التوحيد أساس المحكمات

الشيخ زيد الشريف

2021-10-08 - 1443/03/02 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/أهمية القيم والثوابت لكل أمة 2/التوحيد قيمة الإسلام الأولى 3/مضامين التوحيد ومحكماته الواضحة 4/الشرك بالله أعظم الظلم 5/من أعظم والكفر والشرك 6/التوحيد هو أصل الإسلام 7/التوحيد وتزكية النفوس.

اقتباس

إن أهم ما نحتاجه في تزكية نفوسنا ونفوس أبنائنا هو التوحيد الذي هو أساس دعوة الرسل، فينبغي أن نرسّخ هذا المعنى في نفوسنا، تريد أن ترى نفسك زاكية مقبلة على الله مدبرة عن معصيته، راجع توحيدك بالله في قلبك وفي لسانك وعملك، تريد من ابنك أن يحافظ على الصلاة يبرّ بك يسعى في خيري الدنيا والآخرة؛ اغرس شجرة التوحيد في قلبه. إن ما نراه اليوم، من كثرة ظهور المنكرات وشيوع الفواحش وضعف الأمة وانهزامها لهو علامة خلل في التوحيد والعقيدة..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذِكْره، الذي إذا أُطيع شَكر، وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعِيَ أجاب، وإذا استُعيذَ به أعاذ. وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: إن لكل أمة من الأمم، ولكل أهل حضارة من الحضارات محكمات وقيم تتفاخر بها، فأمة الفرس تتفاخر بأنها أمة القهر والغلبة، وأمة الروم تفخر بأنها أمة الملك والمال، وأمة العرب قبل الإسلام تتفاخر بأنها أمة الفصاحة والبلاغة، حتى الحضارات المعاصرة، فقد كانت الشيوعية تؤمن بقيمة العدالة وتراه محكمًا بينًا، وأمة الغرب تؤمن بقيمة الحرية والفردية.

 

إن هذه القيم والثوابت التي تمثلها الأمم، وترتكز عليها، وترفعها شعارًا، وتجعلها دثارًا؛ إنما هي قلب حضارتها النابض، فإذا ضعفت هذه الثوابت والأسس وتلك القيم؛ كان ذلك إيذانًا بسقوط تلك الأمة وتلك الحضارة.

 

ولهذا بما أننا أمة الإسلام، فما هو المحكم الأساس لكل قيمنا وأحكامنا ونُظُمنا وأخلاقنا الذي نفاخر به، ويكون رمز أوطاننا وشعوبنا؟

 

إن الإسلام جاء بمنظومة من المحكمات والقيم والمفاهيم والثوابت، لكن المحكم الأساس والقيمة الأولى للحضارة الإسلامية لا بد أن يكون نبراسًا واضحًا لكل فرد من أفراد أمة الإسلام أكثر من غيره من المحكمات والأسس.

 

يجعل البعض العلم هو قيمة الإسلام الأولى وأساس محكماته، وآخرون يجعلون الأخلاق، وطائفة أخرى ترى أن العدل أساس الإسلام، وكل ما ذُكِرَ لا شك أنه قِيَم إسلامية صحيحة ومحكمات واضحة وبينة، لكن أساس الإسلام الأول وشعاره البيِّن، وحقيقته الأولى ومحكمه الأساس، هو التوحيد، هذا المُحْكَم الذي لأجله خرجت جحافل الإسلام تغزو شرقًا وغربًا حتى رفعت راية التوحيد من نهر جيحون شرقًا إلى المحيط غربًا. هذا المحكم الذي غيَّر العرب من الأمة الهمجية الجاهلية إلى أمة العدل والعلم والأخلاق.

 

إننا بالفعل أيها المسلمون: أمة العلم والأخلاق العدل؛ لأن تلك المعاني هي من مضامين التوحيد الحقيقة، وهذه القيمة وهذا المحكم الأساس أعني به التوحيد ليس محكمًا وقيمة مادية تفنى بفناء أربابها، وتموت بموت فلاسفتها، وإنما هو قيمة ومحكم إلهي، بينما ثوابت كل أمة ثوابت بشرية.

 

 لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- كادت أن تموت أُمته، وشعر أصحابه لبُرْهَة بالضياع، حتى ركز أبو بكر عصاه على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونادى مُذكِّرًا أمة الإسلام بشعارها وأساسها فقال: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"؛ فاستيقظت تلك القلوب، وهدأت تلك النفوس، ثم استقام لها الطريق واستنارت لها الدروب، فما هي أيام إلا وراية التوحيد تركز في إيوان كسرى، وتحطم جيش قيصر.

 

عباد الله: متى ما ضعف التوحيد في نفوس أهل الإسلام كان ذلك علامةً على ضعفهم، وقرب انهيارهم، ولهذا كان التوحيد وقول لا إله إلا الله ركن الإسلام الأول، بل كان مجرد النطق بكلمة التوحيد عصمة لدم المرء وعرضه.

 

وهذه الكلمة يا عباد الله لها مضامين محكمة واضحة منها:

المحكم الأول: أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، فلا يجوز الشرك بالله، ولا أن تتخذ الأنداد من دون الله، فلا تُصرف عبادة من العبادات إلى غير الله -تعالى-، فالمسلم لا يدعو أحدًا من دون الله؛ قال -تعالى- (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا)[الجن:20].

 

 بل إن هذا التوحيد هو غاية الوجود (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)[الذاريات:56-57]، وحينما أشار ابن عباس إلى آيات المحكمات جاء في أول مضامينها قوله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)[الإسراء:23]؛ فالتوحيد أمر وفرض إلهي، فهو أساس هذا الدين وحده الأول وعلامته الأولى، فلا يُعرَف المسلم بلباس معين، ولا بهيئة معينة، ولا بلون معين، إنما يعرف المسلم بالتوحيد.

 

ولهذا كان الشرك بالله أعظم الظلم، قال -تعالى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان:13]؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والعبادة والخضوع والتذلل لا يستحقه إلا الله -تعالى-؛ فصرفه لغيره ظلم شنيع وقبح شديد.

 

المحكم الثاني: أن التوحيد من مضامينه أن يُطاع الله فلا يُكْفَر، وأن حقيقة هذا التوحيد أن يكون المسلم عبدًا خاضعًا ذليلاً.

 

 وربِّ العزة إن الإسلام إنما أراد أن تكون عبدًا خاضعًا ذليلاً، وأيم الله إن هذا شرف المؤمن وعزه، لكن الإسلام إنما أراد أن تكون خاضعًا لله، عبدًا له منيبًا إليه، فلا خضوع ولا ذل ولا انكسار ولا طاعة إلا لله -تعالى-، وإنما وجبت طاعة غير الله لإيجاب الله -تعالى- ذلك كطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد قرنها بطاعته، وطاعتهما طاعة مطلقة، فلا يأمر الله ورسوله إلا بخير ومصلحة. أما طاعة العلماء والأمراء والآباء والأمهات والأزواج إنما هي طاعة مقيدة بغير معصية الله -تعالى-.

 

وبهذا المضمون وجب العدل، وبه يتحقق، فإذا أطاع الخلق -إنسهم وجنهم ملوكهم وعبيدهم صغارهم وكبارهم- اللهَ -عز وجل- تحقق العدل والأمن (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82]، روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزل قوله: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، قال أصحابه: يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزل قوله -تعالى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان:13].

 

المحكم الثالث: إن حقيقة هذا التوحيد تنطلق من اعتقاد العبد بقلبه وحدانية الله، فإنه كما يوحّد الله بلسانه وبأركانه، فكذلك بقلبه، فلا يحب أحد مثل محبة الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يخاف العبد إلا الله قال -تعالى- (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[البقرة:165].

 

فالقلب مثل البدن تجب عليه من العبادات كما يجب على سائر الجوارح، كالصبر والرضا واليقين، والحب والخوف، فمن الناس مَن لا يشرك ببدنه وإنما بقلبه، فيحبّ ويُعظِّم ويخاف غير الله، ويصرف هذه العبادات لغير الله.

 

ومن هنا إذا ضعف التوحيد في القلب، وقصَّر العبد في طاعة ربه، واستهين بالشرك؛ فإنه يُفضي بالمرء أن يعصي الله، وأن يحيد عن طريق الاستقامة كما يفعل بعض المسلمين من تصديق الكهانة والسحرة والمشعوذين، إما محبةً لهم أو خوفًا منهم، أو يعتقد -والعياذ بالله- أن لهم من القدرة ما توازي قدرة الله، وهذا من أعظم والكفر والشرك، أو يوالي غير الله، أو يعادي أهل التوحيد، وكل هذا من أعظم الكفر والشرك والعصيان.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أما بعد: عباد الله: اعلموا أن التوحيد هو أصل الإسلام؛ شجرته ثابتة وفرعها في السماء (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)[إبراهيم:24-25]، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً) شهادة أن لا إله إلا الله (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) وهو المؤمن (أَصْلُهَا ثَابِتٌ) يقول لا إله إلا الله في قلب المؤمن (وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء. فالتوحيد هو كلمة طيبة ثابتة في قلب المؤمن ترفع عمله إلى السماء.

 

عباد الله: إن أهم ما نحتاجه في تزكية نفوسنا ونفوس أبنائنا هو التوحيد الذي هو أساس دعوة الرسل، فينبغي أن نرسّخ هذا المعنى في نفوسنا، تريد أن ترى نفسك زاكية مقبلة على الله مدبرة عن معصيته، راجع توحيدك بالله في قلبك وفي لسانك وعملك، تريد من ابنك أن يحافظ على الصلاة يبرّ بك يسعى في خيري الدنيا والآخرة؛ اغرس شجرة التوحيد في قلبه.

 

عباد الله: إن ما نراه اليوم، من كثرة ظهور المنكرات وشيوع الفواحش وضعف الأمة وانهزامها لهو علامة خلل في التوحيد والعقيدة، وما نراه اليوم من مظاهر الشرك في بلاد المسلمين، ومن إقبال بعض المسلمين على السحرة والكهنة والمشعوذين دليل على رقة التوحيد وضعفه في نفوسهم.

 

روى مسلم في صحيحه عن بعض أزاوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدّقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا"، وفي الحديث الصحيح: "مَن أتى كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد".

 

ألا فلنعظِّم الله -تعالى-، ولْنَعْتَنِ بكلمة التوحيد وننطلق منها في تزكية نفوسنا وفي تفكيرنا وفي دعوتنا، وفي مناهجنا التعليمية والتربوية.

 

ألا صلوا وسلموا على من أمركم الله...

 

المرفقات

التوحيد أساس المحكمات.doc

التوحيد أساس المحكمات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات