يرسل السماء عليكم مدرارا - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

الخروج إلى الخلاء في الاستسقاء إعلان للخروج من زخارف الدنيا والزهد فيها... والجهر بالدعاء ورفع اليدين مستجدية الله إعلان للذل والحاجة والافتقار إليه -سبحانه-... وقلب الرداء بعد الدعاء إعلان لبدء صفحة جديدة مع الله نقية طاهرة خالية مما علق في النفس من شوائب... إن منع المطر ثم اللجوء للاستسقاء إعادة تربية وتهذيب للنفس المؤمنة.

الله مالك الملك وملك الملوك، له الخزائن وحده، لا يملك أحد مِلكًا حقيقيًا إلا هو، فالسماوات والأرض من مُلكه، والمخلوقات والأحياء والجمادات طوع أمره، وما من شيء في هذا الكون إلا منه وإليه -سبحانه وتعالى-... ومن جملة مُلك الله -عز وجل- خزائن المطر، الذي هو مصدر كل قطرة ماء على وجه الأرض، قال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ * وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 21-22].  

 

وهذا المطر الذي خزائنه في السماء لا تنزل منه قطرة إلا بمراد الله وبقدرة الله وبفضل الله ومنته، فهو ينزله تكرمًا ورحمة، ويزيده كلما ازداد العباد طاعة وامتثالًا وتطبيقًا لشرع الله -عز وجل- وأوامره ونواهيه، يقول -عز من قائل-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن: 16]، يعني: ماءً كثيرًا غزيرًا وفيرًا، ومرة أخرى يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96]، فأما بركات السماء فهي المطر، وأما بركات الأرض فهي النباتات والثمرات التي تخرج بهذا المطر (انظر تفسير الخازن وابن كثير...).  

 

لكن هذا المطر قد يمنعه الله -بعدله- عن العباد نتيجة ظلمهم وغفلتهم وذنوبهم وخطاياهم، فعن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم" (ابن ماجه)، قال الشوكاني: "قوله: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم...) فيه: أن منع الزكاة من الأسباب الموجبة لمنع قطر السماء، قوله: (ولولا البهائم...) فيه: أن نزول الغيث عند وقوع المعاصي إنما هو رحمة من الله -تعالى- للبهائم" (نيل الأوطار للشوكاني)، فمنع القطر من السماء هو عقوبة عاجلة يسببها معصية منع الزكاة، ويوم القيامة تكوى بها أعضاؤهم، إلا أن الله يرحم البهائم فيُنزل المطر في الدنيا من أجلهم (انظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني).   وينقل ابن القيم عن أبي هريرة أنه قال: "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم". وينقل أخرى عن مجاهد أنه قال: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم". وينقل ثالثة عن عكرمة أنه قال: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم" (انظر: الداء والدواء لابن القيم).   وفي هذا المنع -وياللعجب!- رحمة؛ فهو -عز وجل- يذكرنا بالحرمان لنتوب ونرجع، قال -عز من قائل-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].      

 

وإذا كان السبب لمنع المطر هو الذنوب والمعاصي فإن العلاج هو التوبة والإقلاع عن تلك الذنوب، أقول: إذا كان السبب في انقطاع قطر السماء هو الغفلة والسدور في الغفلة فإن الدواء الناجع في الذكر الدائم الكثير، وأعيد: إذا كان السبب في انحباس الماء عنا هو كفران النعم وعدم شكرها فإن الحل في الاعتراف لله -عز وجل- والإقرار له بسابغ نعمه، وأكرر: إذا كان السبب في الجدب والجفاف والقحط هو الإعراض عن الله والتكبر عن عبادته فإن البلسم الشافي هو التذلل بين يديه والخضوع له... وقد جمع لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك كله؛ أقصد: التوبة من ذنوب منعت المطر، واليقظة من الغفلة والإقرار بالنعمة والذل بين يدي الله... فيما شرع لنا من صلاة الاستسقاء.   يقول علماؤنا: الاستسقاء في اللغة: طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير، وفي الشرع: طلب السقيا من الله -تعالى- عند حصول الجدب على وجه مخصوص... وقال الرافعي: الاستسقاء أنواع، أدناها: الدعاء المجرد، وأوسطها: الدعاء خلف الصلوات، وأفضلها: الاستسقاء بركعتين وخطبتين، والأخبار وردت بجميع ذلك، (انظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني).  

 

وفي صفتها يروي أنس بن مالك فيقول: أصابت الناس سنة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في يوم جمعة قام أعرابي، فقال يا رسول الله: هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته -صلى الله عليه وسلم-... (متفق عليه)، وقد بوَّب البخاري على هذا الحديث بابًا بعنوان: "باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء"... ويروي عبد الله بن زيد فيقول: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره، يدعو الله، واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين" (متفق عليه)...  

 

هذا إجمالًا، وستجدون في الخطب التالية ما تريدون معرفته عن الاستسقاء؛ معناه ومكانه وحكمه وخطبته وسننه، وصلاته وكيفيتها ودعاؤها... وغير ذلك كثير، فإلى الخطب:

العنوان

خطب الاستسقاء (1) الاستسقاء عند الأمم

2015/10/28 15412 1514 123

الِاسْتِسْقَاءُ ذُلٌّ لِلَّـهِ -تَعَالَى-، وَافْتِقَارٌ إِلَيْهِ، وَإِقْرَارٌ بِقُدْرَتِهِ، وَاعْتِرَافٌ بِنِعْمَتِهِ، وَتَخَلُّصٌ مِنْ كِبْرِيَاءِ النَّفْسِ وَعُتُوِّهَا وَجَبَرُوتِهَا. فَالمُسْتَسْقِي يَطْلُبُ الضَّرُورِيَّ لِحَيَاتِهِ، وَيَذِلُّ لِلَّـهِ تَعَالَى فِي طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ قِيمَةَ المَاءِ، وَيُدْرِكُ مَصِيرَهُ إِذَا فَقَدَ المَاءَ. وَلِأَهَمِّيَّةِ المَاءِ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِ وَبَقَائِهِمْ؛ وَلِعِلْمِهِمْ أَنَّ السُّقْيَا مِنَ اللَّـهِ –تَعَالَى-، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنْزِلُ المَطَرَ أَوْ يُمْسِكُهُ تَتَابَعَ الْبَشَرُ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ؛ فَاسْتَسْقَى الْأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ، وَاسْتَسْقَى المُحَرِّفُونَ لِأَدْيَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا اسْتَسْقَى المُخْتَرِعُونَ لِأَدْيَانِهِمْ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ.

المرفقات

خطب الاستسقاء (1) الاستسقاء عند الأمم

خطب الاستسقاء (1) الاستسقاء عند الأمم- مشكولة

خطب الاستسقاء (1) الاستسقاء عند الأمم.doc

خطب الاستسقاء (1) الاستسقاء عند الأمم- مشكولة.doc


العنوان

خطب الاستسقاء (2) من دلالات استسقاء البشر

2016/01/13 3668 713 19

وَالْعَجِيبُ أَنَّهُ فِي الْحِقْبَةِ الشِّيُوعِيَّةِ لمَّا نَشَرَ الشِّيُوعِيُّونَ إِلْحَادَهُمْ فِي الْأَرْضِ، أَجْدَبَتْ بَعْضُ الْبُلْدَانِ الشِّيُوعِيَّةِ فَذَلَّ الشِّيُوعِيُّونَ تَحْتَ وَطْأَةِ الجَدْبِ وَالجَفَافِ والْحَاجَةِ لِلْمَطَرِ، وَسَمَحُوا لِلْمُسْلِمِينَ بِالِاسْتِسْقَاءِ، وَكَانَ عُتَاةُ المَلَاحِدَةِ مِنْهُمْ يَسْخَرُونَ مِنِ اسْتِسْقَائِهِمْ، فَلَمَّا سُقِيَتِ الْبِلَادُ بِدَعْوَتِهِمْ؛ كَانَ الْغَيْثُ المُبَارَكُ مُنْقِذًا لِلْقُلُوبِ مِنَ الْإِلْحَادِ، وَلِلْأَرْضِ مِنَ الْجَفَافِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى دِينِ اللَّـهِ -تَعَالَى- أَفْوَاجًا، وَسَقَطَ الْإِلْحَادُ وَالمَلَاحِدَةُ.

المرفقات

الاستسقاء (2) دلالات استسقاء الأمم

الاستسقاء (2) دلالات استسقاء الأمم - مشكولة


العنوان

خطب الاستسقاء (6) الاستسقاء بالاستغفار

2017/12/17 7138 948 52

جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ –صَرَاحَةً- عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ إِنْ لَزِمَتِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ حَفِظَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْعَذَابِ، وَمِنْ تَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ، وَبَسَطَ لَهَا الْأَرْزَاقَ، وَمَتَّعَهَا مَتَاعًا حَسَنًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

المرفقات

خطب الاستسقاء (6) الاستسقاء بالاستغفار

خطب الاستسقاء (6) الاستسقاء بالاستغفار - مشكولة


العنوان

خطبة الاستسقاء

2021/12/18 1844 555 5

إن الله حين يُقدِّر الشدةَ, ويحبس القطر, ويحل بالأرض الجدب, فما ذاك من قِلّةٍ حاشاه, ولكنه لحكمةٍ كي تؤوب القلوب لربها, وترتدع عن ذنوبها, أوليس هو القائل -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم: 41]؟, فإن نفعتهم البلايا...

المرفقات

خطبة الاستسقاء.doc

خطبة الاستسقاء.pdf


العنوان

خطب الاستسقاء (8) استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم

2019/10/28 7515 917 48

عِبَادَ اللَّهِ: حَوِّلُوا أَلْبِسَتَكُمْ تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- سَيُغَيِّرُ حَالَنَا، فَيُغِيثُنَا غَيْثًا مُبَارَكًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَادْعُوهُ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ، وَأَيْقِنُوا بِالْإِجَابَةِ، وَأَكْثِرُوا الصَّدَقَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ...

المرفقات

خطب الاستسقاء (8) استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم - مشكولة

خطب الاستسقاء (8) استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم


العنوان

خطب الاستسقاء (9) الاستسقاء على المنبر في الجمعة

2020/01/01 4422 434 24

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَسْتَنُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَأَنْ يَتَعَلَّمُوا مَا فِي أَحَادِيثِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَامِ، فَلَا يُدْرَكُ الْتِزَامُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا بِتَعَلُّمِهَا...

المرفقات

خطب الاستسقاء (9) الاستسقاء على المنبر في الجمعة


العنوان

خطبة الاستسقاء: من أسباب منع القطر من السماء

2020/11/28 4852 459 6

فنقص المكيال والميزان سببٌ للأخذ بالسنين من القحط وجدب الأرض، ومفهوم نقص المكيال والميزان وسَّعه بعض العلماء إلى كل نقص في أداء واجب وسواء كان في الكيل والميزان الحقيقي، أو تعمّد النقص في أداء العمل أو التكاسل في الأداء وعدم الجدية فيه، سواء كان من عامل أو موظف حكومي أو أهلي...

المرفقات

خطبة الاستسقاء من أسباب منع القطر من السماء


العنوان

الاستسقاء

2020/11/25 1788 299 3

فهل فكرتَ يومًا عندما يُصيبُكَ همٌ أو غمٌ، أو عندما تقعُ في مشكلةٍ ومعضلةٍ، هل فكرتَ في أن المخرجَ هو مَدُّ الحبالِ إلى اللهِ -عزَ وجلَ– استغفارًا وابتهالاً وانطراحًا وتوسلاً واستعانةً.. إنَّ الذنوبَ من طبيعةِ البشرِ التي لا يَنفَكُّونَ عنها، وإنما السؤالُ: هلْ نستغفرُ من ذنوبِنا أم لا؟ ...

المرفقات

الاستسقاء


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات