اقتباس
وهكذا دائمًا أبدًا؛ قد عودنا الرحمن الرحيم -سبحانه وتعالى- أن العسر لا يدوم، وأن الغمة منكشفة لا محالة، وأن البشرى والتفاؤل والتصبر هو خير ما نقابل به البلاء؛ ليقيننا أنه زائل... ولقد زال والمنة والفضل لله، زال على أبواب عيدنا الأضحى المبارك...
عيدان لهذا العام متتاليان قد مر أحدهما ويوشك أن يقدم الآخر؛ عيد فطر ثم عيد أضحى، لكن بينهما فرق شاسع واختلاف كبير، أما الأول فكان في حبس وتضييق وحجر صحي... جاء والمساجد مغلقة، فلم نجتمع لصلاته، ولم تتداخل أصواتنا وتتعالى بالتكبير، ولم نتصافح مهنئين بعضنا البعض بالعيد...
أما عيد الأضحى الذي أوشك أن يهل علينا، فقد أسفر فيه الفرج الذي كنا نثق أنه قادم، وقد زالت فيه الغمة وانكشفت، وراح فيه الظلام وتبدد، وأزمع الوباء الرحيل عنا وحزم أمتعته وكاد أن يفارقنا فراقًا نرجو أنه إلى غير لقاء... فُتحت المساجد، وستقام فيها -إن شاء الله- صلاة عيد الأضحى، وستعلو الأصوات صادحة بالتكبير، وستعرف الفرحة والسعادة طريقها إلى القلوب، وسيشرق على الدنيا فجر قول الله -عز وجل-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 5-6]...
وهكذا دائمًا أبدًا؛ قد عودنا الرحمن الرحيم -سبحانه وتعالى- أن العسر لا يدوم، وأن الغمة منكشفة لا محالة، وأن البشرى والتفاؤل والتصبر هو خير ما نقابل به البلاء؛ ليقيننا أنه زائل... ولقد زال والمنة والفضل لله، زال على أبواب عيدنا الأضحى المبارك، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يتم علينا نعمته وفضله فلا يبق للوباء أثر، وأن يعافي منه في هذه الأيام الفاضلة كل مبتلى.
***
وكفى أننا قد استفدنا من أزمة الوباء هذه -والتي أوشكت أن ترتحل- الدروس والعبر والفوائد، ولعل أحد تلك الفوائد تتكلم بلسان فصيح فتقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[الشورى: 30]، وأن العبد بظلمه هو سبب زوال كل نعمة، وحلول كل نقمة: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]، فما زالت عنا العافية حين زالت إلا بظلمنا لأنفسنا: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الأنفال: 53]... ولن تعود العافية ولن تتم إلا بعودتنا إلى ربنا واستقامتنا على منهجه وشرعه: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)[الجن: 16].
***
والآن فرصة سانحة وطيبة ومواتية لنتذكر سوية طائفة من سنن العيد وآدابه، فمن ذلك: الفرحة بالعيد: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]، فاجعل الفرحة في قلبك، وازرعها في صدورك أهلك وجيرانك ومن تلقى من المسلمين؛ وذلك بالتوسعة عليهم، أو بتهنئتهم، فها هو جبير بن نفير يقول: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم"(رواه السيوطي في الحاوي). وشرط الفرح بالعيد أن يكون بالحلال المباح، وبالمشروع لا بالممنوع، فافرحوا -أيها المسلمون- "فرحًا حلالًا"، فلا فرح بالعري والتبرج، ولا فرح بالاختلاط الماجن المستهتر، ولا فرح بمشاهدة ما لا يحل على التلفاز وغيره، ولا فرح بالاجتماع على موائد الغيبة والنميمة... ومنها: الاغتسال والتطيب ولبس أجمل الثياب: فقد كانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بردة حمراء يلبسها يوم العيد(رواه الطبراني في الأوسط).
ومنها: أن نكبر يوم العيد وأيام التشريق، فنقول: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، كما كان يفعل الصحابة -رضي الله عنهم-. ومنها: أن يخرج الجميع لصلاة العيد، فها هي أم عطية -رضي الله عنها- تقول: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته"(متفق عليه).
ومنها: ذبح الأضحية عن النفس والأهل، وألا يأكل إلا بعد العودة من صلاة العيد ليأكل من أضحيته: فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وكان لا يطعم يوم النحر حتى يرجع فيأكل من ذبيحته"(رواه الطبراني في الأوسط).
ومنها: صلة الرحم: فالعيد فرصة للبر والصلة والتصافح، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه"(متفق عليه)... ثم الآداب بعد ذلك كثيرة معلومة، وفيما ذكرناه تنبيه على ما تركناه.
***
ودعونا اليوم نقول هنيئًا لمن كتب الله -عز وجل- له الحج هذا العام، فليتقبل الله -عز وجل- منه، أما من حُرِم منه فنقول له: لك الأجر بنيتك إن علم الله صدقها، ونقول: لمن كان قادرًا على الحج أعوامًا مضت ثم أجَّل وسوَّف ولم يحج: هل أدركت الآن حقيقة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد الحج، فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة"(ابن ماجه)؟! فلتتب، ولتعقد العزم الصادق على الحج إذا ما أتيح لك، دونما إبطاء ولا تسويف.
***
وإن كان هذا العيد قد أتانا وإخوان لنا قد أصابه الوباء ونزل عليهم البلاء... وآخرون يُقذفون بالمدافع والصواريخ... وآخرون مشردون يشكون الصقيع والجوع والعري والعطش... وآخرون فقراء معدمون ومساكين محاويج لا يكادون يجدون ما يكفيهم... إن أتى العيد والحال كذلك ففي قلوبنا الأمل والتفاؤل والثقة في موعود الله؛ أن مع العسر يسرًا... إننا حقًا نطمع في فضل الله أن يأتي هذا العيد شفاءً للمريض، وعافية للمبتلى، ونصرًا للمظلوم، وسكنًا للمشرد، وأمانًا للخائف، وهدى للحائر، وغنى للفقير، وكفاية للمسكين... فعسى الله -عز وجل- أن يبدل أحوالنا، وأن يصلح أمورنا وأن يجبر كسرنا... إنه أرحم الراحمين وهو على كل شيء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير... وها هي باقة من خطب خطبائنا التي أعدوها خصيصًا لهذا العيد؛ عيد الأضحى المبارك، نقدمها لكم كزهرة تجاور زهرة، تفوح بعطر العيد الميمون...
فتقبل الله طاعاتنا وطاعاتكم، وجعله عيد خير وبر علينا وعليكم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم