القواعد الأربع في التوحيد

خالد بن خضران العتيبي

2024-02-02 - 1445/07/21 2024-02-14 - 1445/08/04
عناصر الخطبة
1/الحنيفية ملة إبراهيم هي دين كل الأنبياء 2/خطورة الشرك وأنه أعظم ذنب عصي الله به 3/أهمية تعلم أربع قواعد في التوحيد وبيانها.

اقتباس

وما أكثر المسلمين في كثير من بلاد الإسلام يقولون لا إله إلا الله، وهم يذبحون لغير الله ويدعون أصحاب القبور ويطلبون منهم المدد؛ فهل هؤلاء تنفعهم لا إله إلا الله لا تنفعهم ولو كانوا يرددونها الليل والنهار.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:

 

اعلموا -عباد الله- أن الحنيفية هي ملةُ إبراهيم -عليه السلام- يعني دينَ إبراهيم -عليه السلام-، بل هي دين جميع الأنبياء والرسل، فكلهم حنفاء يعني مائلون عن الشرك إلى التوحيد وكلهم يدعون إلى هذه الملة أعني توحيد الله -سبحانه وتعالى-؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].

 

وهذه الملة هي التي خلق الله -سبحانه وتعالى- الخلق من أجلها وهي عبادة الله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وهذه العبادة لا تكون صحيحة إلا مع التوحيد؛ فإن الشرك إذا دخل العبادة أفسدها كالصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فكما أن الطهارة إذا أحدث الإنسان فسدت، كذلك العبادة إذا أشرك الإنسان فسدت.

 

عباد الله: إن الشرك أعظم ذنب عصي الله -سبحانه وتعالى-؛ قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيْمٌ)، وإذا كان الشرك من النوع الأكبر كالذبح لغير الله ودعاء غير الله كدعاء الأموات والنذر لغير الله فإنه يحبط جميع أعمال الإنسان، فلا تنفع العبد صلاته ولا زكاته ولا صيامه ولا قيامه لليل ولا صيامه للنهار ولا أي شيء من العبادات؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65].

 

ويكون كذلك والعياذ بالله من الخالدين في نار جهنم؛ قال تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72].

 

فإذا كان الشرك بهذه الخطورة العظيمة فإن يجب على المسلم أن يحذر منه أشد الحذر، وذلك بمعرفة التوحيد وما ينافيه من الشرك، وإن من الأمور المهمة التي تزيد الأمر وضوحاً للمسلم أن يتعلم أربع قواعد، وهي في غاية الأهمية ضل عنها أناس كثير ووفق الله -سبحانه وتعالى- من شاء من عباده لفهمها.

 

القاعدة الأولى: أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقرون بأن الله هو الخالق المالك المدبر ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، والدليل قوله تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ)[يونس: 31].

 

فجوابهم على سؤال من يرزقهم؛  (فَسَيَقُولُونَ اللّهُ)، ثم أمر الله رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد ما يعترفوا بهذا الأمر أمره أن ينكر عليهم بقوة ويقول لهم (أَفَلاَ تَتَّقُونَ)، ذلك بصرف العبادة له وحده ما دام أنه هو الذي يرزق ويخلق ويحي ويميت ويدبر هذا الكون؛ فالواجب أن تفردوه بالعبادة.

 

فالمشركون الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكم الله عليه بالخلود في النار كانوا يقرون بربوبية الله، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام؛ لأنهم لم يخلصوا العبادة لله -سبحانه وتعالى-؛ بل كان لهم آلهة كما سيأتي يصرفون لها العبادة ويتقربون إليها.

 

وتجد أن من لا يفهم هذه القاعدة إذا قلت له ما معنى لا إله إلا الله قال معناها لا خالق إلا الله وهذا خطأ عظيم؛ لأن لو كان معناها ذلك لم يتردد الكفار والمشركون في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقولوها لأنهم يعترفون بذلك؛ بل كانوا يعرفون أن معناها "لا معبود بحق إلا الله"، ولذلك امتنعوا أن يقولوها؛ لأن لهم آلهةً يريدون أن يتقربوا بصرف العبادة لها، واسمع إلى ردهم عندما دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شهادة أن لا إله إلا الله قالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)[صـ: 5].

 

وما أكثر المسلمين في كثير من بلاد الإسلام يقولون لا إله إلا الله، وهم يذبحون لغير الله ويدعون أصحاب القبور ويطلبون منهم المدد؛ فهل هؤلاء تنفعهم لا إله إلا الله لا تنفعهم ولو كانوا يرددونها الليل والنهار.

 

القاعدة الثانية: أن المشركين الذين بعث إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يجعلون آلهتهم التي يعبدونها وسائط بينهم وبين الله؛ فهم يعلمون أن المعطي والمانع هو الله؛ ولكنهم يقولون نحن أصحاب ذنوب ومعاصي وهؤلاء لهم مكانة عند الله؛ فيتقربون لهم بأنواع العبادة حتى يرفعوا حوائجهم إلى الله، وهذا هو الشرك الأكبر واسمعوا -عباد الله- ما ذا قال الله -سبحانه وتعالى- عن من يفعل هذا وما ذا حكم عليه؛ قال تعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)؛ يعني درجة ومنزلة عند الله؛ (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[الزمر: 3].

 

وحكم الله على من يقول هذا ويفعله بأنه كاذب في قوله أن الآلهة تقرب إلى الله شديد الكفر والعياذ بالله، ويقول تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)؛ فسمى الله -سبحانه وتعالى- تقربهم إلى آلهتهم عبادة وبين أنه هذه الآلهة لا تضر ولا تنفع، وبين الله -سبحانه وتعالى- أنهم عبدوهم من أجل أن يشفعوا لهم عند الله؛ يعني يتوسطوا لهم عند الله، ثم نزه سبحانه وتعالى نفسه عن هذا الشرك؛ فقال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

 

والآن لو سألتَ كثيراً من المشركين لماذا تأتي هذا الضريح والقبر؟ ولماذا تذبح له وتنذر له؟ فيقول لك إنه رجل صالح وأنا مذنب وهذا يرفع حوائجي إلى الله وهذا -والعياذ بالله- هو الشرك الأكبر الذي كان يقع فيه مشركي مكة منهم أبو جهل وأبو لهب.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحيينا على التوحيد ويميتنا عليه وأن يجعلنا من دعاته، أقول ما تسمعون واستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:

 

القاعدة الثالثةُ من القواعدِ المهمةِ في التوحيد: أن المشركين الذين بعث فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا متفرقين في عباداتهم فمنهم من يعبد الملائكة ومنهم من يبعد الأنبياء ومنهم من يعبدُ الصالحين ومنهم من يعبد الأحجار والأشجار ومنهم من يعبد الشمس والقمر ولم يفرق بينهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بل حكم عليهم جميعاً بأنهم مشركون وقاتلهم جميعاً قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة:193]، والفتنة هي الشرك كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-.

 

وهذه القاعدة جواب لشبهة يرددها المشركون فيقولون إن الآيات التي فيها النهي عن الشرك نازلةٌ؛ فيمن يعبد الأصنام فكيف تجعلون الأنبياء والصالحين مثل الأصنام؟

والجواب عن هذه الشبهة بمعرفة القاعدة السابقة وهو أنه لا فرق بين من يعبد الحجر ومن يعبدُ الملَك من الملائكة أو الرجل الصالح فلم يفرق الله بين ذلك فكلُه من الشرك الأكبر.

 

القاعدة الرابعة: أن مشركي هذا الزمان شركهم أشد من المشركين الأوائل فإن المشركين المتقدمون في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يشركون في حال الرخاء ولكن في حال الشدة يخلصون الدعاء لله -سبحانه وتعالى-؛ قال تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ).

 

وأما مشركي هذا الزمان فإنهم يشركون في حال الرخاء وفي حال الشدة حتى في الشدائد والصعاب تجد قلوبهم ليست معلقة بالله بل معلقة بأصحاب القبور ويدعونهم من دون الله 

فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحيينا على التوحيد وأن يميتنا عليه.

 

 

المرفقات

القواعد الأربع في التوحيد.pdf

القواعد الأربع في التوحيد.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات