بيان معنى كلمة التوحيد وشروطها

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2025-01-01 - 1446/07/01
التصنيفات:

 

الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي

 

أما كلمة التوحيد فهي قول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».

ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وهي متضمنة لنفيٍ وإثباتٍ.

فأما النفي ففي شقها الأول وهو قول: «لَا إِلَهَ»، فهي تنفي بذلك جميع ما يعبد من دون الله.

 

وأما الإثبات ففي شقها الثاني وهو قول: «إِلَّا اللَّهُ» فهي تثبت بذلك العبودية بأنواعها كلها -الظاهرة منها والباطنة- لله وحده لا شريك له، لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه وربوبيته، وبذلك تتحقق البراءة من كل ما يعبد من دون الله من الأنداد. كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].

 

وكَلِمَةَ التَّوْحِيدِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، هِيَ كَلِمَاتٌ لَا تَتِمُّ النِّسْبَةُ الْمَقْصُودَةُ فِيهَا مِنْ حَصْرِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الله إِلَّا بِمَجْمُوعِهَا»[1].

 

وكلمة التوحيد أعظم شهادة، من أعظم شاهد وهو الله تعالى وأعظم مشهودٍ وهو القسط به ومشهود عليه وهو كلمة التوحيد؛ كما قال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

 

قال ابن سعدي[2] - رحمه الله -:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» تَأكيدٌ لتفرُّدِه بالألوهيَّةِ، وتقريرٌ لتوحيدِه، وأنَّه لا يستحقُّ العبادةَ غيرُه»[3].

 

شروط كلمة التوحيد:

لقد اجتمع لكلمة التوحيد من الثمار العديدة والفضائل والخصائص ما يعجز المقام عن حصره، إلا أنَّ قائلها لا تنفعه تلك الفضائل بمجرد النطق باللسان، ولا ينتفع بها إلا من عمل بمقتضاها وحقق شروطها وأتى بلوازمها، وعلم مدلولها نفيًا وإثباتًا، واعتقد ذلك اعتقادًا جازمًا لا يعتريه ريب أو شك، وقرن مع الاعتقاد الجازم بها، العمل بمقتضاها.

 

فأما مَن قالها وعمل بها ظاهرًا من غير اعتقاد جازم نابعًا من القلب، فذاك المنافق، وأما من تلفظ بها وعمل بنقيضها ولم يحقق لوازمها من الإشراك بالله في عبادته، فذاك المشرك الكافر، كالذي يتلفظ بها وهو يصرف شيئًا من أنواع العبادات الظاهرة أو الباطنة ويتوجه به لغير الله تعالى المستحق للعبادة وحده لا شريك له؛ كالذبح لأرباب القبور أو الجن أو غيرها من المخلوقين والنذر لغيره سبحانه، ودعاء الأموات والاستغاثة بهم وطالب قضاء الحوائج منهم والتوكل عليهم والإنابة والفزع إليهم ودعائهم من دون الله، ورجائهم وخوفهم ومحبتهم من دون الله ونحو ذلك من العبادات التي لا تصرف إلا لله تعالى، فمن صرف شيئًا من تلك العبادة أو غيرها مما لا يصلح صرفه إلا له سبحانه، فهو مشرك كافر بالله تعالى، ولا ينفعه التلفظ بكلمة التوحيد حتى يصرف العبادات كلها لله ويعمل بلوازمها ومقتضياتها ويخلص الدين كله لله.

 

ولقد نبه الشيخ حافظ الحكمي- رحمه الله - في كتابه الماتع معارج القبول على ذلك فقال- رحمه الله -:«ليس المراد من ذلك عدَّ ألفاظها وحفظها فكم من عاميٍّ اجتمعت فيه والتزمها ولو قيل له اعُددها لم يحسن ذلك، وكم حافظٍ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيرًا فيما يناقضها، والتوفيق بيد الله»[4] ا.هـ.

 

وقيل للحسن البصري[5] - رحمه الله -: «إن ناسًا يقولون: من قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دخل الجنة؛ فقال: «من قال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فأدَّى حقها وفرضها دخل الجنة»[6]

 

وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟

قال: «بلى؛ ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، إن أتيت بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يُفتح لك».

يشير بالأسنان إلى شروط لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [7].

 

وحيث إن الانتفاع بهذه الكلمة العظيمة الطيبة لا يتم لمخلوق إلا إذا تحققت فيه شروط سبعة، وهذه الشروط أخذها العلماء المحققون بالتتبع والاستقراء للأدلة من الكتاب والسنة، فوجدوا أن تلك الكلمة قُيِدت في الكتاب والسنة بقيود عظيمة الشأن جليلة القدر، وأن هذه الكلمة لا تنفع قائلها إلا إذا استوفى تلك الشروط مجتمعة وهذه الشروط هي: العلم، اليقين، القبول، الانقياد، الصدق، الإخلاص، المحبة.

 

وقد جمعها العلَّامة حافظ حكمي - رحمه الله - فقال:

وبشروط سبعة قد قيدت

وفي نصوص الوحي حقًّا وردت

فإنه لم ينتفع قائلها

بالنطق إلا حيث يستكملها

العلم واليقين والقبول

والانقياد فادر ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة

وفقك الله لما أحبه[8]

 

الشرط الأول: العلم بمعناها المراد منها-نفيًا وإثباتًا-ويكون ذلك نطقًا باللسان وعملًا بما تقتضيه تلك الكلمة العظيمة بالجوارح والأركان.

 

ولا يتحقق ذلك إلا بنفي جميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة عن كل من سوى الله وإثباتها لله وحده لا شريك له تعالى في فاتحة كتابه المجيد: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].

 

فكلمة ﴿ إِيَّاكَ ﴾في الجملتين مفعول به حقه التأخير، لكنها تقدمت فعلي ﴿ نَعْبُدُ ﴾ و﴿ نَسْتَعِينُ﴾ لتفيد الحصر والاختصاص، وتقديم المعمول في اللغة كما هو معلوم يفيد الحصر والاختصاص، فتحصر العبادة لله ولا يختص به سواه سبحانه، وكذلك الاستعانة، فيكون المعنى: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.

 

ومثل هذا قوله تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40].

ومثله أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41].

 

وقال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].

 

قال الطبري - رحمه الله -: «يقول-تعالى ذكره- لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاعلم يا محمد، أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة، ويجوز لك وللخلق عبادته؛ إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كل شيء، يدين له بالربوبية كل ما دونه»[9].

 

وكما قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86].

وقال الطبري أيضًا في قوله ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ قال: «كلمة الإخلاص»[10].

وعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الْجَنَّةَ»[11].

 

قال القرطبي - رحمه الله - في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَهُوَ يَعْلَمُ»: «حقيقة العلم هي وضوح أمرٍ ما وانكشافه على غايته، بحيث لا يبقى له بعد ذلك غاية في الوضوح»[12].

 

الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك.

ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15].

 

قال الطبري: «يقول -تعالى ذكره- للأعراب الذين قالوا آمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدقوا الله ورسوله، ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾، يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله، ولا في نبوة نبيه- صلى الله عليه وسلم»[13].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بها عبدٌ غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة»[14].

 

الشرط الثالث: القبول لما تقتضيه كلمة التوحيد بقلبه ولسانه، غير مستكبر عنها.

قال تعالى في وصف حال المجرمين إذا دُعوا إلى هذه الكلمة الطيبة: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35].

 

قال الطبري - رحمه الله -: «يقول -تعالى ذكره-: وإن هؤلاء المشركين بالله الذين وصف صفتهم في هذه الآيات كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: قولوا: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾. يقول: يتعظمون عن قيل ذلك ويتكبرون، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل»[15].

 

قال البغوي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35]: «يتكبرون عن كلمة التوحيد، ويمتنعون منها»[16].

 

والأمر كما ذكر الطبري شيخ المفسرين وكما بين البغوي، في تعاظم المشركين وتكبرهم وامتناعهم عن قولها والنطق بها، هو عدم القبول لهذه الكلمة كما تبين معنا في الشرط الثالث المذكور آنفًا.

 

الشرط الرابع: الانقياد والاستسلام المنافي للترك لما دلت عليه كلمة التوحيد ويكون ذلك ظاهرًا وباطنًا.

فينقاد لما دلت عليه، ويعبد الله وحده لا شريك له، ويؤمن بشريعته ويعمل بها ويعتقد أنها الحق، ولعل الفرق بينه وبين القبول: أن الانقياد هو الاتباع بالأفعال والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول ويلزم منهما جميعًا الاتباع ولكن الانقياد هو الاستسلام والإذعان وعدم الترك لشيء [17]من شروط لا إله إلا الله.

 

قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22].

 

قال القرطبي - رحمه الله -: «قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [لقمان: 22].أي: يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى»[18].

 

قال البغوي - رحمه الله -:«قوله تعالى: ﴿ الله ﴾ يعني: لله، أي: يخلص دينه لله، ويفوض أمره إلى الله»[19].

 

وكلام القرطبي والبغوي إنما عنيا به وقصدا الانقياد والاستسلام.

 

وقال أبو جعفر النحَّاس - رحمه الله -: «قوله جل وعز: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي: عن توحيد الله ۵»[20].

 

الشرط الخامس: الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق فمن نطقها بلسانه وأنكر حقيقتها ومدلولها بجنانه فإنها لا تنفعه ولا تنجيه، بل هو في جملة وتعداد المنافقين، الذين ذكرهم الله في كتابه فقال سبحانه في وصفهم: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: 1].

 

فرد الله دعواهم تلك وأبطل زعمهم الكاذب بقوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾.

 

قال الطبري - رحمه الله -:﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ إنما كذب ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يقبل إيمانهم، وقد أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا»[21].

 

وقال سبحانه أيضًا في وصفهم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8].

 

وقال جل في علاه في وصفهم أيضًا: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204].

 

ومن الحجج والبينات الصريحة على اشتراط التصديق بالجنان مع الإقرار باللسان ومن اشتراط الصدق في الشهادة ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه؛ إلا حرمه على النار»[22].

 

هذا جزاء من قالها صدقًا من قلبه، وبمفهوم المخالفة أن من قالها كاذبًا غير صادقٍ في قوله، لا يدخل الجنة، بل هو من أهل النار.

 

الشرط السادس: الإخلاص المنافي للشرك، وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك والنفاق والرياء والسمعة.

فيخلص العبد لربه جميع عباداته القولية والفعلية، وإذا صرف شيئًا منها لغير الله، لأي مخلوق كائنًا من كان، لملك مقرب أو لنبي مرسل، أو لولي من الأولياء، أو لجني، أو لوثن، أو لأي أحد من دون الله تعالى فقد أشرك بالله تعالى وانتفى عنه الاخلاص.

 

كما قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 2، 3].

وقال سبحانه: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3].

وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

 

ومن السنة ما ثبت في الصحيحين وفي مسند أحمد من حديث مَحْمُودُبْنُ رَبِيعٍ[23] عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ في قصة مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ ﭫ قال: قال صلى الله عليه وسلم: «فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»[24].

 

وفي لفظ: «لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله، يبتغي بها وجه الله إلا حرم الله عليه النار»[25].

 

وفي لفظ: «ألا تقولوه[26]: يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؟ قال: بلى، قال: فإنه لا يوافي عبد يوم القيامة به إلا حرم الله عليه النار»[27].

 

وثبت عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»[28].

 

الشرط السابع: المحبة لكلمة التوحيد ولما اقتضته ودلّت عليه، محبة منافية للبغضاء والكره.

فمن شروط صحة تحقيق كلمة التوحيد، محبتها ومحبة لوازمها ومحبة ما اقتضته وأوجبته ومحبة أهلها، وبغض أعدائها وبغض ما ينافيها من الشرك بالله تعالى بكل صوره؛ ومن لوازم محبة كلمة التوحيد أيضًا، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.

 

قال ابن القيم - رحمه الله -: «فالله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته، مع الخضوع له والانقياد لأمره»[29].

 

وأن تكون محبته لله محبة ذاتية منفردة لا يشرك في محبته سواه جل في علاه، لأنه لا يُحبُ لذاته إلا الله تعالى، ويحب ما أحب اللهُ ورسولهُ، ويبغض ما أبغض اللهُ ورسولهُ، وأما كل ما سوى الله من المخلوقين فمحبته لما فيه من خير، ولا يُحِب مع الله أحدًا وإنما يُحب في الله ولله؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»[30].

 

قال العلَّامة حافظ الحكمي - رحمه الله -: «وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه»[31].

 

كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

 

قال الشوكاني[32] - رحمه الله -:«هؤلاء الكفار لم يقتصروا على مجرد عبادة الأنداد، بل أحبوها حبًّا عظيمًا وأفرطوا في ذلك إفراطا بالغًا، حتى صار حبهم لهذه الأوثان ونحوها متمكنًا في صدورهم كتمكن حب المؤمنين لله سبحانه»[33].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار»[34].

 

وزاد بعض أهل العلم شرطًا ثامنًا وهو: (الكفر بالطاغوت).

 

بيان معنى الطاغوت:

1- الطاغوت لغة:

قال ابن منظور - رحمه الله -: «الطاغوتُ: ما عُبِدَ من دون الله ۵، وكلُّ رأْسٍ فـي الضلالِ طاغوتٌ»[35].

 

2- الطاغوت اصطلاحًا:

قال الإمام ابن القيم[36] - رحمه الله -: «والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع» [37].

 

وقال شيخنا العلَّامة الفقيه ابن عثيمين - رحمه الله -: «وأجمع ما قيل في تعريف الطاغوت: هو ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - بأنه: «ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع»[38] [39].

 

والكفر بالطاغوت هو: الكفر بكل ما يعبد من دون الله، وهي زيادة تفصيلية، وذلك لأنها تدخل ضمنًا في الشروط السبعة السالفة الذكر والبيان.

 

وأمَّا من جعل الكُفر بالطاغوت شرطًا ثامنًا، فقد نظم فيها أيضًا (في هذه الشروط الثمانية) بيتان وهما:

عِلْمٌ يَقِينٌ وَإِخْلاَصٌ وَصِدْقُكَ مَعَ

مَحَبَّةٍ وَاِنْقِيَادٍ وَالقَبُولِ لَهَا

وَزِيدَ ثَمِنُهَا الكُفِرَانُ مِنْكَ بِمَا

سِوَى الإِلَهِ مِنَ الأَوْثَانِ قَدْ أُلِهَ[40]

 

وقد ثبت في صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه عن النبي عليهالصلاة والسلام أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله»[41].

 

وفي لفظ آخر عند أحمد في المسند: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمـه»[42].

 

فلابد مع النطق بكلمة التوحيد الإتيان بجميع لوازمها، ومن أهم لوازمها الكفر بالطاغوت (وهو الكفر بكل ما عُبِدَ من دون الله).

 

كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾ [البقرة: 256].

 

ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله - في نونيته:

شرط المحبة أن توافق من

تحب على محبته بلا عصيان

فإذا ادعيت له المحبة مع خلا

فك ما يحب فأنت ذو بهتان

أتحب أعداء الحبيب وتدعي

حبًّا له ما ذاك في إمكان

وكذا تعادي جاهدًا أحبابه

أين المحبة يا أخا الشيطان

ليس العبادة غير توحيد المحبة

مع خضوع القلب والأركان

والحب نفس وفاقه فيما يحبه

وبغض ما لا يرتضي بجنان[43]

المصدر: « معالم التوحيد في فاتحة الكتاب »

[1] ينظر: البحر المحيط في التفسير (3/ 194).

[2] هو الشيخ العلَّامة أبوعبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، ولد في القصيم في (1307هـ)، اشتغل بالعلم على يد علماء بلده، ولما بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريس، توفي سنة (1376هـ) في القصيم، بالمملكة العربية السعودية، وللاستزادة، ينظر: مصادر هذه الترجمة في:

1- مشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص256).

2- ابن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة، رسالة ماجستير إعداد د/ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد (من ص13 إلى 61).

[3] ابن سعدي) 128).

[4] معارج القبول (1/ 377).

[5] الحسن البصري (21 -110هـ)، هو: الحسن بن يسار البصري، تابعي، ولد بالمدينة، رأى بعض الصحابة، وسمع من قليل منهم، شهد له أنس بن مالك وغيره. وكان إمام أهل البصرة، نقل عنه أنه قال بقول القدرية، وينقل أنه رجع عن ذلك، [تهذيب التهذيب (2 / 242 - 271)؛ والأعلام للزركلي (2/ 242)؛ و (الحسن البصري) لإحسان عباس].

[6] حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (8/ 95).

[7] التاريخ الكبير للبخاري (1/ 59)، والحلية لأبي نعيم الأصبهاني (4/ 66).

[8] معارج القبول (1/ 32).

[9] التفسير (22/ 174).

[10] التفسير (21/ 654).

[11] أخرجه مسلم (26) واللفظ له.

[12] ينظر: المفهم، باب من لقي الله تعالى عالمًا به دخل الجنة، حديث) 21).

[13] التفسير(22/ 318).

[14] أخرجه مسلم (27).

[15] الطبري (21/ 34).

[16] البغوي (7/ 39).

[17] ينظر: (الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما) للعلامة الدكتور عبد الله بن جبرين، (ص81)، وتحفة الإخوان للإمام العلَّامة ابن باز، (ص26). (بتصرف).

[18] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (14/ 70).

[19] البغوي (6/ 182).

[20] معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النحاس (6 ص23).

[21] التفسير (9/ 390).

[22] أخرجه البخاري (128)، ومسلم (32).

[23] محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو أدرك النبي ﷺ وعقل منه مجة مجها في وجهه من بئر في دارهم ، وهو يومئذ ابن أربع سنين. وحدث عن : أبي أيوب الأنصاري ، وعتبان بن مالك، وعبادة بن الصامت، وغيرهم، وروى عنه من الصحابة أنس بن مالك. وقال يحيى بن معين: «له صحبة». سير أعلام النبلاء (3/ 520).

[24] البخاري (5086)، ومسلم (33).

[25] البخاري (6059)، ومسلم (33).

[26] كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية المستملي والسرخسي: «لا تقولوه» بصيغة النهي. البخاري ( 6539).

[27] البخاري (6059)، ومسلم (33).

[28] البخاري (99). وللاستزادة، ينظر: مقال (أدلة شروط لا إله إلا الله من كلام أئمة الإسلام) -موقع ملتقى أهل الحديث.

[29] مدارج السالكين (1/ 99).

[30] أخرجه أبو داود (4681) من حديث أبي أمامة صُدَيّ بن عجلان. وصححه الألباني في صحيح وضعيف السنن (4681).

[31] معارج القبول (2/ 420).

[32] محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الملقب بـبدر الدين الشوكاني، أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة وفقهائها، ومن كبار علماء اليمن ولد في اليمن (1173هـ) ونشأ بصنعاء، وولي قضائها ومات حاكمًا بها سنة (1250) هـ .

[33] فتح القدير (1/ 108).

[34] البخاري (16)، ومسلم (43).

[35] لسان العرب (8/ 444).

[36] ابن القيم (691 -751 هـ)، هو: محمد بن أبي بكر بن سعد الزرعي. شمس الدين من أهل دمشق. من كبار الفقهاء. تتلمذ على ابن تيمية وانتصر له ولم يخرج عن شيء من أقواله، وقد سجن معه بدمشق. من تصانيفه (الطرق الحكمية)؛ و(مفتاح دار السعادة)؛ و(الفروسية)؛ و(مدارج السالكين )، [الأعلام 6 / 281؛ والدار الكامنة (3 / 400)؛ وجلاء العينين (ص20)].

[37] إعلام الموقعين (1/ 50).

[38] القول المفيد (1/ 10).

[39] وينظر: معالم تربية الولدان في ضوء وصايا سورة لقمان، (ص: 491) وما بعدها، رسالة ماجستير تحت الطبع، الجامعة الإسلامية العالمية -القاهرة- للباحث: عرفة بن طنطاوي.

[40] بعد بحث مضنٍ لم يقف الباحث على ناظم البيتين، إلا أن البعض ينسبهما للشيخ سليمان بن سحمان، ولم يقف الباحث على شيء يثبت ذلك.

[41] أخرجه مسلم (23).

[42] أخرجه أحمد (15875)، و ابن حبان (171).

[43] القصيدة النونية لابن القيم مع شرح محمد خليل الهراس (2/ 134).

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات