تذكير العبيد بنعمة التوحيد

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ نعمة التوحيد نعمة عظيمة 2/ تعريف التوحيد وبيان بعض معالمه 3/ فضل التوحيد 4/ تصفية التوحيد من شوائب البدع والشرك الأكبر والأصغر 5/ وجوب الدعوة إلى التوحيد 6/ آثار تحقيق التوحيد على العبد في الدنيا والآخرة.

اقتباس

فضل التوحيد عظيم، وأجره كريم من رب كريم، وفضائله عظيمة كبيرة لا تُعد ولا تُحصى، ولو لم يكن من فضله إلا أن العبد لا يُخلد في النار لكفى بذلك فائدة وفضلاً وأجرًا من الله.. إذا عرفنا ذلك فيجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله -عز وجل- هذه النعمة، وأن يأخذها منا ونحن لا نشعر، ولهذا كان عباد الله العلماء الراسخون في العلم المؤمنون بالله حق الإيمان كانوا يقولون: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أبدأ بالحمد مستعينًا راضًا به مدبرًا معينًا، وأحمده سبحانه وأشكره، ومن مساوي عملي أستغفره، وأستعينه على نيل الرضا، وأستمد لطفه فيما قضى..

وبعدُ فإني باليقين أشهد *** شهادة الإخلاص أن لا يُعبَد

بالحق مألوه سوى الرحمن *** من جلّ عن عيب وعن نقصان

 

عباد الله: اتقوا الله -جل وعلا- حق تقواه، فمن اتق الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه.

 

أيها الإخوة المسلمون: حديثي إليكم في هذه اللحظات وهذه الدقائق المعدودات حديث عظيم عن أمر مهم جدًّا.

 

أيها الإخوة المسلمون: وهو ما يتعلق بعبادتنا لربنا -عز وجل- وهو توحيده سبحانه وإفراده بالعبادة، فإليكم العناصر التالية تلك عشرة كاملة.

 

أولى تلك العناصر -أيها الإخوة الأفاضل المباركون- نعمة التوحيد نعمة عظيمة ومنة كبيرة ولهذا ربنا -عز وجل- قال في كتابه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17]، وقال سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

 

بأي لسان أشكر الله إنه *** لذو نعمة قد أعجزت كل شاكر

حباني بالإسلام فضلاً ونعمة *** عليّ، وبالقرآن نور البصائر

وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبـل *** عليها اعتقادي يوم كشف السرائر

 

فله الحمد على هذه النعمة العظيمة، وهذه المنة الكبيرة؛ نعمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ولهذا ربنا -عز وجل- أكمل لنا هذا الدين وأتمه لنا وأكرمنا به وجعلنا من أهله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].

 

أيها الإخوة المسلمون: احمدوا الله -جل وعلا- أن جعلكم مسلمين، وأن جعلكم من أهل لا إله إلا الله، فما أنعم الله -عز وجل- أعظم نعمة من أن عرفهم لا إله إلا الله.

 

مرّ رجل على رجل قد توالت عليه الأمراض والأسقام والأوجاع، ولكنه يحمد الله بلسانه ويشكر الله -عز وجل- بقلبه وفؤاده وقال:

حمدت الله أن هداني إلى *** الإسلام والدين الحنيف

فيشكره لساني كل وقت *** ويعرفه فؤادي باللطيف

 

إخوة الإسلام: نعمة التوحيد نعمة عظيمة، ومنة كبيرة حبانا الله لها، وجعلنا الله -عز وجل- من أهلها، كم أناس غيرنا يعبدون غير الله، ويدعون غير الله، ويسألون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويطلبون المدد من غير الله، وأنت تعبد إلها واحدا فردا صمدا. لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.

 

أيها الإخوة: إليكم هذه البشرى العظيمة، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على حلقة في المسجد فقال: "ما أجلسكم؟"، قالوا جلسنا نحمد الله على نعمة الإسلام، قال: "ألله ما أجلسكم إلا ذاك؟" قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة". جعلني الله وإياكم في هذه اللحظات ممن يباهي بهم ملائكته.

 

والعنصر الثاني أيها الإخوة: تعريف التوحيد، التوحيد -عباد الله- هو إفراد الله بالعبادة هو أن تجعل الله -عز وجل- واحدا في عبادتك وفي طاعتك وفي قربتك، وأن تُفرده بأفعاله سبحانه وبحمده، وأن تفرده بأسمائه وصفاته (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18].

 

وأن تعبد الله مخلصا له الدين، ولهذا أمر الله جميع العالمين بعبادة رب العالمين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].

 

بل خلقنا الله لها وأوجدنا لها وأحيانا لها وأماتنا عليها (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58].

 

فالتوحيد -أيها الإخوة- هو أن تسلم لله -عز وجل- بقلبك وقالبك، بقلبك وجوارحك (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163].

 

والتوحيد -عباد الله- واجب على هذه الأمة ولا يصح إسلام عبد حتى يكون موحدا لله -عز وجل- مفردا ربه -عز وجل- بالعبادة كما قال الله -جل وعلا- (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة: 4].

 

ولهذا خلقنا الله لعبادته سبحانه وبحمده، في الصحيحين من حديث معاذ -رضي الله تعالى عنه- لما كان رديفا على حمار معه عليه الصلاة والسلام قال: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟" قلت الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" فلهذا يجب علينا أن نعبد الله -جل وعلا- وأن نفرده بالعبادة.

 

ولهذا أيها الإخوة يأتي العنصر الرابع وهو فضل التوحيد، وذلك كما قال الله -جل وعلا- (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، فضائل التوحيد لا تُعد ولا تحصى، في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منها والجنة حق والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".

 

وفيهما من حديث عتبان بن مالك: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله".

وفي صحيح مسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة".

وعند الإمام أحمد "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة".

 

فلهذا عباد الله فضل التوحيد عظيم وأجره كريم من رب كريم، فلهذا فضائله عظيمة كبيرة لا تعد ولا تحصى، ولو لم يكن من فضله إلا أن العبد لا يخلد في النار لكفى بذلك فائدة وفضلا وأجرا من الله -جل وعلا-.

 

ويأتي تحقيق التوحيد -أيها الأحبة- بالعنصر الخامس وذلك أن تحقيق التوحيد هو تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي كما قال الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ) [المؤمنون:59]، وكما قال -جل وعلا-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18]، وكما قال -جل وعلا-: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا).

 

فيفرد المرء ربه بالعبادة تحقيقا وتصفية من شوائب البدع والمعاصي والشرك الأكبر والأصغر فهذا هو تحقيقه -أيها الأحبة- فعلينا أن نقوّي علاقتنا بربنا، وأن نصفي قلوبنا لربنا، وألا نجعل قلوبنا تلتفت إلى غير الله، ولهذا يقول الله -جل في علاه-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".

 

وقال النبي لأصحابه -عليه الصلاة والسلام-: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته من نظر رجل إليه".

 

إذًا علق قلبك بالله في كل أمورك وأحوالك (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163]، علّق قلبك بالذي بيده الضر وبيده النفع يعطي ويمنع يخفض ويرفع يعز من يشاء ويذل من يشاء سبحانه وبحمده.

 

ولهذا أيها الإخوة:

إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى *** تعلق بالرب الكريم رجاؤه
فأصبح حرا عزة وقناعة *** على وجهه أنواره وضياؤه
وإن علقت بالخلق أطماع نفسه *** تباعد ما يرجو وطال عناؤه
فلا ترجو إلا الله في الخطب وحده *** ولو صح في خل الصفاء صفاؤه

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام

وليتك بيني وبينك عامر *** وبيني وبين الناس خراب

إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

 

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا تحقيق لا إله إلا الله، وأن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأن يحينا ويمتنا على لا إله إلا الله، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

عرفنا -عباد الله- حكم التوحيد وفضله وتحقيقه بقي علينا أن ندعو الناس إليه وأن نأمر الناس بذلك له، كما قال الله -جل وعلا-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108].

 

فيجب علينا أن ندعو الناس إلى لا إله إلا الله، وأن نرغّبهم في فضل لا إله إلا الله وأن نعلمهم معنى لا إله إلا الله حتى يعبدوا الله على بصيرة، ولهذا في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذًا إلى اليمن قال "إنك تأتي قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوك في ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة" الحديث متفق عليه.

 

وفيهما من حديث سهل بن سعد الساعدي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، فوقعت على علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- فأعطاه الراية وقال: "على رِسْلك وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى".

 

فيجب علينا -عباد الله- أيًّا كان موطننا ومكاننا وعملنا وتجارتنا ووظائف حكوماتنا أو غير ذلك أن ندعو الناس إلى لا إله إلا الله، وأن نعلمهم هذه النعمة العظيمة، ولهذا أيها الإخوة هذا عنوان السعادة وعنوان الفلاح والريادة (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3].

 

 يوصي بعضهم بعضا بهذه النعمة العظيمة والتمسك بهذه المنة الكبيرة، ولهذا لما امتن الله على نبيه قال (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) قيل حدث بلا إله إلا الله وقال سبحانه (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) قيل أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه بلا إله إلا الله.

 

فلنكن دعاة إلى الله لأن هذا هو منهج عباد الله من أنبيائه ورسله وأوليائه وعباده الصالحين.

 

ثم أيها الأحبة من تلكم العناصر أن التوحيد أول الواجبات:

أول واجب على العبيد *** معرفة الرحمن بالتوحيد

إذ هو من كل الأوامر أعظم *** وهو نوعان أيا من يفهم

 

التوحيد -أيها الأحبة- أوجب من الصلاة والزكاة والصيام والحج في الحديث السابق: "فإن هم أطاعوك في ذلك" –أي: عرفوا لا إله إلا الله، وتمسكوا بلا إله إلا الله- "فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات".

 

فدل على أنهم إذ لم يعلموا ولم يقبلوا ولم ينقادوا إلى هذه الكلمة فلا تخبرهم بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالحج؛ إذ كل شيء ينفع مع التوحيد وبدون التوحيد فإنه لا ينفع عمل (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [الفرقان:23]، (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

 

أيها الإخوة المسلمون: أول ما يقرع سمعك في كلام ربك أتدري ما هو؟ هو الأمر بالتوحيد (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].

 

إذ التوحيد هو دعوة الأنبياء والمرسلين من أولهم إلى آخرهم (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].

 

عباد الله: إذا عرفنا ذلك فيجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله -عز وجل- هذه النعمة، وأن يأخذها منا ونحن لا نشعر، ولهذا كان عباد الله العلماء الراسخون في العلم المؤمنون بالله حق الإيمان كانوا يقولون: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].

 

والله ما أخشى الذنـوب فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران

لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن

ورضا بآراء الرجال وخرصها *** لا كان ذاك بمنة الرحمن

 

فلنحرص عباد الله على أن نثبت إيماننا وإسلامنا وعقيدتنا وتوحيدنا بالعمل به والعمل بشعائره وآدابه وأخلاقه، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاف على سادات الصحابة الشرك بالله -عز وجل- كما قال: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر".

 

بل نبينا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان يدعو الله: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إذاً يجب علينا أن نخاف أن يسلبنا الله هذه النعمة، بل يجب علينا أن نحمد الله بألسنتنا وأن نعترف بها في قرارة أنفسنا وأن نعلم جوارحنا لها (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].

 

ثم عباد الله توضيح التوحيد -أيها الأحبة- في قول لا إله إلا الله، لا إله نافيا جميع ما يُعبَد من دون الله إلا الله مثبتًا العبادة لله وحده، فالتوحيد -أيها الأحبة- هو في النفي والإثبات في كلمة لا إله إلا الله، فإذا قلت لا إله فأنت تنفي جميع ما يُعبَد من دون الله كائنًا من كان من نبي أو ولي أو صالح أو طالح أو رطب أو يابس أو كائن ما كان وإذا قلت "إلا الله" فإنك تثبت العبادة لله فلا تصرفها إلا له (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].

 

فالتوحيد نفي وإثبات لا إله نافيا جميع ما يُعبَد من دون الله إلا الله مثبتًا العبادة لله وحده، فالنفي وحده ليس من التوحيد والإثبات وحده لا يسمى توحيدًا.

 

وآخر العناصر وتلكم العنصر العاشر وهو آثار التوحيد، وآثار التوحيد أيها الأحبة كثيرة وجليلة وعظيمة وهل نعمة إلا وهي تحت راية لا إله إلا الله، وتحت هذه النعمة العظيمة.

فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآنِ

 

فتدبر القرآن من تلكم الآثار وانشراح الصدور (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ)، ومنها الأمن والأمان والاستقرار (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

 

ومن الآثار الرفعة في الدنيا والآخرة (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، ومن تلكم الآثار دفع الله عن العبد (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، وكذلكم أيها الأحبة الراحة النفسية والطمأنينة الجسمية والقلبية (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

وكذلكم من الآثار السعادة الأبدية، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة جميلة عظيمة "من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية" (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97].

 

ومن تلكم الثمار والآثار دخول الجنة والنجاة من النار (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)، ومن ذلكم النور في الحياة وبعد الممات (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام: 122]، وكذلك أيها الأحبة الأجور العظيمة على الأعمال القليلة إذ التوحيد يصح معه كل شيء (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10].

 

هذه عباد الله عناصر مختصرات وكلمات وجيزات، أسأل الله -عز وجل- أن يرفع بها الحسنات ويكفِّر بها السيئات.

 

 

 

المرفقات

العبيد بنعمة التوحيد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات