عناصر الخطبة
1/من أخلاق الإسلام احترامُ الصغير للكبير 2/صور من تعامل النبي مع كبار السن 3/من الآداب تجاه كبار السناقتباس
ثانيًا: السؤال عن حالهم وزيارتهم, فكبير السن يفرح أيَّما فرح إذا طرقت الباب وقلت: يا أبا فلان! والله إنّي اشتقت إليك، وأحب أن أشرب القهوة معك، وأن أستمع إلى حديثك؛ فحديثك يُسعدني ويُفْرحني، وإذا جلست معه اسأله عن ماضيه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنّ الحمدَ للهِ, نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا, من يهده اللهُ فلا مضلَّ له, ومن يضللْ فلا هاديَ له, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له, وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه, صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا, أمّا بعدُ:
فاتقوا الله -عباد الله-, واعلموا أنّ الإسلام السمح قد حثَّنا على التحلي بالأخلاق الحميدة والآداب الكريمة، ومن أعظم الأخلاق والآداب التي جاء بها الإسلام احترامُ الصغير للكبير, وقد جاء عنه -صلَّى الله عليه وسلم- أنّه قال: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حق كبيرنا؛ فليس منا", ولنتعلم هذه الآداب من مدرسة المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، من هذا النبي الكريم والقائد العظيم، كيف كان يتعامل مع كبار السن ومع مَن هم أكبرَ منه؟.
حينما دخل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مكةَ فاتحًا منتصرًا، أقبل أبو بكر ومعه أبوه أبو قحافة -شيخٌ هرِم، شيخٌ كبير-، فحينما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- بفطرته السوية رقَّ له، مع أنّه قبل ساعاتٍ أو أيامٍ أو لحظات كان كافرًا، ولمّا رآه رقَّ له النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال لأبي بكر: "هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ؛ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ"، فقال: "يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ"، هذه الآداب، هذه الأخلاق التي نتعلمها من نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم-.
بل جاء في الصحيحين أنّه -صلى الله عليه وآله وسلم- جاءته ثياب من إحدى البلاد, فجعل يوزعها للناس، فطُرق بابه مرةً فقال: "مَن؟", فقال: معك فلان ومعك أبي مَخرمة، فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- صوت هذا الرجل وهو يقول: معي أبي مَخرمة، ويعرف أنّ مَخرمة كان شيخًا كبيرًا في خلقه شدة، غليظ، ففتح الباب وفي يده ثوب، وقال: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ"، فجعل مَخرمة يُقلِّب الثوب ويلمسه، فقال: "رضي مَخرمة", هل نبينا -صلى الله عليه وسلم- يخاف من هذا الكبير أو يرجوه؟! لا؛ لكنّها آداب العظماء، يتأدَّبون مع كبار السن، ومع مَن هم أكبر منهم.
وبعض الناس -إخوة الإيمان- حينما يُخطئ عليه أحد الكبار لا يحتمل خطأه، ولا تسمح نفسه أن يداريه، وليس هذا -والله- من العقل ولا من الحكمة.
واسمعوا إلى هذا الموقف العجيب الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه, عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ", وهنا نقف: من هي أم أيمن؟ هي خادمة كانت تُباع وتُشترى، اشتراها أبوه عبد الله، ثم لمّا مات كانت تخدمُ نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، وخادمةٌ لأبيه وله -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا كبر نبي الأمة أعتقها لله -جلَّ وعلا-.
إذًا رسول الله، قائد الأمة، الإمام العظيم، يذهب ويزور تلك الأَمة، تلك الخادمة!, قال أنس: فلمّا أقبل إليها وكان معها إناءٌ فيه شراب، فقدَّمته للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يُردْه، قال أنس: قد يكون صائمًا -أي رسول الله-, أو أنّه لا يشتهيه، فجعلت تصخَّبُ عليه، وتعتب عليه، هذه الخادمة تعتب على مَن؟! على نبي الأمة -صلوات الله وسلامه عليه- الذي له حقٌ عليها، وتصخب عليه؛ أي: تذمَّر عليه، وتُسمعه عباراتٍ لا ينبغي لها أن تُسمعه -اللهم صلِّ على محمد-, لم يغضب!, لم يقل: فعلت معك كذا وكذا، قد أعتقتك، أنا الآن أتيتك والفضل لي، أبدًا، إنّما احتمل أذاها.
كم نسمع من بعض الناس ممن يزور أناسًا لهم حقٌ عليهم، إمّا من أعمامهم أو أخوالهم أو الجد أو الجدة، ثم إذا ذهب إلى ذلك الرجل -العم أو الخال- قد يعتب عليه: "يا فلان! لك سنة، لك شهر لم نرك"، ويُسمعه من تلك العبارات التي فيها العتب، وهو ولا شك لم يقل تلك العبارات إلا من حبه له، ومع ذلك قد يغضب هذا الرجل ويقول: الآن أتيته زائرًا ومع ذلك يعتب عليّ، وقد يُضمر في نيته أنّه لن يأتيه مرةً أخرى.
ما هذه الأخلاق؟! لماذا لا نحتمل الأكبر منا؟! لماذا لا نحتمل جيراننا الذين قد بلغوا من العمر ما بلغوا؟!.
واستمعوا إلى هذا الموقف الآخر العجيب الذي يرويه الإمام مسلمٌ في صحيحه, أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما أقبل إلى المدينة, جعل الصحابةُ من الأنصار يُهدون إليه بعض النخلات والمزارع، فلمّا فتح الله عليه وأغناه جعل يرد تلك الهدايا لأصحابها، قالت أم أنس: يا أنس! اذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقل له يُرجع إلينا النخلات حتى لا تذهب إلى غيرنا.
قال أنس: فذهبت إليه، وقلت: يا رسول الله! -وأم أيمن تسمع- تبلِّغك أمي السلام وتقول: أرجع لي تلك النخلات، قال: "نعم، النخلات في ذاك المكان"، وأم أيمن تسمع، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أهداها لأم أيمن، فخرجت أم أيمن وهي غَضْبَى, ووضعت الثوب على عنق أنس وقالت: "والله لا أعطيكهن؛ وقد أعطانيهن النبي -صلى الله عليه وسلم-".
في ظاهر السياق أنّها تعترض على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أُمَّ أَيْمَنَ! اتْرُكِيهِ وَلَكِ كَذَا وَكَذَا"، قالت: "كَلَّا, وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ"؛ أي: لا أرد تلك النخلات، قال أنس: فما زال يعطيها حتى أعطاها عشرة أضعاف، فعندها رضيت, وأرسلتْ أنس ذاك الطفل المسكين.
هكذا تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم-, يُداري الكبار، يعطف عليهم، يرق لهم، ويحتمل أذاهم، وهو رسول الله! وليس أنا وأنت، البشر المُعرَّضون للخطر، ولكنّه رسول الله الذي زكَّى الله أخلاقه, وزكَّاه الله في شمائله -صلوات الله وسلامه عليه-.
أخلاق الإسلام تجاه الكبار لم تقف مع المسلمين فحسب، بل علَّمنا الإسلام أن نتعامل بالقِيم والأخلاق حتى مع كبار السن من غير المسلمين, فها هو الفاروقُ -رضي الله عنه وأرضاه- رأى شيخاً ضريراً يهودياً, يمدُّ يده إلى الناس، ويطلب منهم المساعدة, فقال له عمر: "ما ألجأك إلى ما أرى"، قال اليهودي: فرضتم عليَّ الجزيةَ وأنا كبير السن, لا أستطيع العمل لأؤدِّيَ ما علي, فلجأتُ إلى مدِّ يديْ إلى الناس, فرقَّ له عمرُ وأخذ بيده, وذهب به إلى منزله فأعطاه مالاً, وأمر بإسقاط الجزية عنه وقال: "والله ما أنْصفناه, أنْ أكَلْنَا شَبِيْبَتَهُ, ثم نخذله عند الهرم", وأسقط الجزية عن كل يهوديٍّ كبيرٍ في السن.
وكأنّه يقول: لسنا مثلكم يا أمة الإسلام، فأنتم -يا أمة الإسلام- لو أنّ الكبير عند الموت، لرأيت الصغار والكبار والجيران يحتفون به, ويقضون ديونه ويساعدونه، أمّا أنا فقد تركني الجميع, هذه هي أخلاق الإسلام، فينبغي لنا -أمة الإسلام- أن نتحلى بهذه الأخلاق، فتِّشوا ولنفتش جميعًا عن كبار السن فيمن حولنا.
أيها الشاب: إذا حاورت أو ناقشت أحدًا يكبرك في السن فتعلَّم الأدب معه, لا تقاطعه، ولا تُظهر له أنّك أعلم منه، ولا تُبلغه بأنّك مُخطئٌ بأسلوبٍ قد يستفزه ولا يرضاه، الله الله بالأدب مع الجميع، وخاصةً مع من يكبرنا في السن.
اللهم إنّا نسألك يا حي يا قيوم أن ترزقنا الأخلاق الحميدة، وأن تُعيذنا من الأخلاق الذميمة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين, أمَّا بعد:
إخوة الإيمان: بعد أن عرضتُ لكم هذه القصص ينبغي لنا أن نستخلص أهم الدروس، وأن نعتني بالآداب والأخلاق تجاه كبار السن, ومن تلك الأخلاق والآداب:
أولًا: احترامهم وتقديرهم وخفض الجناح لهم, هذا الواجب علينا تجاه الوالدين خاصة، وتجاه من له حقٌ علينا، ومن السنة أن نتعامل كذلك مع كبار السن من جميع الناس.
ثانيًا: السؤال عن حالهم وزيارتهم, فكبير السن يفرح أيَّما فرح إذا طرقت الباب وقلت: يا أبا فلان! والله إنّي اشتقت إليك، وأحب أن أشرب القهوة معك، وأن أستمع إلى حديثك؛ فحديثك يُسعدني ويُفْرحني، وإذا جلست معه اسأله عن ماضيه: كيف كنتم قبل سنوات؟ كيف تعاملك مع أبيك، مع أولادك؟ وخاصةً الوالدان؛ فهم يفرحون أيَّما فرح إذا سألتهم عن ماضيهم.
أيها الابن، أيتها الفتاة: امكثوا مع والديكم ساعاتٍ طويلة بقدر فراغكم، اسألوهم عن ماضيهم وأحوالهم؛ فإنّهم سيستذكرون قصصًا يفرحون فرحًا شديدًا إذا حكوها لكم.
ثالثا: الرفق في تعليمهم, قد يحاورك أو يعترض عليك أحدٌ من كبار السن, أو ممن هو يكبرك بمعلوماتٍ خاطئة وقصصٍ باطلة، لا ينبغي لك أن تنبري وتقول: أخطأت، بل ينبغي لك أن تُوصل المعلومة له بأسلوبٍ لا يجرحه ولا يستفزه.
هذا نبي الله إبراهيم -عليه السلام- يحاور أباه الكافر وهو -أي: إبراهيم- نبي الله الذي آتاه الله العلم والنبوة، ويقول له: ،(يَا أَبَتِ) تأمَّل إلى هذا الأدب، قل كذلك: يا فلان، يا أبا فلان، يا عم، يا خال، (يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ)[مريم: 43]، ما قال: أنا أعلم منك، أنت جاهل، أنا تعلمت، أنا دكتور؛ (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا)[مريم: 43].
رابعا: أن نبحث عن حوائجهم، وأن نعينهم على ديونهم وحقوقهم, قد يكون كبير السن يعاني فقرا، يعاني من أولادٍ يسألونه، فحبَّذا -وفَّقك الله- أن تحرص على أن تُهدي له شيئًا من المال إذا كان يحتاج إلى ذلك.
خامسا مشاورتهم, إذا شاورت من هو أكبر منك؛ فإنّه سيفرح ويرى أنّك قد احترمته وقدَّرته.
نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك -جلَّ وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعِم وتفضَّل على عبدك وخليلك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم