التوحيد مظهر الإسلام ومخبره

د عبدالعزيز التويجري

2021-07-09 - 1442/11/29 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/منزلة التوحيد ومكانته وفضله 2/خطر تسرب الخلل إلى التوحيد 3/بقاء التوحيد ودور المسلم في إحياء معالمه

اقتباس

إنَّ التوحيد الخالص الذي صلح به الأولون سيصلح به الآخرون لا محالة. وهو الذي ضمن العزة والمنعة والقوة لأسلافه، ولا يزال هذا التوحيد لا يُغيره الزمن، ولا تُجافيه الفطرة، ولا تنسخه المذاهب. والمسلم الحنيف أينما حل نفع، وأينما...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، كتب العزة للمسلمين بالإسلام، وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون- (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة: 197].

 

التوحيد أساس الملة، ووحدة الأمة، وهي عقيدة أهل السنة: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)[الزمر: 11-12].

 

التوحيد مخبرُ الإسلامِ ومظهره، ولُبابُ حسهِ وجوهره، لا يقبل الله غيره: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].

 

التوحيدُ إخلاص الدين للهِ وحده: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزمر: 3].

 

التوحيد من تمسك به سما، ومن مات عليه نجا: "إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ"(متفق عليه).

 

التوحيد يمثل الإسلام الصحيح، والمعتقد الحنيف، لا يُقبلُ غيرُ أحكامهِ، ولا يُحتكمُ إلى غيرِ شرعهِ: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)[يوسف: 40]، (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)[الكهف: 26].

 

وإذا اختلفت الآراء والأهواء، وتباينت القوانينُ النُظم، فالتوحيد هو المرد وإليه الحكم: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)[الشورى: 10].

 

التوحيد هو الخيارُ الأوحد: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[المائدة: 5].

 

التوحيد شعارُ الموحدين، ودثار المؤمنين، ورمز عزةِ المسلمين: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101].

 

التوحيد يجلي روحَ القوةِ في الحقِ، وعدم الانحناء لغير الله.

 

فاقبس من التوحيد أعظم جذوة *** وتمش تحت ضيائها اللمّاعِ

يا عبد ثق بالله يكفك وحده *** يا عبد سَلْهُ يجبك بالإسراع

 

التوحيد هداية للقلوب زمن الفتن، وتثبيت للأرواح وقت المحن؛ عُذب بلال بالرمضاء، وتحت وهج السماء، ليفتن عن دينه، أو يشرك في توحيده، فكان لا يزيد على قولِ: "أحدٌ أحدُ": (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1]، ولسان حاله يقول: (لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا)[الكهف: 38].

 

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً *** عَلَى أَيِّ جنبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي

وَذلِكَ فِي ذَاتِ الإلهِ وإِنْ يَشَأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَــــــــزَّع

 

التوحيد عقيدة واعتقاد، واستسلام وانقياد: (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ)[الرعد: 30].

 

لا يجتمع الدين الصحيح والتوحيد الخالص، مع الثقة بالعدو والركون للذين ظلموا: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)[هود: 113].

 

إذا ضعف التوحيد في القلب والقالب، تعلقت الأجيال بحبالٍ أوهى من خيوط العنكبوت، استبدلوا بحبل الله وحبل رسوله تبعياتُ في الظاهر، وضلالاتٌ في الاعتقاد، وفوضى في الفكر، وتفَسقٌ في الأخلاق: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)[الكهف: 103-104].

 

يظهر خلل التوحيد عندما يُجعل تَحَكُم الرزقِ والعطاءِ عند الفقراء الضعفاء: (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ)[النمل: 64].

 

القلوبُ الضعيفةِ، والأفئدةُ المستكبرةِ لا تعرف التوحيد إلا حينما تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا)[الإسراء: 67].

 

يظهر خلل التوحيد حينما يترك المنهزمون في الأمة المنبع الصافي من المنهج الرباني، ليتسولوا على فُتات أخلاقِ الأمم، فيرون العزة في اتداء لباسهم، والتميز بمحاكاة مسمياتهم، والتفاخر في السياحة في بلادهم.

 

إنه لا شيء يحفظ الكرامة ويجمع الكلمة سوى هذا الدين الحنيف، ولا شيء غيرُ الدين، إنه التوحيد الذي يُكسِب الأمة تميزاً، يمنعها من الذوبان والتمييع، ويحصنها، ويحفظها بأمر الله: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف: 153].

 

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين وللمسلمات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وصلى الله وسلم على خير خلق الله...

 

أما بعد: إنَّ التوحيد الخالص الذي صلح به الأولون سيصلح به الآخرون لا محالة.

إن التوحيد الذي ضمن العزة والمنعة والقوة لأسلافه لا يزال هو التوحيد الذي لا يُغيره الزمن، ولا تُجافيه الفطرة، ولا تنسخه المذاهب؛ يُجسد ذلك الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقُولُ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ"، وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يقُولُ: "قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ".

 

المسلم الحنيف أينما حل نفع، وأينما ظهر سطع، يسعى بكل ما علم واعتقد لإحياء ما اندرس من معالم الحنيفية، في بيته وعمله، في إعلامه ومنبره، يرسخ عقيدة الولاء والبراء، يحقق مبدأ العزة بالتوحيد، وعدم التنازل عن شرع رب العالمين: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)[الحجر: 94]، (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل: 36]، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].

 

لا شيء ينفعنا إلا عقيدتنا *** توحيد ربنا لا العزى ولا اللات

ولا يعم الهدى والخير مجتمعا *** إلا إذا خلصت لله نيات

 

اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وتوحيدنا وبلادنا، اللهم من أراد بنا أو بالإسلام والمسلمين سوءا أو فتنة فأشغله في نفسه، ورد كيده في نحره، وأرح المسلمين من شره.

 

المرفقات

التوحيد مظهر الإسلام ومخبره.doc

التوحيد مظهر الإسلام ومخبره.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات