اقتباس
وعلى العكس من ذلك تمامًا؛ فإن للصحابة في أعناقنا دَينا وجميلا وحقا عظيما، فمن واجباتنا نحوهم: الذود عن أعراضهم من كل همز ولمز وطعن وانتقاص: وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"، فما بالك بمن يزود عن عرض حملة الدين وحماته! إنه في الواقع يزود عن جناب الدين نفسه...
هم أعلم هذه الأمة وخيرها وأفضلها بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، محبهم مؤمن ومبغضهم منافق، اكتحلت عيونهم بالنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقاتلوا بين يديه، ومنهم من قدَّم روحه فداء لنفس النبي -صلى الله عليه وسلم-، شهدوا تنزل الوحي وعاصروه، وأحبوا القرآن وحفظوه، وفتحوا البلاد والأمصار رافعين راية الإسلام، فلولا فضل الله -تعالى- ثم دماؤهم التي سالت لما كنا نحن من المسلمين..
فكل مسلم على وجه الأرض الآن هو في ميزان حسناتهم. رضي الله عنكم يا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأرضاكم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100]، فهنيئًا لكم رضاه. ووعدكم الله مع رضاه بجنته: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) [الحديد:10]، فهنيئًا لكم الحسنى وهي الجنة. ومدحكم الله -تعالى- وأثنى عليكم في قرآنه بل في القرآن والتوراة والإنجيل قائلًا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29].
وتاب الله -عز وجل- عليكم وغفر لكم ذنوبكم: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:117]. ثم قرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنكم -ومن تبعكم- خير أهل زمانكم وزماننا إلى يوم القيامة قائلًا: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"(متفق عليه)..
ولا يزال الناس بخير ما دام فيهم الصحابة أو تابعيهم، فعن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني"(رواه ابن أبي شيبة في مصنفه).
وأكد -صلى الله عليه وسلم- أن وجود أصحابه سبب في الفتح والنصر، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم"(متفق عليه).
وعلامة الإيمان حب الأنصار، أما بغضهم فعلامة النفاق -والعياذ بالله-، فعن البراء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"(متفق عليه)، وفي الصحيحين أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"(متفق عليه). ومع ما للتابعين من فضل وعلو مكانة فإنهم أبدًا لا يعدلون ولا يقاسون ولا يقارنون بالصحابة، فهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يخاطب التابعين قائلًا: "والله! لقد رأيت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فما أرى اليوم شيئًا يشبههم؛ لقد كانوا يصبحون صفرًا شعثًا غبرًا، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجدًا وقيامًا يتلون كتاب الله -عز وجل- ويراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا وذكروا الله -عز وجل- مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين"، ثم نهض، فما رئي مفترًا ضاحكًا حتى ضربه ابن ملجم عدو الله الفاسق(رواه أبو بكر الدينوري في المجالسة).
***
فللصحابة عند الله -تعالى- قدر لا يبلغه ولا يجاوزه إلا الأنبياء والرسل، لذا يجب توقيرهم وتحرم الإساءة إليهم بأي صورة من الصور، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"(رواه مسلم)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"(رواه الطبراني في الكبير). وهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول "لا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة"(رواه أحمد في فضائل الصحابة).
ومن وقع فيهم بالسلب عاقبه الله -تعالى- في الدنيا قبل الآخرة، فعن علي بن زيد أن سعيد بن المسيب قال له: مر غلامك، فلينظر إلى وجه هذا الرجل، فقلت له: أنت تكفيني، أخبرني عنه، فقال: "إن هذا الرجل قد سود الله وجهه، كان يقع في عليّ، وطلحة، والزبير، فجعلت أنهاه فجعل لا ينتهي، فقلت: اللهم إن كنت تعلم أنه قد كانت لهم سوابق وقدم، فإن كان مسخطًا لك ما يقول فأرني به آية، واجعله آية للناس، فسود الله وجهه"(رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد).
***
وعلى العكس من ذلك تمامًا؛ فإن للصحابة في أعناقنا دَين وجميل وحق عظيم، فمن واجباتنا نحوهم: الزود عن أعراضهم من كل همز ولمز وطعن وانتقاص: وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"(رواه الترمذي)، فما بالك بمن يزود عن عرض حملة الدين وحماته؛ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنه في الواقع يزود عن جناب الدين نفسه. ومنها: إكرامهم وتوقيرهم: طاعةً لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم"(رواه النسائي، وعبد بن حميد في المنتخب واللفظ له).
ومنها: نشر الدين الذي ضحوا بأرواحهم من أجله، والتمسك والتمسيك به، وتعليمه لأولادنا كم علَّمه الصحابة لمن بعدهم. ومنها: نصرهم بكل طريقة من الطرق، وهو الذي ما عقدنا هذه المختارة ولا جمعنا هذه الخطب إلا لنفعله:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم