اقتباس
إنها ذئاب تعوي تريد أن تمسك بأطراف ثوب نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأنى لهم ذلك... إنهم كذبابة حطت على نخلة تمر عملاقة، فلما أرادت أن تغادر قالت لها: أيتها النخلة تشبثي وتمسكي بالأرض؛ فإني مغادرة إياكِ، فأجابتها النخلة العملاقة في غير اكتراث: غادري أو لا تغادري؛ فوالله ما شعرت بك وأنت تحطين، فكيف أشعر بك وأنت تغادرين!...
قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- في تواضع جم وأدب رفيع... ما قالها مباهاة ولا تفاخرًا... بل قالها مقررًا حقيقة أخبره بها ربه -سبحانه وتعالى-، وبلغها لنا كي لا يكون كاتمًا لعلم أمره ربه ببلاغه؛ فقال -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه: "أنا سيد الناس يوم القيامة" وفي لفظ: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع"(متفق عليه)...
وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- هو خليل الرحمن -عز وجل-: فعن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله، ولو كنت متخذا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، إن صاحبكم خليل الله"(رواه مسلم). وهو صاحب الحوض المورود واللواء المعقود، وهو المقدَّم يوم الشفاعة يوم يقول كل نبي: "نفسي نفسي"، فيتقدم نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيشفع فيقبله ربه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع"(متفق عليه).
ومهما قلنا فقدره -صلى الله عليه وسلم- وشرفه ومكانته فوق ما نقول... فقد شرَّفه ربه -عز وجل- تشريفًا ليس بعده تشريف... وأكرمه تكريمًا لا يدانيه تكريم... فاللهم صل على محمد في الأولين والآخرين وفي كل مكان وزمان وحين.
ولكن العجيب الغريب أن يخرج علينا كفار من الغرب والشرق فيحاولون النيل من مكانة نبينا -صل الله عليه وسلم-؟! يشتمونه ويسبونه ويعادونه ويكرهونه!! وهل مثل رسول الله يعادى؟! هل مثله -صلى الله عليه وسلم- يُكْرَه؟! إنها ذئاب تعوي تريد أن تمسك بأطراف ثوب نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأنى لهم ذلك... فإنه -صلى الله عليه وسلم- في رفعة السماء، وفي سمو الضياء، وفي سخاء السحاب، وفي سماحة البحار، وفي رحابة الكون، وفي سعة الفضاء...
إنهم كتلك الذبابة التي حطت على نخلة تمر عملاقة، فلما أرادت أن تغادر قالت لتلك النخلة: أيتها النخلة تشبثي وتمسكي بالأرض؛ فإني مغادرة إياكِ، فأجابتها النخلة العملاقة في غير اكتراث: غادري أو لا تغادري؛ فوالله ما شعرت بك وأنت تحطين، فكيف أشعر بك وأنت تغادرين! إنهم أقوام حاقدون يبحثون عن بقع سوداء في قرص الشمس فهل يجدون؟! يبحثون عن خلل أو فطور في سماء شاهقة فهل يعثرون عليه؟!
هم سفهاء حقراء تافهون مهما بلغت مناصبهم أو علت في الدنيا أماكنهم، أو عظمت في عيون الجاهلين أقدارهم... فإلى كل حقير دنمركي... وإلى كل خنزير فرنسي يفتري على مقام الحبيب النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى كل متطاول جهول أيًا كانت جنسيته نقول: إنكم لم تأتوا بجديد؛ فقد سبقكم الأفاكون والكذابون والمفترون والجاهلون في كل زمان... وسبقكم أهل الجاهلية من الكفار في مكة... وقد تولى الله -عز وجل- الرد عن عرض نبيه -صلى الله عليه وسلم- ضد كل حاقد وشانئ ومبغض وكاره في كل زمان ومكان قائلًا -عز من قائل-: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[الكوثر: 3]؛ إن كارهك هو المقطوع هو المخذول هو المردود هو الخائب...
لكن دعونا نتساءل: ما السر وراء هذا العداء الطافح والحقد الكالح لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من الغرب والشرق؟! إنهم ما رأوه ولا عرفوه فكيف يبغضونهم كل هذا البغض ويسبونه؟!... وقد قرر القرآن السبب الرئيس لهذا العداء بقوله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، فليس عداؤهم لشخص النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكن بغضهم لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من دين الهدى والحق. وهناك سبب آخر مباشر تكشفه إحصائياتهم، فتقول جريدة "تلغراف" البريطانية تبعًا لدراسة أجراها مركز "بيو" الأمريكي: "الإسلام هو الديانة الوحيدة في العالم التي تنتشر أسرع من وتيرة نمو سكان العالم"... وتقول جريدة "الغارديان": "الإسلام سيكون الديانة الأولى في العالم بحلول سنة 2060"... وتؤكد الصحيفة في نفس السياق: أن "الإسلام هو الأسرع نموًا في العالم من باقي الأديان، إذ إن سرعة النمو بين المسلمين هي ضعف تلك المسجلة لدى باقي الطوائف... فبحسب ما كشفته توقعات عدد سكان العالم في الفترة ما بين سنتين 2015 و2060، فإن نسبة النمو الإجمالية لسكان العالم هي 32 بالمئة خلال إجمالي هذه الفترة، يشكل المسلمين وحدهم من تلك نسبة النمو تلك 70 بالمئة"...
ونقول لهم: ابذلوا كل ما في وسعكم، وأخرجوا كل ما جعبتكم، وأظهروا كل طاقتكم، فمهما فعلتم فإن الإسلام غالب ظاهر لا محالة؛ فإنه قضاء قضاه ملك السموات والأرض -سبحانه وتعالى-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 32-33]... وهو الأمر الذي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- تفاصيله قائلًا: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها"(رواه مسلم)، وعن تميم الداري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر"(رواه أحمد).
وإن كل مؤمن صادق غيور على دينه وعلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليتساءل فيقول: ماذا نفعل تجاه من سب نبينا -صلى الله عليه وسلم-؟ كيف ننصر نبينا -صلى الله عليه وسلم- ونرد عن عرضه؟ ونقول: بداية الرد أن نعتز نحن برسولنا ونبينا -صلى الله عليه وسلم-، وندرس حياته وسيرته، ونحبه، ونعلِّم حبه لأولادنا، فنوصِّل إليهم رسالة عملية تقول: إن كنت تكرهونه! فإن ما يقرب من اثنين مليار مسلم يحبونه ويوقرونه ويعظمونه ويرفعونه... إن مليارين من المسلمين ليتمنون لو قدَّموا دماءهم رخصية زهيدة فداء نبيهم -صلى الله عليه وسلم-...
فكلنا زيد بن الدثنة -رضي الله عنه- حين أسروه وهموا أن يصلبوه ليقتلوه، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليُقتل: "أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: "والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي""(السيرة النبوية، لابن كثير). وثانيًا: أن نوضح لغير المسلمين الصورة الحقيقية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فما وصلتهم صورته إلا مشوهة محمَّلة بحقد الحاقدين. وثالثًا: أن نوضح لهم قدر أنبيائهم عندنا -ونحن أولى بهم- فإننا نحب عيسى -عليه السلام- ونوقره، ونحب موسى -عليه السلام- ونُجلِّه، وكذا جميع رسل الله... (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)[البقرة: 285]، فكيف تسبون أنتم نبينا -صلى الله عليه وسلم-! ورابعًا: أن ندافع ونكافح ونرد ونزود عن عرض نبينا -صلى الله عليه وسلم- بكل وسيلة ممكنة، من ردود رسمية ومقاطعة اقتصادية ومقالات صحفية وكتب توضيحية وأصوات قوية تصدع بالحق وتحطم هذا الصمت المهين... لسان حالنا قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه-:
هجوت محمدا فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
وبعد، فهذه أصوات خطباء الأمة كلها تصرخ بالدفاع عن عرض نبيها -صلى الله عليه وسلم-، فلتنصتوا لصرخاتهم:
التعليقات
زائر
15-12-2023جزاكم الله خيرا