الشيخ سعد ندا
إن الموحد بما استقر في قلبه من عقيدة صحيحة يشعر بعزة يمده بها الله تبارك وتعالى الذي يقول: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة المنافقون: 8].
إنه يشعر بعزة في كل أمره، في حركاته وسكناته. لهذا فإنه لا يذل لغير خالقه سبحانه، ولا يتملق الناس ولا ينافق، ولا يداهن في أي أمر من أمور حياته، لأنه يحس بأن الناس جميعًا - مهما علت مراكزهم في الحياة الدنيا - عباد الله، كما أنه عبدالله، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، فلا مناصب، ولا أنساب، ولا جنسيات، ولا مظاهر، ولا أي عرض من أعراض الدنيا يزن عند الله تعالى - دون القوى - شيئًا، يقول جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [سورة الحجرات: 13].
إنّ الموحد يؤمن بأن رزقه مكفول كفالة تامة لدى خالقه الذي أكد ذلك في قوله:﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [سورة الذاريات: 22 - 23].
وفي قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [سورة الذاريات: 56 - 58].
كما يؤمن الموحد أنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يمنعوه رزقًا قدره الله له، أو على أن يجروا له رزقًا لم يقدره الله له، فإنهم لن يبلغوا من ذلك شيئًا.
فضلًا عن ذلك فإنّ الموحد يشعر بقوةٍ وشجاعةٍ وإقدامٍ تدفع إليها جميعًا ما استقر في قلبه من عقيدة صحيحة، لذلك يصدع بالحق، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يهاب الناس وما جمعوا له كيما يبطشوا به، لأنه يؤمن بقوله: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [سورة آل عمران: 173].
لذلك نجد الموحدين في شجاعتهم - لا ينالهم - بحول الله - من أعداء الله سوءٌ، لأنهم لم يستسلموا لما يخوفهم به أولياء الشيطان. وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة آل عمران: 174].
إنّ الموحد يحس أنه أقوى - بحول الله تعالى وقوته - من غيره ممن لم تمتزج العقيدة الصحيحة بقلبه، وأشدّ بأسًا، لذلك يتحداه دائمًا بالحق مما أنـزل الله، فيدمغ به باطله فإذا هو زاهق.
وقد ضرب الله جل وعلا لنا أمثلة رائعة في كتابه الكريم يؤكد عزة المؤمن الموحد وقوته وتحديه لعدوه - منها -:
1- ما ذكره تعالى عن نوح عليه السلام حين دعا قومه إلى توحيد الله عز وجل، فلم يستجيبوا له وسخروا منه، فرد عليهم بقوة متحديًا: ﴿ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [سورة هود: 38 - 39].
وكانت عاقبة ذلك أن نجى الله رسوله والمؤمنين به، وأهلك أعداءهم ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة هود: 48].
2- وما ذكره تعالى عن هود عليه السلام حين دعا عادًا - قومه - إلى توحيد الله تعالى - وكانت عاد عاتية وصفها الله جل وعلا بأنها:﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [سورة الفجر: 8].
فردوا دعوته في استهتار وقحة، فتحداهم في صرامةٍ وعنفٍ ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة هود: 54 - 56].
وكانت عاقبة ذلك أن نجى الله رسوله والمؤمنين به ودحر أعداءهم ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ [سورة هود: 58- 60].
3- وما ذكره تعالى عن صالح عليه السلام حين دعا قومه إلى توحيد الله تعالى، فشكوا في دعوته وردوها وعقروا الناقة تحديًا، فلم يهن أمامهم، بل هددهم في قوة قائلًا:﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [سورة هود: 65].
وكانت عاقبة ذلك أن نجى الله رسوله والمؤمنين به ودمر أعداءهم ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ [سورة هود: 66 - 68].
4- وما ذكره تعالى عن شعيب عليه السلام حين دعا قومه إلى توحيد الله جل وعلا، فردوا دعوته وأهانوه وهددوه، فرد عليهم متحديًا في صلابةٍ وعنفٍ منذرًا ﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [سورة هود: 93].
وكانت عاقبة ذلك أن نجى الله رسوله والمؤمنين به وأهلك أعداءهم ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ [سورة هود: 94 - 95].
5- وما ذكره تعالى عن قوم فرعون حين هددهم فرعون بقوله: ﴿ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [سورة طه: 71].
فرد عليه القوم في صرامةٍ وإيمانٍ وعقيدةٍ وتحدٍ ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [سورة طه: 72 - 76].
وكانت عاقبة ذلك أن نجى الله رسوله والمؤمنين به وأهلك فرعون وجنوده في البحر غرقًا ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾ [سورة طه: 77 - 80].
إلى غير ذلك من الأمثلة الرفيعة التي تُظهر مدى اعتزاز المؤمن بالله عز وجل وقوة إيمانه التي تدفعه إلى أن يتحدى - بالحق - أعداء جميعًا، لا يخشى منهم عَنَتًَا ولا رَهَقًَا، مهما أعدوا لحربه من عُدَدٍ، وجمعوا من جموع.
وهكذا كان المؤمنون الموحِّدون على قدرٍ عظيم من القوة بما استقر في قلوبهم من العقيدة الصحيحة - عقيدة التوحيد - التي تتحطم دونها الجبال.
ومن ثم أصلحوا في الأرض، وتركوا آثار الإصلاح التي يتوارثها جيلٌ بعد جيل.
وإن هذه العقيدة يقوم عليها في كل عصر طائفة من المؤمنين بها، الثابتة قلوبهم عليها، لا يزحزحهم عنها دعاة الباطل، والمؤمنون به مهما بلغوا من العُدَّة والعدد، وإلى هذا المعنى أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم عن ثوبان بقوله: "ولا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خَذَلَهُمْ حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من هذه الطائفة، وأن يُثَبِّتَ قلوبنا على عقيدة التوحيد، وأن يجعلنا من الملتزمين بها الداعين إليها ما حيينا، وأنا يميتنا عليها ويجعلها لنا خير ختام.
كما أسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا مع أعظم رَفْقَةٍ، رُفقة النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا وصلى الله على عبده الكريم ورسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم