اقتباس
والحق والحقيقة أنه لا يكفي مجرد نطق هذه الكلمة -مع جلالها- لندخل بها الجنة وننجو بها من النار؛ بل لابد أن نحقق شروطها ومقتضياتها، فقد قيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: "بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن...
ملفنا العلمي هذا حول كلمة عليها محور هذا الكون، "كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله -تعالى- رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون"(زاد المعاد، لابن القيم).
فهل تدري ما هي هذه الكلمة؟ هل أدركتها؟... إن كل ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في نصه السابق لا ينطبق، ولا يمكن أن ينطبق أبدًا إلا على كلمة واحدة؛ إنها كلمة الإخلاص، كلمة التوحيد، إنها: "لا إله إلا الله".
إنها كلمة توجب لصاحبها رضوان الله -تعالى- وجنته، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء"(متفق عليه).
إنها كلمة تحمي صاحبها أن يُخلَّد في النار -إن دخلها-؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير"(متفق عليه)... ولا أبالغ حين أقول مهما ارتكب المسلم من ذنوب وموبقات وكبائر خلا الشرك، فإن سيدخل الجنة حتمًا يومًا ما، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة"، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: "وإن زنى وإن سرق"، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: "وإن زنى وإن سرق"، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر"(متفق عليه).
فهي كلمة النجاة من العذاب؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله سيخلص رجلًا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وهذه الكلمة الجليلة هي أول ما يُطلب ممن أراد الدخول في الإسلام، وأول ما يُكلَّف به المكلَّفون، فإن قالها عصم نفسه وماله؛ فعن الفاروق عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"(متفق عليه).
وهي -علاوة على ذلك- أفضل ما نطق به لسانك أو حواه جنانك، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله..."(متفق عليه).
وهي أثقل عمل في ميزان العبد يوم القيامة، فقد قص علينا نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن نبي الله نوحًا -صلى الله عليه وسلم- لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع، والأرضين السبع، كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق"(رواه أحمد، وصححه الألباني).
***
لكن تُرى هل يكفي مجرد النطق بكلمة "لا إله إلا الله" لينجو صاحبها من النار ويدخل الجنة؟! ونجيب: "لا"، بلا أدنى شك، "لا"، واضحة جلية صريحة... ولماذا "لا"؟
نجيب ثانية: لأن الشيعة يقولون: "لا إله إلا الله"، ويقولون معها: والصحابة مرتدون، والقرآن محرَّف، وعائشة زانية!... وإن البهائيين يقولون: "لا إله إلا الله"، ثم يردفون قائلين: "وبهاؤنا هو الله"!!... وإن العلمانيين يقولون "لا إله إلا الله"، ثم يقولون: "لا دخل لله في حياتنا! ولا قيود من فرائض ولا محرمات!"... فهل هؤلاء تنفعهم قولتهم بألسنتهم: "لا إله إلا الله"؟! كلا والله ما كانت الجنة رخيصة حتى تُنال بكلمة لا يتبعها إيمان ولا عمل.
والحق والحقيقة أنه لا يكفي مجرد نطق هذه الكلمة -مع جلالها- لندخل بها الجنة وننجو بها من النار؛ بل لابد أن نحقق شروطها ومقتضياتها، فقد قيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: "بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك"(ذكره البخاري)، فأسنان المفتاح هي شروط "لا إله إلا الله"، وقد جُمعت في هذين البيتين:
الـعلــم واليقــين والقبـول *** والانقيـــاد فادر ما أقـول
والصدق والإخلاص والمحبة *** وفقك الله لـمـا أحبــه
فأما الشرط الأول: فالعلم: فإن الله -تعالى- قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ونحن من بعده: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)[محمد: 19]... والشرط الثاني: اليقين: فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة: "اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، فبشره بالجنة"(رواه مسلم)... والثالث: القبول: قال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 59]... والرابع: الانقياد: وهو الاستسلام الذي أمر الله به قائلًا: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)[الزمر: 54]... والخامس: الصدق: لقوله -صلى الله عليه وسلم- "لا يشهد بها عبد صادقًا من قلبه ثم يموت على ذلك إلا حرمه الله على النار"(رواه النسائي، وصححه الألباني)... والسادس: الإخلاص: فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه"(رواه البخاري)... والسابع: المحبة... وزِيد ثامن وهو: الكفران بما سواها.
وإننا إن ذكرنا ما ذكرنا في إجمال واقتضاب، فقد بسطناه في هذا الملف العلمي بسطًا وفصلناه تفصيلًا، فعسي الله أن ينفع به.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم