اقتباس
إلا أن عددًا غير قليل من الرجال لا يتمتعون بهذا الفهم الدقيق لمعنى القوامة أو الولاية، ولا لأهمية وجود المرأة في حياتهم، فيتسلطون عليها، وكأنها كائن من الدرجة الثانية أو الثالثة، فيمنعونها حقوقها التي كفلتها لها الشريعة بحجج عدة؛ فما بين منعها الميراث الشرعي الذي..
تعددت أشكال الظلم على مر الزمان -ولا تزال-، فما بين ظلم سياسي تمارسه الطبقات الحاكمة على الشعوب، مرورًا بالظلم الاجتماعي الذي تمارسه عناصر المجتمع المختلفة إزاء بعضها البعض، رجالاً ونساءً، وانتهاءً بالظلم الأكبر الذي بين العبد وربه، وهو أن يجعل الإنسان لربه ندًّا أو شريكًا في ملكه أو عبادته.
فأما النوع الأول والأخير -على أهميتهما- فليسا موضوع حديثنا هنا، وإنما مدار الحديث على النوع الأوسط، وهو الظلم الاجتماعي والقهر -لا سيما الذي يمارسه بعض الرجال في المجتمع على المرأة-، سواء أكانت زوجة، أو أختًا، أو ابنة، أو أمًّا، أو المرأة عمومًا التي قد تشعر ببعض الظلم من خلال التفريق في التعامل بينها وبين الذكر في أمور لم تقر الشريعة فيها هذا التفريق، أو ترى شيئًا من التعسف في حصولها على حقوقها في مقابل اليسر الذي يحصل به الرجل على حقوقه، رغم أن الأصل أن يحدث العكس؛ لما في المرأة من ضعف وقابلية للاستمالة، وما في الرجل من قوة وقابلية للمطالبة بحقوقه والحفاظ عليها.
وربما تنامى إلى عقول الكثير من الرجال فهم خاطئ عن معنى القوامة أو الولاية، بحيث صارتا سيفًا ذكوريًا مسلطًا على رقاب النساء، يتحكم به الرجل في الأنثى تحكمًا غير محكوم بضوابط أو أخلاق أو أعراف، وإنما القوامة الشرعية والولاية مسؤولية ذكورية قبل أن تكون قيودًا على الأنثى أو ضوابط لأفعالها؛ فكما أن الأنثى مطالبة شرعًا باستئذان الأب أو الزوج أو الولي في أمور متعددة، وكما أن له عليها سلطانًا كفله له الشرع لما له من حق واجب عليها، ولما تتمتع هي به من مواصفات خَلْقِيَّة طبيعية تحتاج معها لقيام الرجل بالمحافظة عليها والإشراف على أفعالها والحياة في كنفه، فإن عليه هو الآخر -زوجًا كان أو وليًّا- مهمات عظيمة تقع على كاهله إزاءها، من حسن الرعاية والعشرة والإنفاق بالمعروف وتحمل مسؤوليتها، صغيرة كانت أم كبيرة.
إلا أن عددًا غير قليل من الرجال لا يتمتعون بهذا الفهم الدقيق لمعنى القوامة أو الولاية، ولا لأهمية وجود المرأة في حياتهم، فيتسلطون عليها، وكأنها كائن من الدرجة الثانية أو الثالثة، فيمنعونها حقوقها التي كفلتها لها الشريعة بحجج عدة؛ فما بين منعها الميراث الشرعي الذي تستحقه، مرورًا بالضرب المبرح والعنف الأسري الذي يمارسه بعض الأزواج والأولياء على نسائهم، أو الميل لبعض الزوجات دون الأخريات، أو التمتع بها بالزواج مع التساهل في طلاقها كسلعة رخيصة، أو حتى حبسها في المنزل دون مراعاة لحقوقها الطبيعية في الحنو والعطف والإنفاق والعلاقة الحميمة، أو تفضيل الأبناء الذكور على البنات بحجج واهية لا تستند إلى شرع أو عقل أو حكمة، أو عضل البنات والأخوات عن الزواج وحرمانهن من الحصول على المتعة الحلال للاستيلاء على رواتبهن أو مستحقاتهن حتى يبلغن من الكبر عتيًا، كل هذا بغطاء مجتمعي مقيت، أو فهم خاطئ لنظرة الدين للمرأة، التي كرمها الإسلام أمًّا وزوجة وأختًا وبنتًا.
إن هذا السلوك المهين الذي يقوم به بعض الأزواج والأولياء يفتح الباب أمام المنافقين وأعداء الدين للطعن في الإسلام، بحجة أن هذا السلوكيات المشينة، والأفعال الخارجة عن السياق هي من الشرع، أو أقرها الدين، أو حث عليها الإسلام العظيم، في حين أن الله عز وجل ورسوله منها براء، بل على الضد من ذلك أتت الشريعة الإسلامية بما لم تأت به غيرها من الشرائع في التحذير من الظلم بشكل عام، مع التأكيد على أهمية الاعتناء بالمرأة وعدم ظلمها، مع ضمان إيصال كافة الحقوق التي لها على الرجال. ولكن ثُلةً من غير العاقلين من الرجال، أو الذين غرتهم الحياة الدنيا، أو الذين نسوا حساب الآخرة، لا يهمهم ذلك، بل لا يتورعون عن الظلم البين للنساء واعتساف حقوقهن بلا رادع، وذلك لما وجدوه من تهاون مجتمعي في مواجهتهم، ومجابهة ظلمهم بأحكام سلطانية رادعة؛ لذلك فإن على الأجهزة الرقابية والقضائية في هذه البلاد أن تتجرد لله تعالى وتقف في صف المظلومين.
وقد راعينا في جمعنا لمادة هذا الأسبوع في ملتقى الخطباء أن تحتوي خطبنا على مظاهر مختلفة من مظاهر ظلم النساء، مع مراعاة تكوين صورة ذهنية لدى جمهور الخطباء عن النظرة الصحيحة للدين عن المرأة، سواء أكانت تحت أبٍ أم زوج، وسواء أكان الرجل قوامًا عليها أم وليًا شرعيًا لها؛ راجين من الله -تعالى- أن تكون خطوة نحو رفع الظلم الممارس على المرأة في كل مكان.. والله ولي التوفيق.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم