اقتباس
والحب المباح: ويكون في محبة الطيبات من الأطعمة والأشربة، ومحبة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها، وغير ذلك من حب ما يقتنيه العباد لأنفسهم من الملابس والمساكن والمراكب وغيرها مما أودعه الله في هذه الدنيا من متاعها المباح.
إن من أعظم ما يدل على سمو دين الإسلام وعظمته ومكانته؛ أنه قام على الرحمة وبني على المحبة وأسس على المودة؛ فشرع الحكيم على من ارتضاه له دينا ومنهجا أن يحب الله ورسله وأولياءه، وحلاوة الإيمان ومذاقه تكمن في محبة العبد لربه ومولاه، ومحبة ورسوله، وأن تكون محبتهما أحب شيء إلى العبد.
كما فطر قلب الوالدين على محبة أبنائهما، وفطر قلب الزوجين على محبة بعضهما، وعن الحب سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-؛ حيث قال له: “من أحب الناس إليك قال عائشة”.
وقد يتساءل متسائل عن حقيقة الحب ومعناه؟!
والجواب عنه أن الحب يعني: التحبب إلى المحبوب والتودد إليه، ويمكن القول بأنه ميل وجذب يقع بين طرفين هما المحبوب والمحب بكيفية معينة حسب طبيعة المحبة ومقتضاها ودرجاتها ومنحنى الميل ومراتبه، ولو كان ذلك بين الإنسان والجمادات، كما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن جبل أحد: “أحدٌ جبل يحبنا ونحبه”. (البخاري ١٤٨١).
عباد الله: ويأتي معنا الحديث عن أنواع الحب وبيان صوره وحكم الشرع في ذلك؛ فأما أنواعه فمحمود مشروع ومذموم غير مشروع:
النوع الأول: هو الحب المشروع؛ وهذا النوع تدور عليه ثلاثة أحكام من الأحكام التكليفية، وهي: (الوجوب، والندب والإباحة)، وسنذكر أمثلة على كل صورة منه:
فالحب الواجب: أن يجعل العبد أعظم المحبة لله ورسوله -صلى لله عليه وسلم-؛ فلا يقدم على محبتهما ولد ولا مال ولا تجارة، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ) [التوبة: 24].
وفي السنة المطهرة ما يؤكد على ذلك من حديث أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا”، ولا يوفق لذلك إلا أصحاب الإيمان؛ فهم أِد الناس محبة لله سبحانه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165].
ويلحق بهذا النوع من الحب؛ محبة الفرائض والشعائر والأحكام الشرعية، وكل ما أحبه الله ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- وكذا المحبة في الله دون سواه، قال -صلى الله عليه وسلم- “وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ”، وجاء في حديث السبعة اللذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، “ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه”.
والحب المندوب: وهو ما يحصل للآخرين من الخير والأفراح؛ وما يزول عنهم من الشر والأتراح، ويكون في محبة لقاء المؤمنين، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتهلل وجهه إذا قابل الصديق -رضي الله عنه- وقد سأله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن سر ذلك؛ فقال: “ما يمنعني أن تهلل وجهي إلى أبي بكر فرحا وأبو بكر أول الناس إسلاما، وأقدمهم إيمانا، وأطولهم صمتا وأكثرهم مناقب، رفيقي في الهجرة إلى المدينة، وأنيسي في وحشة الغار، ومن بعد ذلك ضجيعي في قبري، كيف لا يتهلل وجهي إلى أبي بكر فرحا”.
والحب المباح: ويكون في محبة الطيبات من الأطعمة والأشربة، ومحبة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها، وغير ذلك من حب ما يقتنيه العباد لأنفسهم من الملابس والمساكن والمراكب وغيرها مما أودعه الله في هذه الدنيا من متاعها المباح.
النوع الثاني: وهو الحب الممنوع والمحرم، ولهذا صور عديدة وأمثله متنوعة سنذكر بعضها؛ ففيها الغنية والذكرى، وهي كما يلي:
محبة أهل الكفر والضلال: قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22]، كما أن من أمثلة الحب المحرمة؛ مودة الكفار واتخاذهم أولياء، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1].
ومن أمثلة الحب المحرم -أيضا-: محبة انتشار الفواحش والمجاهرين بالذنوب والمعاصي، (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19]، وقال تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) [النساء: 148].
محبة أعياد ومناسبات الكفار ومحبة عاداتهم وخصائصهم والإعجاب بها: كمحبة ما يسمى بعيد الحب ومشاركتهم في هذا الاحتفال الذي ما أنزل الله به من سلطان، وغير ذلك من الأعياد الخاصة بهم.
ومنها: محبة العاشق لعشيقته والحبيب لمحبوبته، وهذا مما ابتليت به الأمة في عصرها الحاضر حتى صارت هذه التقنية فتنة هذا الزمان؛ فنحن أمام تقنيات ميسرة ومتطورة ومن خلال تلك الوسائل والتقنيات يمكن للشباب (ذكور وإناث) رؤية ومحادثة بعضهم ساعات طويلة وتبادل المشاعر والصور بينهم وممارسة ما حرم الله دون رقيب أو حسيب.
ولا شك أن لهذه الظاهرة أعني ظاهرة الحب والعشق والمحرم بين الشباب عموما أسبابا وآثارا، يتوجب على أولياء الأمور والدعاة والمصلحون أن يسعوا إلى محاربتها، ومن تلك الأسباب والآثار:
الفراغ وتسلية الوقت، والبحث عن الحب على حد زعمهم والشهوة غير المنضبطة والفراغ العاطفي وضعف الوازع الديني وكذلك ضعف علاقة الأم بابنتها وإهمالها لها، وعدم الاستماع إلى مشاكلها والانفتاح الإعلامي، وغير ذلك من الأسباب، وإذا لم يتنبه الآباء والأمهات لهذه الأسباب وقع الفأس على الرأس، وحصل ما لا يحمد عقباه؛ من الابتزاز والتهديد والفضيحة، والعلاقة المحرمة التي قد ينتج عنها الحمل -والعياذ بالله-، وضياع الأسرة وتفككها.
ولا شك ولا ريب أن الشرع الحنيف؛ حرم هذه الظاهرة أيا كانت أسبابها ودواعيها؛ لأنها مقدمة إلى كل رذيلة، ومذهبة لكل فضيلة، قال الله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]؛ قال أهل التفسير في قوله: (ولا تقربوا الزنا)، أي؛ “مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه”.
وهذه الصور وغيرها والأمثلة وسواها من الحب الممنوع أو المحرم ينبغي على المسلم أن يتجنبها وأن ينزعه محبتها من قلبه، ولله در القائل:
وداعا أيها الحب****كرهتك فارتحل قدما
كرهتك لم يعد قلب****بصدري يحمل الألما
سأحيا خامد الحس****فلا حب ولا أمل
ستخبو شعلة النفس****ويمضي ذلك الأجل
عباد الله: فيما سبق مختصر عن الحب المشروع والممنوع؛ اسألوا الله -تعالى- أن يقصرنا على محبة ما يحبه ورسوله، وبغض وكراهية ما كرهاه وأبغضاه؛ وحتى نكون من أهل ذلك هناك عدة أسباب ووسائل تعين العبد على تحقيق ما يجب عليه من الحب، والبعد عن عما يحرم عليه منه، ومن ذلك، ما يلي:
التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ لحديث قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه”.
ومن الأسباب مراقبة الله في كل حال، ومحاولة معرفة الحرام والحلال وتحري الدقة في مسائل الاختلاط بالنساء والخلوة, وما حدود الشرع في كل ما يتعلق بالعلاقة بين النساء والرجال والفتيات والشباب من أهل وجيران وأصدقاء وزملاء وغير ذلك·
ومن ذلك: البعد عن كل سبب يحول بين القلب وبين الله -عز وجل-، ومعالجة أحوال القلب وإزالة الشبهات عنه ومداومة الدعاء والذكر والتلاوة.
أيها المسلمون: ومع الحديث عن الحب المشروع والحب الممنوع تأتي مناسبة عالمية تحت عنوان (عيد الحب) وهو عيد من الأعياد البدعية والمحرمة يستوجب التنبيه عليه والتحذير منه؛ فهو عيدٌ وثني لا يجوز المشاركةُ فيه بحالٍ من الأحوال، ويجب قطعُ جميعِ الطرق والوسائل المفضية إليه، وذلك أنه من أعياد الجاهلية التي أبطلها النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-؛ قال أنس –رضي الله عنه-: قدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذا اليومان؟! قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يومُ الأضحى، ويومُ الفطر”.
كما أن الاحتفال بهذا العيد الوثني -عيد الحب- إحياءٌ لشعيرة من شعائـر الكفار؛ وتعظيمٌ لأيامهم الوثنية؛ وتشبهٌ بهم في حياتهم وعلاقاتهم غير الشرعية؛ وتشريع لهذا الحب الممنوع، وترسيخه في بلاد المسلمين مما يزيد الطين بلة ويسب في بلاء وفساد كبير أخلاق ومجتمعي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “من تشبه بقومٍ فهو منهم”، وفي هذا الاحتفالِ مضادةٌ لدينِ الله؛ وقدحٌ في أصلٍ من أصول عقائدِ أهل السنة والجماعة، وهو الولاء والبراء المتمثل في محبةِ المؤمنين وبغضِ الكافرين.
مع العلم أن تقليد الكفار في هذا اليوم يقودُ إلى المحبة القلبية لأعمال المشركين؛ وللمشركين -أيضًا-؛ وينمي الاستئناس بمن يحتفل بهذا اليوم؛ لأن المرء عادة يرتاح لمن يقلده في طبعه ووصفه ورغباته، ولا شك أنه يحرم على المسلم الاحتفال بهذا اليوم أو المشاركة فيه، وقد بين أهل العلم حرمة ذلك، وإليكم بعض أقوالهم:
قال ابن تيمية –رحمه الله-: “مشابهةُ أهلِ الكتاب والأعاجم ونحوهم لابد أن تورث عند المسلمِ نوعَ مودةٍ لهم، أو هي على الأقلِّ مظنة المودة؛ فتكون محرمةً من هذا الوجه سدًّا للذريعة، وحسمًا لمادة حب الكافرينَ والولاءِ لهم، فضلاً عن كونها محرمة من وجوه أخرى بالنصوص الواردة وغيرها”.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: “الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه: الأول: أنه عيدٌ بدعي لا أساسَ له في الشريعة. الثاني: أنه يدعو إلى اشتغالِ القلبِ بمثل هذه الأمورِ التافهةِ المخالفةِ لهدي السلفِ الصالح -رضوان الله عليهم-؛ فلا يحل أن يُحدث في هذا اليوم شيءٌ من شعائر العيد؛ سواء في المآكل أو المشاربِ أو الملابسِ أو التهادِي أو غير ذلك”.
فلنحذر -أيها المؤمنون- من التشبه بأعداء الإسلام وعبَّاد الأصنام، وأن ندع باطلهم ومناسباتهم، وصدق الشاعر حيث قال:
دع الأعاجم تذهب في مواسمها****مذاهب اخترعتها شر مخترعِ
إن الذي يحتذي في ذاك حذوهم****مشارك لهم في الحادث الشنعِ
أليس يأتون فيه كل منكرة ****ويعكفون على الأصنام في البِيَعِ
فما لنا ولهم نقفو مواسمهم****وبيننا موقيات السيف والنطعِ
لا تهد فيها ولا تقبل هدية من****يهدي إليك وذر تخصيصها ودع
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
خطباؤنا الكرام: هذه مقدمة يسيرة عن مفهوم الحب وحقيقته وحكمه وأشكاله وصوره، مرفق معها مجموعة من الخطب تتحدث عن هذه المناسبة البدعية والتي للأسف يتنادى لها ويشارك فيها من أبناء المسلمين؛ وفي هذه الخطب مزيد توضيح وكثير بيان عن الحب الشرعي والمحرم البدعي، سائلين المولى أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى وأن يجنبنا جميعا ما يسخط ويأبى.
التعليقات