عناصر الخطبة
1/ عيد الحب في أصله عيد الخنا والفجور 2/ حرمة الاحتفال بأعياد الكفار 3/ أمثلة من حب النبي –صلى الله عليه وسلم- 4/ مجالات الحب في الإسلام أشمل وأسمى 5/ دراسات وأرقام حول الزواج عن طريق الحب 6/ عيد الحب مناقض لعقيدة الولاء والبراء 7/ بعض تجار المسلمين يكونون عونًا في مثل هذه الاحتفالاتاقتباس
ولسنا نحرّم الحب إذا حرّمنا هذا العيد، فهذا عيد من أعياد الكفار، والمسلمون قد عوّضهم الله بعيدين شرعيين لا يجوز لهم الاحتفال بغيرهما، والأعياد من خصائص الأمم، فلا يجوز لنا أن نشارك أمم الكفر الذين هم أعداؤنا في أفراحهم واحتفالاتهم، ولا شك أنه من الخطأ أن يخلط الإنسان بين ظاهر اسم اليوم وحقيقة ما يريدون من ورائه؛ فالحبّ المقصود في هذا اليوم هو العشق والهيام واتخاذ الأخدان ..
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين: وفي الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون بعيدِهم المباركِ عيدِ التوحيد لله تعالى وتكبيره وتمجيده وشكرِه، وعيدِ الإحسان لعباد الله وبذلِ المعروفِ لهم وإدخالِ السرور عليهم، عيدِ الطهرِ والنقاء والعفاف والصفاء، يحتفل غيرهم بعيدٍ يخالِف اسمه مسمّاه، يسمونه عيد الحب، وحقيقته الخنا والفجور والعهْر، يُرتَكَب فيه من الفواحش ما لا يخطر على بال ولا يقبله شريف، يستدرِجون به الناس إلى حمأة الشهوات والرذيلة.
وليس الحديث عنه ترويجًا، وإنما المقصود هو التحذير منه؛ لأنه في الواقع عيد رائج لا يحتاج إلى ترويج، وإنما يحتاج إلى تحذير، يدل على ذلك الحركة التجارية التي تصاحبه والتي تؤكد تفشي هذا الوباء في قطاع من المجتمع لا يستهان به، وهم فئة الشباب من البينين والبنات.
وهو عادة جاهلية وبدعة مذمومة وتقليد أعمى، اخترقت به الفضائيات خصوصيات المسلمين، ولا شك أن هذا العيد إنما هو دعوة وراءها ما وراءها من إغراء بالشهوات وإشاعة للفحشاء والانحلال بين أبناء المسلمين، تحت مسمى الحب ونحوه.
ولسنا نحرّم الحب إذا حرّمنا هذا العيد، فهذا عيد من أعياد الكفار، والمسلمون قد عوّضهم الله بعيدين شرعيين لا يجوز لهم الاحتفال بغيرهما، والأعياد من خصائص الأمم، فلا يجوز لنا أن نشارك أمم الكفر الذين هم أعداؤنا في أفراحهم واحتفالاتهم، ولا شك أنه من الخطأ أن يخلط الإنسان بين ظاهر اسم اليوم وحقيقة ما يريدون من ورائه؛ فالحبّ المقصود في هذا اليوم هو العشق والهيام واتخاذ الأخدان، والمعروف عنه أنه يوم الإباحية والجنس عند الكافرين، لا قيود ولا حدود، ولا شك أنهم لا يتحدّثون عن الحب الطاهر بين الرجل وزوجته والمرأة وزوجها، وإنما عن علاقات محرمة.
أيها المسلمون: إن التعبير عن المشاعر والعواطف لا يسوِّغ للمسلم إحداثَ يوم يعظمه ويخصّه من تلقاء نفسه بذلك ويسميه عيدًا أو يجعله كالعيد.
ولا توجد أمة من الأمم ولا دين من الأديان يحث أبناءه على التحابِّ والمودة والتآلف كدين الإسلام، وهذا في كل وقت وحين لا في يوم بعينه، بل حثّ على إظهار العاطفة والحب في كل وقت، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وجعل المحبة طريقًا إلى الجنة كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم".
