عناصر الخطبة
1/ حديث الساعة 2/ جرائم الأعداء 3/ فضل المصطفى صلى الله عليه وسلم وشمائله 4/ حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم 5/ جريمة السخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم 6/ سوء مصير المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم 7/ إيجابيات الحدث 8/ واجب نصرة النبي صلى الله عليه وسلماقتباس
هكذا يفعل عباد الصليب، لم يتركوا نبيًا إلا نالوا منه، فامتلأت أناجيلهم المحرّفة بالنيل من الأنبياء وسبهم حتى صوّروهم بأبشع الصور التي يستحَى من ذكرها، أمّا أن يصل الأمر للاعتداء على نبينا الكريم وخير خلق الله أجمعين فلا والله، لن نسكت ولن نقف مكتوفي الأيدي، نحن المسلمون الوحيدون الذين نؤمن بنوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ..
أما بعد: فيقول الله عز وجل: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) [يس:30]، وقال تعالى: (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ) [المائدة:70]، ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب:57]، ويقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95]، ويقول تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [الكوثر:3] أي: مُبغِضك هو المحروم والمقطوع من خيري الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون، لا يخفى عليكم حديث الساعة، مما جاء في بعض صحف دولتي الكفر الدنمرك والنرويج من اعتداء وتطاول على مقام النبوة العظيم، والحديث عما فعلوه مفصّل في وسائل الإعلام المختلفة.
لقد ذبحوا الشيوخ فأُسكِتنا، وقتلوا الأطفال فأُصمِتنا، وهَتكوا الأعراض فأُلجِمنا، أما وأنهم سبّوا نبينا وحبيبنا ومن جعلت أرواحنا فداه فلا وألف لا.
هكذا يفعل عباد الصليب، لم يتركوا نبيًّا إلا نالوا منه، فامتلأت أناجيلهم المحرّفة بالنيل من الأنبياء وسبهم حتى صوّروهم بأبشع الصور التي يستحَى من ذكرها، أمّا أن يصل الأمر للاعتداء على نبينا الكريم وخير خلق الله أجمعين فلا والله، لن نسكت ولن نقف مكتوفي الأيدي، نحن المسلمين الوحيدون الذين نؤمن بنوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، لا نفرّق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون.
أيها المسلمون، نبيّكم محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، نبي تقيّ ورسول نقي، أحبه الله واصطفاه، واختاره واجتباه, جمع الله له بين الْخُلّة والتكليم، وجعله أكثر الأنبياء أتباعًا، وأعلاهم قدرًا ومقامًا، سَمّاه الله أحمد، فذو العرش محمود وهو محمَّد، كان أجوَد الناس بالخير، كان أجوَد بالخير من الريح المرسلة, ما عُرض عليه أمران إلا أخذ بأيسرهما، أشد حياءً من العذراء في خدرها، ومن حيائه أنه لا يصوّب النظر في عين أحد إلا أرخى عينه، ما عاب طعامًا قط, إن اشتهاه أكله وإلا تركه، إذا تكلم لا يسرع ولا يسترسل، ولو عدّ العادّ حديثه لأحصاه، لا يحبّ النميمة، ويكره أن يبلِغَه أحدٌ عن أحدٍ شيئًا، يقول أنس رضي الله عنه: "خدمت الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: لم فعلت كذا؟ ولم لم تفعل كذا؟ وهلا فعلت كذا". يحلم على الجاهل، ويصبر على الأذى، يبتسم في وجه محدّثه، وإذا صافح أحدًا لا ينزع يده حتى يكون الآخر هو الذي ينزع، يقبل على محدثه حتى يظن محدثه أنه أحبّ الناس إليه، يسلم على الأطفال ويلاعبهم، يجيب دعوة الحر والعبد، ويعود المرضى حتى أهل الكتاب. ما اقترب أحد من أذنه يريد أن يكلمه حتى يسبقه فيحني رأسه له، يبدأ من لقيه بالسلام، خير الناس لأهله، يعلّمهم ويصبر عليهم، ويغضّ الطرف عن أخطائهم، ويعينهم في أمور البيت، يخصِف نعله, ويخيط ثوبه، يأتيه الصغير فيأخذ بيده يريد أن يحدّثه في أمر فيذهب معه حيث شاء، يجالس الفقراء، ويجلس حيث انتهى به المجلس، ويكره أن يقوم له أصحابه، وقاره عجَب، لا يضحك إلا تبسمًا، ولا يتكلم إلا عند الحاجة، ليس فاحشًا ولا متفحّشًا ولا صخابًا بالأسواق، لا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح، لا يقابل أحدًا بشيء يكرهه وإنما يقول: «ما بال أقوام...»، لا يغضب لنفسه ولكن لِحُرُمات الله يغضب.
دخل مكة فاتحًا منصورًا، فلم يدخل متكبرًا متجبرًا مفتخرًا شامتًا، وإنما كان مِلأه التواضع والشكر والحمد. وقف أمامه رجل عند الطواف فأخذت الرجل رِعدة عند وقفته أمامه فقال له: «هوِّن عليك؛ إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة». زهد في الدنيا وقد أتته راغمة، فكان يضطجع على الحصير، ويرضى باليسير، ويمر الشهر تلو الشهر ولا يوقد في بيته النار، وإنما طعامه الأسودان، كان رحيمًا بأمته, أعطاه الله دعوة مستجابة فادخرها لأمته يوم القيامة.
وكما كان أحسن الناس خُلُقًا كان أحسنهم خَلقًا، حتى يقول جابر رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أُضحيان وعليه حلّة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلَهو كان أحسن في عيني من القمر".
شهد بفضله الأعداء، والحق ما شهدت به الأعداء، يقول صاحب كتاب (الخالدون المائة): "لقد اخترت محمدًا في أول القائمة؛ لأنه الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي". وألّف إنجليزي كتابًا اسمه (محمد)، أحرقته السلطات البريطانية الحاقدة، قال فيه: "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، وإن رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجة للجهل والتعصب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، فاعتبروه عدوًّا للمسيحية، لكنني اطلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصّلت إلى أنه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل هو منقذ البشرية, ولو تولى أمر العالم اليوم لوفِّق في حل مشكلاتنا بما يؤمّن السلام والسعادة للبشر".
أيها المسلمون، لقد رفع الله ذكر نبيكم صلى الله عليه وسلم عاليًا، فلا يذكر الله إلا والنبي معه، ولا يتشهّد مؤذن إلا ويشهد برسالته، ولا يصلي مصلي إلا ويشهد له ويصلّي عليه، أرسله الله للناس عامة، فكان للعالمين نذيرًا، وكان خاتمًا للأنبياء والرسل، أقسم الله بحياته فقال: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72].
خاطب الله أنبياءه ورسله بأسمائهم فقال: (يَا نُوحُ) وقال: (يَا إِبْرَاهِيمُ) وقال: (يَا مُوسَى) وقال: (يَا عِيسَى)، ولم يخاطب نبيّنا إلا بوصف النبوة أو الرسالة، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) و(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ). أعطاه الله جوامع الكلم، ونصره بالرعب. تفرد عن الأنبياء بالقرآن باقيًا إلى يوم الدين، وأُعطي الإسراء والمعراج، وتشرّف بالوصول إلى سدرة المنتهى، فرأى من آيات ربه الكبرى. أمَّ الأنبياء في بيت المقدس، وأعطاه الله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، وهي الشفاعة العظمى. كان بركةً على أمته، فكانت أمته خير الأمم، وجعلت لها الأرض مسجدًا وطهورًا، ووضع عنها الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة. هداها الله ليوم الجمعة، وجعلهم أكثر أهل الجنة. أيده الله نبيَّه بالمعجزات الباهرات، فانشقَّ له القمر، ونبع الماء بين أصابعه، وكثر الطعام والشراب بين يديه، رقَّ له واشتاق الحيوان والجماد، فخرَّ له الجمل ساجدًا، وأخبر بنبوّته الذئب، وحنّ الجذع وصاح لفراقه، وانقادَ الشجر له, وسبّح الطعام بحضرته، وسلّم الحجر عليه.
أيها المسلمون، لقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل في صدق محبتهم لنبيهم، حتى قال خباب وهو على خشبة الصّلب: «والله، ما أحب أن أكون في أهلي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي هو فيه يشاك بشوكة». والصدّيق رضي الله عنه يسبقه إلى الغار يوم الهجرة، فيسد كل ثقب وفتحة في الغار، ويبقى ثقب يغلِقه بقدمه، فيُلدغ رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم نائم على حجره, حتى تسقط دموع أبي بكر من الألم على وجه النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا صاحب من أصحابه يغتمّ ويهتمّ لما فكر بأنه لن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة لأنه أرفع مكانة منه في الجنة، فأنزل الله: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69]. والمواقف في ذلك أكثر من أن تُحْصَر.
أيها المسلمون، أذيّة النبي صلى الله عليه وسلم من أفظع الفظائع، فما تظاهر أحد بالاستهزاء به إلا أهلكه الله وقتله شرّ قتله, ذلك أن الله يدافع عن الذين آمنوا، فكيف بنبيكم؟! وذلكم أن الله قد تكفل بالحرب لمن آذى له وليًّا، فكيف به صلوات الله وسلامه عليه؟! وذلك أن الله تعالى قال: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
وانظروا لمصير المستهزئين به والمؤذين له وما أنزل الله بهم من العذاب، فأهلك الله أبا لهب، وجعل في جِيد امرأته حبلاً من مَسد، وهذا الوليد بن المغيرة وأبو جهل وعقبة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل وغيرهم ممن انتقم الله منهم. مزّق كسرى ملِك الفرس كتاب النبيّ حين بعث به إليه، فمزّق الله ملكه، فقُتِلَ على يد أقرب الناس إليه. وارتدّ رجل نصراني كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول بعد ردته: لا يدرِي محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فكان كلّما دفنوه لفظته الأرض خارجَها، ففضحه الله. وكان المسلمون يحاصرون بعض الحصون، فتمتنع عليهم حتى ييأسوا، فما يلبث من بداخل الحصن أن يسخَروا ويسبّوا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيفتح الله على المسلمين من فورهم. وفي المقابل كان من ملوك الفرنج من يحتفظون في صندوق مصفَّح بذهب بخطابٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أحدهم: ما زلنا نتوارثه إلى الآن، لقد أوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا. ولما قال ابن سلول قولته المشهورة: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، سخّر الله ابنَ هذا المنافق عبد الله رضي الله عنه، فوقف له على أبواب المدينة شاهرًا له سيفه قائلا: "والله، لا تدخلها حتى تقرّ أنك أنت الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز".
أيّها المسلمون، إن الواجب اليوم على المسلمين أن يهبّوا للدفاع عن رسولهم ونبيّهم صلى الله عليه وسلم، ولئن كان الله قد تكفل بالدفاع عن نبيه، فإن واجب النصرة ينبع من مكانةِ هذا النبي في قلوب المسلمين، فما من خيرٍ أصابنا إلا وله منّة علينا به؛ أخرجنا من الظلمات إلى النور، وكان بنا رءوفًا رحيمًا، ولئن كنا ندافع عن نبينا اليوم فلِعلمنا بأن الطعن في صاحب الشريعة هو طعن في الشريعة ذاتها.
لقد قال النصارى واليهود في الله قولاً عظيمًا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال له هدًّا، ولكن ما فعله نصارى الدنمرك والنرويج أيقظ القلوبَ الغافلة والعقول الشاردة، وأعاد فتحَ الأعين النائمة. فلئن أراد هؤلاء السخرية والاستفزاز فقد أتاهم الله بأمر لم يحتسِبوه؛ لقد أتاهم الله بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين يبذلون حياتهم رخيصة في الدفاع عنه والانتقام له.
أيها المسلمون، لو تطاول أحد على شخوصنا أو قبائلنا أو رموزنا لقامت قيامةُ من انتُقِص, وهذا عِرض نبيكم صلى الله عليه وسلم يستهزَأ به ويسخَر منه ويشوَّه، (إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا) [التوبة:39].
لقد انطلقت حملة في الغرب قبل ذلك بعنوان: (مليون ضد محمد)، ولكننا نرجو أن يكون ردّنا: (مليار مع محمد). ووالله، إن تخليتم اليوم عن واجب النصرة فسوف يأتي الله بغيركم ثم لا تضرّوه شيئًا.
لقد وصل الذلّ بالمسلمين أن يستَجْدُوا من هؤلاء الاعتذار، نريد منهم أن يعتذروا. لا والله، لن يُجدِيَ اعتذارهم شيئًا، بل الأمر أكبر من ذلك وأخطر. إن سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاصه جريمة عظيمة، ولقد أفتى علماء الإسلام أن مَن سبّ النبي صلى الله عليه وسلم فقد كفر، ولا تقبل له توبة في الدنيا، بل يقتل حتى وإن تاب، وأمره في الآخرة إلى الله. ونحن لا ندعو اليوم لقتال وسفكِ دماء، فهذا فعلُ المتهوِّرين والطائشين والجاهلين، ولكن هناك من الأعمال التي هي أبلغ ردٍّ للمسلمين على هذا الفعل، نبيّنها في الخطبة الثانية إن شاء الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيا أيّها المسلمون، قوموا بواجب النصرة لنبيكم، فإن تنصروه اليوم ينصركم الله، ماذا تقولون يوم القيامة إذا سئلتم: رأيتم وسمعتم عِرض نبيكم قد انتُهك فماذا فعلتم؟!
يا من ترجون شفاعتَه يوم العرض الأكبر، يا من ترجون أن يسقيَكم نبيكم من حوضه، هل تكونون على مستوى الحدث؟! إن شر البلية أن ينقدح في ذهن الناس أن النصرة سوف يقوم بها غيرنا ويكفينا همّها، وإني أقول: لن تبرأ الذمة حتى يشترك الصغير والكبير والجاهل والمتعلم والفقير والغنيّ, كلّ بحسبه. كثير منّا له من المواهب التي رزَقه الله إياها, فلا بارك الله في موهبة لا تستغلّ في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، منّا الخطيب، ومنّا المعلّم، ومنّا الأديب، ومنّا الرسّام، ومنّا صاحب اللغة الأجنبية، ومنا الصحفيّ والكاتب، ومنا التاجر، ومنا من يتقِن استعمال الحاسب الآلي، ومنا الشاب القويّ، ومنا المسئول، ومنا الرجل البسيط العادي، فكلٌّ ينصر بحسبه. هناك أعمال يشترك فيها الجميع، كالدعاء على من قام بهذا العمل وشارك فيه أو أيده أو رضي به أو سمع به ولم ينكِره.
ومن الأعمال المؤثّرة جدًّا المقاطعة الاقتصادية للمنتجات والشركات التي من هذين البلدين، وسلاح المقاطعة من أهمّ الأسلحة السريعة التي يعاقَب بها هؤلاء، ومعرفة هذه المنتجات وشركاتها أمر ميسور، وعقاب هؤلاء ردع لغيرهم، وليعلموا أن خُمس سكان العالم بِيَدهم من الإجراءات ما يردَعهم عن غيِّهم.
لقد رفض هؤلاء الاعتذار، ورفض رئيس وزرائهم استقبال السفراء لمناقشة هذا الأمر, واعتبر المسئولون في تلك الدولة أن ما نُشر هو من باب حرية التعبير المزعومة, ولئن كانوا هم أحرارًا في التعبير على زعمهم فنحن أحرار فيما نشتري ونبذل أموالنا فيه.
أيها المسلمون، لقد أحسن ولي أمرنا - حفظه الله ورعاه وأيّده- حينما قام بسحب سفيرنا هناك بعد أن رفض المسئولون هناك التجاوب مع نداءات العقل والحكمة، فكان تصرّفًا محمودًا مشكورًا. ونحن اليوم أمام تحدٍّ عظيم في نصرته صلى الله عليه وسلم، فإن رسائل الاستنكار التي تبعث إلى السفارة في الرياض وإلى المسئولين في الدنمرك وإلى الصحيفة نفسِها لهي من أعظم ما يرهبهم في قلوبهم, ويعلمون مدى الغضب الذي في قلوب المسلمين, ويعلمون إلى أي مدى يحبّ المسلمون نبيهم. وبعض الناس قد يقول: أنا لا أعرف أن أكتب أو أعبّر، ولكن ألا ترى لمثل هذا إذا حدثت له مشكلة ذهب واستكتب له كاتبًا ليكتب له معروضًا لينهِيَ به مشكلته؟! أليس هذا الحدث هو أهم مشكلة لنا اليوم؟!
على الناس أن يكتبوا اليوم لأصحاب القنوات التي طالما راسلوها واتّصلوا عليها من أجل الغناء والفن وغير ذلك مما لا يليق، عليهم اليوم أن يكتبوا لأصحاب هذه القنوات ليذكّرونهم بالله ويطالبوهم بالمشاركة الفعّالة مع هذا الحدث، وأن يخصّصوا من برامجهم ما يليق بسيّد الخلق مِن حقٍّ عليهم، وأن تعمل البرامج بالطرق الاحترافية التي تعرّف الناس بنبيّهم وقدوتهم. إن صوتي إذا انضمّ لصوتك وصوت الآخر أصبح مؤثرًا جدًّا، وأصبحت هذه رغبة ملحّة ومطلب جماهيري.
على المعلّم أن يعدّ المطويّات والنشرات لطلابه بعد الإجازة في التعريف بنبيّ الأمة وعقد المحاضرات والندوات في المدارس، على الدعاة والعلماء أن ينطلقوا اليوم لتعريف الناس بالسيرة التفصيلية وكتابة الكتب التي تقرّب الناس لنبيّهم بصورة عملية ومشوقة. وإن صح الخبر فإن هناك عزمًا لإنشاء مجمّع للملك عبد الله للسنّة النبوية كمجمّع الملك فهد للقرآن.
هذه الجهود التي ينبغي أن تتواصل وتتوحّد مع بعضها البعض ينبغي أن تكون مشروعًا إسلاميًّا كبيرًا، نشارك فيه جميعًا، كبيرنا وصغيرنا، رجالنا ونساؤنا، فقراؤنا وأغنياؤنا، حتى ينظر الله إلينا وينظر لصنيعنا، فيرضى عنا ويبدّل أحوالنا، وليس شيء على الله بعزيز.
ونحن إذ نشكر اليوم مقام خادم الحرمين وولي عهده على موقِفهما المشرف، فإنّ الشكر موصول للتجار الذين تجاوبوا، وللكتاب الذين كتبوا، وللناس الذين تفاعلوا مع الحدث بصور مختلفة، والقادم أكثر وأجمل.
أيها المسلمون، إنّا لنرجو أن يكون في هذه المحنة منحة عظيمة للمسلمين في الرجوع إلى سنة سيد المرسلين وإحيائها على جميع المستويات. إن لنبينا صلى الله عليه وسلم حقوقًا علينا كثيرة، منها طاعته فيما أمر والابتعاد عما نهى عنه وزجر. ومن حقوقه علينا محبّته حتى تفوق هذه المحبّة محبّتَنا لأنفسنا وأهوائنا ورغباتنا. ومن حقوقه علينا اتباع هديه ظاهرًا وباطنًا, أن نرجع إلى سنته فنبدأ بتطبيقها، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونُصرته تكون بتطبيق سنته في جميع أحوالنا، فما كان منها واجبًا أوجبناه على أنفسنا، وما كان منها مستحبًّا سعينا للإتيان به قدر استطاعتنا.
علينا ـ معاشر المسلمين ـ أن نعكس بتصرفاتنا وأخلاقنا ما كان عليه نبينا، فنكون سفراء لسيرته وسفراء لهديه صلى الله عليه وسلم.
عباد الله، يقول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100]. فنحن إذا لم يخترنا الله أن نكون من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فإننا ليس أمامنا إلا الطريق الثالث وهو طريق الذين اتبعوه بإحسان, فنتّبع نبيّنا والمهاجرين والأنصار بإحسان، نفعل ما فعله لأنه فعله، ونترك الفعل لأنه هو صلى الله عليه وسلم تركه أو نهى عنه. علينا بنشر سنّته القوليّة والعملية في صفوف المسلمين، أن يتربى الأبناء على حبّه والارتباط به قولاً وعملاً، أن يصل صوتنا للعالم أجمع ببيان سيرته العطِرة وأيامه النضرة، أن يعرف العالم الجاهل به من هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير وقدوة الناس أجمعين، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم عليك بمن كذَّب رسلك وقاتل أولياءك وسخِر بأنبيائك. اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يردّ عن القوم المجرمين. اللهم عليك بمن سخر بنبيّنا، اللهم شلَّ أركانه وأمِته ميتة السّوء، وافضَحه يا ربَّ العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم