اقتباس
هل تدري ما معنى كبر السن؟! عندما يكون النوم صعبًا، وصعود السُّلم صعبًا، والأكل صعبًا، والاستيقاظ صعبًا، والتحكم في أعضاء الجسم الحيوية أمرًا صعبًا، ويكون الصوم صعبًا، والصلاة شاقة،.. كبير السن الذي سقطت...
تتقلب بالإنسان مراحل حياته وفتراتها، من مهد وطفولة إلى شباب وكهولة، ومن ضعف إلى قوة، ومن صِغَر إلى كِبَر، وهكذا تسلم كل مرحلة إلى أخرى، فينشأ الطفل صغيرًا لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة، فيربيه الله بنعمه، ويغذيه بمننه، ويعطيه من فضله، ويزيده بسطة في العلم والجسم، وصدق ربنا القائل: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 78]، وهكذا يُولَد الطفلُ جاهلاً ضعيفًا، صغيرًا، ثم يدور الزمان دورته، ويعود ضعيفًا كما بدأ، محتاجًا للمساعدة، راغبًا في كلمة حانية، ولمسة دافئة، وإحسانًا ممن حوله، وسبحان من له الدوام، وسبحان الذي يغير ولا يتغير، ويُطعِم ولا يُطعَم.
ويوضح ربنا -سبحانه- في كتابه المجيد مراحل عُمر ابن آدم فيقول –جل وعلا-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الروم: 54]، فسبحان الملك الحق، بعد أن كان قويًّا، مفتول العضلات، متحكمًا في شئونه، يفعل ما يريد، صار ضعيفًا، محتاجًا، وهكذا الدنيا وكل ما فيها، تنبت النبتة ضعيفة ثم تزهو وتكبر وتثمر، ثم تضعف وتموت، ولا يبقى إلا الحي الذي لا يموت.
والإنسان في كبره وضعفه يحتاج إلى صبر، فالبر ليس سهلاً في مرحلة الكبر، بل يحتاج إلى صبر وضبط للنفس، قال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)[الإسراء: 23- 24].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حثنا على إكرام كبار السن، وجعله من إجلال الله تعالى وتوقيره؛ أن نوقر ونقدر ونعطف على المسنين، فقال –صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"(سنن أبي داود 4845 وحسنه الألباني).
وتعظم قيمة كبار السن إذا كانا أبوين شيخين كبيرين، كثيرًا ما أنفقا وسهرا وتعبا في رعاية أبنائهم، فمن واجب الأبناء: البر والإنفاق والصبر والاحتساب، والاستماع إليهم، والحنو عليهم، والبحث عن مراضيهم، واحتساب الأجر في ذلك كله عند من لا تضيع عنده الأجور.
لا شك أننا صرنا في زمان عجيب، يبرّ الرجل صديقه ويعق أباه، ينفق على أصدقائه، ويكون لهم شهمًا كريمًا نبيلاً لا يرد لهم طلبًا، وإذا عاد إلى أبيه أظهر الفقر والقلة، والضعف عن تنفيذ ما يريده منه، وصار هناك من يعق أمه ويرضي زوجته، فللزوجة المزايا الحسان، والإنفاق الراقي، والذوق الرفيع، وللأم التجهم والبخل والحسرات، وأُف -والله- لمن ضيّع والديه في سن الكبر فلم يكونا سببًا في دخوله الجنة، وتأمل في هذا الحديث، دعا جبريل أمين الوحي مبلغًا عن ربه ويؤمن على دعائه النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: " وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ"(سنن الترمذي 3545 وصححه الألباني)، وفي رواية: "شَقِيَ عَبدٌ أَدرك والدَيهِ أَو أَحدَهُما فَلم يُدخِلاهُ الجنَّةَ. فَقلتُ: آمينَ"(الأدب المفرد للبخاري 644 وصححه الألباني). فما أعظم حسرة من ضيَّع والديه في كبرهما، وعند ضعفهما، والجزاء من جنس العمل!. من حقوق كبار السن علينا:
1- الإكرام والاحترام: لا يحتاج كبير السن أكثر من احترام كيانه، وتقدير خبراته في الحياة، فإن بياض شعر رأسه لم يأت من فراغ، وإنما عركته السنون، وزادته التجارب خبرات متراكمة، فإذا نال الاحترام والتقدير، نصح واستفاد المجتمع من خبراته الكبيرة.. إن كبار السن عندهم من الحكمة والخبرة الشيء الكثير إلا أن ما يفسد ويضيع هذه الخبرات قلة الاعتناء وتسفيه الآراء وعدم تقديرها.
2- تذكر تضحياتهم وجهودهم: الأب والأم وكبير السن بحاجة إلى تذكيره بما قدم، ففي التشجيع راحة معنوية وإثابة على ما قدمه من خير وبر، وفي الإهانة والتحقير قتل للنفس، وإهانة للروح.. اجلس بجوار كبير السن، واشكر له تضحياته وذكره بمآثره وكرمه ونبله، فهذا ما يساعد على الشفاء من أمراضه، والتفاؤل والقدرة على الحياة.
3- الصبر على مرضهم وعوزهم: هل تدري ما معنى كبر السن؟! عندما يكون النوم صعبًا، وصعود السُّلم صعبًا، والأكل صعبًا، والاستيقاظ صعبًا، والتحكم في أعضاء الجسم الحيوية أمرًا صعبًا، ويكون الصوم صعبًا، والصلاة شاقة،.. كبير السن الذي سقطت أسنانه، وابيض شعره، وغزت الأمراض والأسقام والأوجاع جسمه، فهو اليوم يتابع عيادة السكر، وغدًا الضغط، مع حاجته الماسة لمتابعة عيادة آلام العظام، مع الضعف العام، وهو في هذه الحالة أحوج منا إلى الرحمة بضعفه، والإنفاق على مرضه، والصبر على عوزه، وعدم التضجر من آلامه، ولكن ليس كل البشر يفعل هذا، (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، و"إنما يرحم الله من عباده الرحماء".
4- إعطاؤهم بعض الوقت: كبير السن بحاجة إلى بعض الوقت في الاستماع إليه والصبر على إعادته للكلام أكثر من مرة، والخروج معه في نزهة، فما أجما أن يسير الرجل يتحدث مع أمه وأبيه، وعمه وعمته وجده وجدته من كبار السن، يستمع لحكايتهم عن الماضي، فهذا الحكي وهذا الحديث مما يخفف عنهم ويشعرهم بأهميتهم في الحياة...
5- هل نرسلهم إلى دور العجزة والمسنين؟ ينبغي للمسلم أن يضع كبار السن في عينيه، ويهتم بما يسعدهم، وأن يحرص على وجودهم وسط أحفادهم، ويقدم لهم ما يريدون من طعام وكسوة، يحتسب في ذلك الأجر عند الله -تعالى-،.. ولكن إذا أراد كبير السن أن يجلس مع مَن هم في مثل سنّه في دور العجزة الجيدة، مع متابعته المستمرة والإنفاق عليه، فلا ينبغي أن يُمنع من ذلك، وأن تترك له الحرية الكاملة في أن يحيا حياته كما يريد، دون ضغط أو عناء..
نسأل الله أن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا، وأن يصرف عن السوء، ونعوذ بالله أن نُرَدّ إلى أرذل العُمر، ونسأل الله حسن الختام.
ومن أجل تذكير المسلمين بشيء من حقوق كبار السن؛ وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضّح دور المسلم تجاه كبار السن والعجزة.. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
التعليقات
زائر
14-01-2022إضافة إلى ما سبق في التعليق السابق
يهمز رجله : لو تحذف أو تجعل بلغة عربية فصيحة
لأن الهمزهو العيب
زائر
14-01-2022فلنسمع إلى سيرته العطرة ما يجعلنا كأبناءٍ لهؤلاء الكبار من التوقير والاحترام
أقول: الكلام غير متسق فربما فيها سقط
يقول : وانظر إلى بلدانٍ مجاورة كيف حال كبارهم ومصيرهم يعيشون
أقول : ربما يقصد بلدان الكفار البعيدة ، لا بلدان المسلمين المجاورة