وهذا رسولنا -عليه الصلاة والسلام- يضرب لنا أروع الأمثلة في محبته لأهل بيته كما جاء في السنة المطهرة؛ فيحرص -عليه الصلاة والسلام- أن يشرب من الموضع الذي شربت منه زوجه عائشة -رضي الله عنها-، وفي مرض موته يستاك بالسواك الذي رطبته له، ويموت -عليه الصلاة والسلام- بين سحرها ونحرها، فأي حبّ أشرف وأسمى من هذا؟!
بل إن المسلم تمتد عاطفته لتشمل حتى الجمادات، فهذا جبل أحد يقول عنه -عليه الصلاة والسلام-: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه"، ولا شك أن الحب في الإسلام أعم وأشمل وأسمى من قصره على الحب بين الرجل والمرأة، بل هناك مجالات أشمل وأرحب وأسمى، فهناك حب الله تعالى وحبّ رسوله -عليه الصلاة والسلام- وصحابته وحب الدين ونصرته وحب الشهادة في سبيل الله، وهناك محاب كثيرة، فمن الخطأ والخطر إذًا قصر هذا المعنى الواسع على هذا النوع من الحب.
أيها المسلمون: ولعل البعض يظن -متأثّرًا بما تبثّه وسائل الإعلام ليل نهار- أنه لا يمكن أن ينشأ زواج ناجح أو انسجام تام إلا إذا قامت علاقةُ محبة قَبْلَه بين الشاب والفتاة، وقد يغفل الإنسان حينما تتكرر عليه العروض الإغرائية عما تتضمنه من دعوة إلى الاختلاط والانحلال وكثير من الانحرافات الخلقية، وما ينشأ عنه من فساد كبيرٍ وجرائم عظيمة وضياع للحرمات والأعراض، لسنا في مقام بيانها، لكن نشير إلى أن الدراسات العلمية أثبتت نقيض هذا المفهوم الخاطئ الذي تروّج له وسائل الإعلام، ففي دراسة أجرتها جامعة القاهرة حول ما أسمته بزواج الحب والزواج التقليدي جاء في الدراسة أن الزواج الذي يأتي بعد قصة حب ينتهي بالإخفاق بنسبة ثمان وثمانين بالمائة، أي: بنسبة نجاح لا تتجاوز اثني عشر بالمائة، وأما ما أسمته الدراسة زواجا تقليديًا فهو يحقّق النجاحَ بنسبة سبعين بالمائة، وبعبارة أخرى فإنّ عدد حالات الزواج الناجحة في الزواج الذي يسمونه تقليديًا تعادل ستة أضعاف ما يسمى بزواج الحب.
وهذه الدراسة أكدتها جامعة سيراكوز الأمريكية في دراسة تبيّن منها بما لا يقبل الشك إطلاقًا أن الحب أو العشق ليس ضمانة لزواج ناجح، بل في الأغلب يؤدي إلى الإخفاق، وما هذه النسب المخيفة في حالات الطلاق إلا تصديق لهذه الحقائق؛ يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة تولين: "إنّ الحب الرومانسي قوي وعاطفي جدًّا، ولكنه لا يدوم، بينما الحبّ الواقعي مرتبط بالأرض والحياة، ويستطيع أن يصمد أمام التجربة". وهذا الذي يسميه الحبَّ الواقعي هو ما عبر القرآن عنه بالمودة في قوله تعالى: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوجًا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]. فالصلة بين الزوجين صلة مودة ورحمة، وليست علاقةَ عشق وهيام وصبابة وغرام، فهي صلة محبة هادئة، لا أوهامٍ عشقية لا تثبت على أرض الواقع، ولا خيالات غرامية لم يقم عليها أيّ زواج ناجح.
وما أفقه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قال مخاطبًا النساء: "إذا كانت إحداكن لا تحبّ الرجل منا فلا تخبره بذلك؛ فإن أقلّ البيوت ما بني على المحبة، وإنما يتعاشر الناس بالحسب والإسلام".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المتحابون بجلال الله: إن الاحتفال بمثل هذه الأعياد مناقض لعقيدة الولاء والبراء ولوازمها، وهو من التشبه بأهل الكتاب في مظاهرهم وأعيادهم وأيامهم، وهو مخالفة صريحة لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بالكافرين، ومزاحمة لأعياد الله التي جعلها كافية لهذه الأمة المحمدية المرحومة.
فيا أيها المسلم: دع عنك التبعية لأعداء الدين، والتفت إلى المحبة في الله والبغض في الله؛ فالمرء مع من أحب يوم القيامة، واقتدِ بالصحب الكرام في هذا الأمر، فلقد ضربوا أروع الأمثلة في المحبة العالية السامقة المقرّبة إلى الله تعالى، فلقد روى الطبراني في الأوسط من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إنك لأحبُّ إليّ من نفسي، وإنك لأحبُ إليّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعتَ مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم) [النساء: 69].
وإذا حقّت الحاقة، ووقعت الواقعة، وزلزلت الأرض زلزالها، ودنت الشمس من الرؤوس، فحدث ولا حرج عن الكرامات لهؤلاء المتحابين بجلال الله، يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الله يقول يوم القيامة: "أين المتحابون بجلالي؟! اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي".
إخوة الإسلام: ولا شك أن الوعيَ بخطر هذا العيد وتحريمه قد تحسّن في المجتمع بشكل كبير، وعلم كثير من الشباب والشابات ما في هذا العيد من الخطر على عقيدتهم وسلوكهم، وحتى وسائل الإعلام في هذا البلد بحمد الله تحذر منه وتغري المسؤولين بالتصدي لمظاهره، لكنها ليست بريئة من إفساد عقليات الشباب والشابات بالأفلام التي تعرض والمسلسلات التي تنشر، والتي تزين الحبّ بين الفتى والفتاة، وتصور العشق مقدمة لا بد منها لأيّ زواجٍ ناجح كما يزعمون، فهي مع كونها ترسّخ في أذهان الفتيات الصغيرات أوهامًا وخيالات تجعلهن عرضة للخطأ وصيدًا سهلاً لشباك الشباب الزائغ الضائع، فإلى جانب ذلك تعمل على هدم المجتمع وترفع نسَب الطلاق؛ فتهدم المجتمع بإثارة الفتنة والشهوات بين أبنائه، وترفع نسب الطلاق حين تحسَب الفتاة بعد الزواج أن زواجها قد أخفق؛ لأن مشاعر العشق توقفت، وواقعية الزواج ظهرت، والمسؤوليات تسارعت؛ فتحسب المخدوعة أن زواجها أخفق. وكذلك يحسب الفتى الذي يجد زوجته قد انشغلت ببيتها وأولادها ولم تعد تظهر له العواطف القديمة ومشاعر العشق الوالهة أن زواجه قد أخفق؛ فينشأ الشجار لأتفه الأسباب، وتشتد الخلافات، ويحتدم الشقاق، وربما وقع الطلاق.
إخوة الإسلام: ويشارك وسائل الإعلام في نشر مثل هذه الأعياد البدعية بعض تجار المسلمين الذين يدفعهم حرصهم على ربح عاجل إلى بيع ما يستعان به على الاحتفال بمثل هذه الأعياد، ولا شك أن هذا لؤم وتجرد من المسؤولية ومشابهة لليهود في خيانتهم وإفسادهم لمجتمعاتهم، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن بيعهم في أعيادهم للأكل والشرب واللباس يكره كراهة تحريم؛ لأن هذه إعانة قد تفضي إلى إظهار الدين الباطل، وهذا أعظم من إعانة شخص معين، وهذا المنع إذا كان يبيعه لأهل الكتاب ليستعينوا به على دينهم؛ فكيف ببيعه للمسلم المأمور بعدم التشبه بهم أصلاً؟!".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم