التأريخ الهجري: بدايته، مشروعيته، أهميته – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

مما تتميز به هذه الأمة التأريخ الهجري؛ فهو مميز لها عن تأريخ غيرها؛ إذ تواتر تأريخ النصارى واليهود والأمم السابقة بالشمس، وبالشهور القبطية القديمة، فلما أعز الله هذه الأمة ميزها بالتأريخ الهجري، وربط...

لكل أمة معالم تتميز بها عن غيرها من الأمم، تتجمع حولها، وتتمسك به؛ حماية لبيضتها، وحفظًا لحوزتها، وصيانة لملتها، فقد أراد الله لهذه الأمة أن تكون متميزة في سلوكها ومشاعرها وشرائعها عن غيرها، قال الله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا)[الحج:34]، فلكل أمة مناسك وشرائع تميزها عن غيرها من الأمم.  

 

ولذا جاء الإسلام يحث أتباعه على الحرص على التفرد والريادة، وعدم الاقتداء بالأمم السابقة في كل شيء، وغرس فيهم الاعتزاز بالإسلام، واليقين برفعة هذا الدين وعلوه على غيره، ووصف الله الإسلام بأنه دين قيِّم تام كامل، فقال تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)[الروم:30] فلا نقص فيه ليلجأ المسلمون إلى غيره.   ورفع الله المؤمنين منازل عالية ووصفهم بأنهم خير الأمم، فقال –سبحانه-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران:110]، ولذلك حتى لا يصابوا بالهزيمة النفسية ولا الوقوع في فخ التقليد الأعمى لمن سبقوهم، كما رفع قدرهم بين الأمم إشعارًا لتفوقهم وإعلاء لمنزلتهم فقال جل وعلا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة:143].  

 

ولذا فإن طريق عزة الأمة يتمثل في الاعتصام بالكتاب والسنة، والاستمساك بهديهما، والحذر من الابتعاد عنهما، أو الافتتان بغيرهما من أهواء أو قوانين البشر، ولذا أمر الله نبيه –صلى الله عليه وسلم وأمته تبعٌ له- بالاستمساك بالوحي والاعتزاز به، فقال –تعالى-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الزخرف:43]، وتأمل كيف مدح الله هذه الشريعة ووصف هذا الدين الكامل والمستقيم؛ حتى لا يلتفت المستمسك به إلى أيّ سبيل آخر فيه الغواية والضلال.   ولذلك غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى في يد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أوراقًا تحوي أجزاء من كتب أهل الكتاب من قبلنا، وقال له: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني" (أخرجه أحمد وغيره وحسنه الألباني).   وكما أمر الإسلام أتباعه بالاعتزاز بدينهم نهاهم عن اتباع أو تقليد الأمم والثقافات الأخرى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" (أخرجه أبو داود وصححه الألباني).   وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من اتباع سنن اليهود والنصارى؛ فقال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم!" فقال الصحابة – رضي الله عنهم -: اليهود والنصارى؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فمن؟!" (متفق عليه).  

 

وسبب المنع من التشبه أن يكون للأمة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها من الأمم، ولا مانع أن تأخذ ما تراه نافعًا من غيرها بتعقل وعلم، ولكن لا يكون المسلم إمعة يقلد الآخرين في الخير والشر.   وانطلاقًا من هذه الأصول الجامعة في تميز الأمة رفض النبي –صلى الله عليه وسلم- فكر تشبه الأمة في النداء للصلاة باليهود والنصارى، ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن زيد قال: "اهْتَمَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- للصلاة كيف يجمع الناسَ لها؟ فقيل: انصبْ راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذَنَ بعضهم بعضًا، فلم يُعجِبُه ذلك، فذُكرَ له القُنْعُ - وهو شَبُّورُ اليهود- فلم يعجبه ذلك، فقال: هو من أمر اليهود، فذُكِرَ له النَّاقوسُ، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد الأنصاري، وهو مهْتمّ لِهمِّ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فأري الأذان في منامه ، فَغَدا على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره.." فسُرَّ بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لرغبته في تفرد الأمة وتميزها في شعائرها وعباداتها.   وإن مما تتميز به هذه الأمة التأريخ الهجري؛ فهو مميز لها عن تأريخ غيرها؛ إذ تواتر تأريخ النصارى واليهود والأمم السابقة بالشمس، وبالشهور القبطية القديمة، فلما أعز الله هذه الأمة ميزها بالتأريخ الهجري، وربط أعيادها ومواسمها بالصيام والحج وسائر العبادات، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة:189].  

 

وهذه قضية مهمة أن التأريخ الهجري مرتبط بالعبادات، من صوم وصلاة وصيام وحج، فهو مرتبط بخصوصية الأمة واستقلاليتها وعدم تبعيتها.   وقد أدرك الصحابة هذا المغزى العظيم، قال الإمام الطبري رحمه الله في " تاريخه "(2/3): " ذِكْر الوقت الّذي عُمِل فيه التأريخ: عن الشّعبي قال: كتب أبو موسى الأشعريّ إلى عمر -رضي الله عنهما-: إنّه تأتينا منك كتبٌ ليس لها تأريخ؟ قال: فجمع عمرُ النّاسَ للمشورة، فقال بعضهم: أَرِّخْ لمبعث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-! وقال بعضهم: لمُهَاجَرِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-! فقال عمر: لاَ، بَلْ نُؤَرِّخُ لِمُهَاجَرِ رَسُولِ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- فَإِنَّ مُهَاجَرَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ.  

 

وروى عن ميمون بن مهران قال: رُفِعَ إلى عمر صَكٌّ محلّه في شعبان، فقال عمر: أَيُّ شَعْبَانَ؟ الَّذِي هُوَ آتٍ أَوْ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ ثمّ قال لأصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "ضَعُوا لِلنَّاسِ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ".   فقال بعضهم: اُكْتبوا على تأريخ الرّوم. فقيل: إنّهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول. وقال بعضهم: اُكتبوا على تأريخ الفرس. فقيل: إنّ الفرس كلّما قام ملك طرح من كان قبله.   فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالمدينة؟ فوجدوه عشر سنين.   ثمّ قالوا: فأيّ الشّهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان. ثمّ قالوا: المحرم، فهو منصرَفُ النّاس من حجّهم، وهو شهر حرام فأجمعوا على المحرّم. (ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري:7/ 268-269، وفيض القدير للمناوي:1-101)  

لذلك روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ".   ومن قرأ هذه الآثار، واستمع إلى هذه الأخبار لا يخرج إلاّ بنتيجة واحدة: أنّ أصحاب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أرادوا بوضع هذا التّأريخ هجرَ ما عليه أهل الكتاب والمشركون .. أرادوا تمييز شخصية المسلمين، وعدم التبعيّة للمشركين ..   لقد ساروا على خُطا نبيّهم -صلّى الله عليه وسلّم- الّذي ما مات حتّى تغلغل في صدورهم أنّ مخالفة الكافرين قربة لربّ العالمين ..   فأين التّأريخ الإسلاميّ في حياة المسلمين؟.. أين ذكر محرّم، وصفر، وربيع الأوّل؟..   فعلى المسلمين أن يقفوا مع أنفسهم: هل حقّقوا هذا الأصل العظيم، وهو مخالفة من كفر بربّهم الكريم؟!.. فإن وجدنا أنفسنا كذلك، فلنحمد الله على ذلك، وإلاّ فإنّنا ما فقهنا بعدُ معنًى لما فعله هؤلاء الأخيار من أصحاب النبيّ المختار -صلّى الله عليه وسلّم- ..  

 

إن علينا أن نحذر من الهزيمة النفسية والتقليد الأعمى للغرب، وأن يكون لنا كيان مستقبل عن تقليد غير المسلمين، وإن سبيل عزة هذه الأمة في استمساكها بمصدر فخرها كتاب ربها وسنة نبيها، وعدم الحيدة عنهما، ففيها الكمال والكفاية والتوفيق، ومتى ما تخلت الأمة واتبعت المناهج الشرقية والغربية تتخطفها الأهواء وتقع في البدع.   ومن أجل معالجة هذا الموضوع وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم هذه الخطب المنتقاة، ونسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول وحسن الخاتمة.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
العنوان
التمسك بالتقويم الهجري 2016/10/12 3518 629 7
التمسك بالتقويم الهجري

إن هذه الشهور المبنية على أمر محسوس ليست كالشهور الإفرنجية شهوراً وهميَّة غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس بل هي شهور اصطلاحية مختلفة بعضها يبلغ واحداً وثلاثين يوماً وبعضها لا يبلغ تسعة وعشرين يوماً وبعضها بين ذلك، ولا يعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول أو محسوس أو ديني؛ ولهذا طُرحت في الآونة الأخيرة مشروعات لتغير هذه الأشهر على وجه منضبط لكنها عُورضت من قبل الأحبار والرهبان، من قبل العلماء والعباد من النصارى...

المرفقات

بالتقويم الهجري

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life