المسلمون: لقد كان مولد الحبيب -صلوات ربي وسلامه عليه- بشارة لبزوغ فجر جديد يحمل في طياته النور المبين والحق المتين؛ فجر مؤذن بزوال الشرك والكفر وسبيل المبطلين، وإرساء توحيد رب العالمين.   فكما أن مولده أنار الأرض وأضاء من ضيائه ما قد علمتم؛ إلا أن مولده أرهب أهل الكتاب الذين يتيقنون خروجه، ويعلمون وصفه، ولا يخفى عليهم أمره، وأن كثيرا من أحبارهم كانوا يؤملون أن يكون منهم؛ فارتحل كثير منهم من بلاد الشام إلى المدينة، لما يتربصون به من مخرجه ومبعثه، وقد روى أبو نعيم في دلائل النبوة عَنْ أَبِي نَمْلَةَ، قَالَ: " كَانَتْ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ يَدْرُسُونَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-فِي كُتُبِهِمْ ، وَيُعَلِّمُونَ الْوِلْدَانَ بِصِفَتِهِ ، وَاسْمِهِ ، وَمُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ فَلَمَّا ظَهَرَ حَسَدُوا، وَبَغُوا -، وَأَنْكَرُوا".   عباد الله: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نعمة من الله على عباده، وذلك لما يحمله من الحرص على هدايتهم ودعوتهم إلى نجاتهم، قال -سبحانه-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].   ولا شك أن هذه نعمة تستوجب على العباد شكرها للباعث -جل في علاه-، وشكر هذه النعمة بما يلي: اتباع ما جاء به النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-ولزوم سبيله واقتفاء أثره، قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].   ويكون شكر هذه النعمة -كذلك-؛ بطاعة المنعم سبحانه وتعالى وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-قال -جل شأنه- في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].   ومن مقتضيات شكر هذه النعمة ولوازمها؛ الحذر من مخالفة أمره -صلى الله عليه وسلم-وفعل ما نهى وما لم يأمر به، قال -رب العزة والجلال-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7].   أخي الخطيب المبارك: ها نحن قد وضعنا بين يديك مقدمة يسيرة عن مولده -صلى الله عليه وسلم- ونبذه قصيرة عن الارهاصات التي حصلت بقدومه؛ كما أننا اخترنا مجموعة من الخطب تتعلق بمولده -صلى الله عليه وسلم-.

الخطبة الثانية:
الخطبة الخامسة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة السادسة:
الخطبة الثالثة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الأولى:
العنوان
قصة مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم 2023/02/05 847 297 0
قصة مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم

وحظُّنا من بعض أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- التسمِّي بها، والتعبُّد بمَعانيها كمحمَّد وأحمد، فلنحرص على التخلُّق بأخلاقه حتى يحمدَنا مَنْ في السَّماء، ومَنْ في الأرض، ولْنَكُنْ رحماءَ بعباد الله، فالرَّاحمون يرحمهم الرحمن....

المرفقات

قصة مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم.pdf

قصة مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم.doc

المرفقات
53-3-صورة-مولد-الهادي-البشير-والقمر-المنير-1.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life